نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار الخوارج

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار الخوارج

في أيام معاوية وما كان من أمرهمكان أول من خرج بعد أن استقل معاوية بالأمر فروة بن نوفل الأشجعي، وكان قد اعتزل في خمسمائة من الخوارج، وسار إلى شهرزور، وترك قتال علي والحسن. فلما ولي معاوية قال: ' جاء الآن مالا شك فيه، سيروا إلى معاوية فجاهدوه '.فسار بهم حتى نزل النخيلة عند الكوفة. وكان الحسن بن علي قد سار يريد المدينة، فكتب إليه معاوية يدعوه إلى قتال فروة بن نوفل، فلحقه رسوله بالقادسية، أو قريباً منها، فلم يرجع، وكتب إلى معاوية يقول: ' لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فإني تركته لصلاح الأمة وحقن دمائها ' فأرسل إليهم معاوية جمعاً من أهل الشام، فقاتلوهم، فانهزم أهل الشام. فقال معاوية لأهل الكوفة: والله لا أمان لكم عندي حتى تكفونيهم ! فخرج أهل الكوفة إليهم، فقاتلوهم، فقالت الخوارج لهم: أليس معاوية عدونا وعدوكم ؟ دعونا حتى نقاتله، فإن أصبناه كنا قد كفيناكم عدوكم، وإن أصابنا كنتم قد كفيتمونا.فقالوا: لا بد لنا من قتالكم، فأخذت أشجع صاحبهم فروة، فوعظوه، فلم يرجع، فأدخلوه الكوفة قهراً. فاستعمل الخوارج عليهم عبد الله بن أبي الحوساء ' رجل من طيئ ' فقاتلهم أهل الكوفة، فقتلوهم في شهر ربيع الأول، أو ربيع الآخر، سنة إحدى وأربعين.وقتل ابن الحوساء، وكان حين ولي أمر الخوارج قد خوف من السلطان أن يصلبه إذا ظفر بهم، فقال:

ما إن أبالي إذا أرواحنا قبضت

ماذا فعلتم بأوصال وأبشار

تجري المجرة والنسران عن قدر

والشمس والقمر الساري بمقدار

وقد علمت وخير القول أنفعه

أن السعيد الذي ينجو من النار

ثم خرج حوثرة بن وداع، وذلك أنه لما قتل ابن أبي الحوساء اجتمع الخوارج فولوا أمرهم حوثرة بن وداع بن مسعود الأسدي، فقام فيهم، فعاب فروة بن نوفل في شكه في قتال علي رضي الله عنه، ودعا الخوارج وسار بهم من براز الروز - وكان بها - حتى قدم النخيلة في مائة وخمسين، وانضم إليهم فل ابن أبي الحوساء، وهم قليل. فدعا معاوية أبا حوثرة فقال له: اخرج إلى ابنك لعله يرق إذا رآك، فخرج إليه وكلمه وناشده وقال له: ألا آتيك بابنك لعلك إذا رأيته كرهت فراقه ! فقال: أنا إلى طعنة برمح من يد كافر أتقلب فيه ساعة أشوق مني إلى ابني ! فرجع أبوه فأخبر معاوية بمقالته.فسير إليه عبد الله بن عوف بن أحمر في ألفين، وخرج أبو حوثرة فيمن خرج، فدعا ابنه إلى البراز، فقال له: يا أبت لك في غيري سعة، فقاتله ابن عوف وقتله مبارزة، وقتل أصحابه إلا خمسين رجلاً دخلوا الكوفة، وذلك في جمادى الآخرة من السنة. ورأى ابن عوف بوجه حوثرة أثر السجود، وكان صاحب عبادة فندم على قتله، وقال:

قتلت أخا بني أسد سفاها

لعمر أبي فما لقيت رشدي

قتلت مصلياً محياه ليل

طويل الحزن ذا بر وقصد

قتلت أخا تقى لأنال دنيا

وذاك لشقوتي وعثار جدي

فهب لي توبة يا رب واغفر

لما قارفت من خطأ وعمد

ثم خرج فروة بن نوفل الأشجعي على المغيرة بن شعبة، وذلك بعد مسير معاوية، فوجه إليه المغيرة خيلاً عليها شبث بن ربعي، وقيل: معقل بن قيس، فلقيه بشهرزور، وقيل بالسواد. وخرج شبيب بن بحرة، وكان شبيب مع ابن ملجم حين قتل علياً، كما ذكرنا، فلما دخل معاوية أتاه شبيب كالمتقرب إليه، فقال: أنا وابن ملجم قتلنا علياً.فوثب معاوية مذعوراً من مجلسه حتى دخل منزله، وبعث إلى أشجع وقال: لئن رأيت شبيباً أو بلغني أنه ببابي لأهلكنكم أخرجوه عن بلدكم !. فكان شبيب إذا جن عليه الليل خرج فلم يلق أحداً إلا قتله.فلما ولي المغيرة خرج عليه بالطف بقرب الكوفة، فبعث المغيرة خيلاً عليها خالد بن عرفطة، وقيل: معقل بن قيس، فاقتتلوا، فقتل شبيب وأصحابه. وبلغ المغيرة أن معين بن عبد الله - وهو رجل من محارب - يريد الخروج، فأخذه وحبسه وبعث إلى معاوية يخبره، فكتب إليه: إن شهد أني خليفة فخل سبيله، فأحضره المغيرة، فأبى أن يشهد بخلافة معاوية، فقتله. ثم خرج أبو مريم مولى بني الحارث بن كعب، ومعه امرأتان: قطام وكحيلة، وكان أول من أخرج معه النساء، فعاب عليه ذلك أبو بلال بن أدية، فقال: قد قاتل النساء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين بالشام، وسأردهما فردهما.فوجه إليه المغيرة جابراً البجلي، فقاتله أبو مريم وأصحابه ببادوريا. وخرج أبو ليلى - وكان أسود طويلاً - ومعه ثلاثون من الموالي فبعث إليه المغيرة معقل بن قيس الرياحي، فقتله بسواد الكوفة في سنة اثنتين وأربعين. وخرج سهم بن غالب الهجيمي في سنة إحدى وأربعين بالبصرة على عبد الله بن عامر، في سبعين رجلاً، منهم الخطيم الباهلي واسمه زياد بن مالك، وإنما قيل له ' الخطيم ' لضربة ضربها على وجهه.فنزلوا بين الجسرين والبصرة، فمر بهم عبادة بن قرص الليثي، وقد انصرف من الغزو ومعه ابنه وابن أخيه، فقال لهم الخوارج: من أنتم ؟ قالوا: قوم مسلمون، قالوا: كذبتم.قال عبادة: سبحان الله ! اقبلوا منا ما قبل النبي صلى الله عليه وسلم مني، قالوا: أنت كافر، وقتلوه وقتلوا ابنه وابن أخيه، فخرج إليهم ابن عامر فقاتلهم، فقتل منهم عدة، وانحاز بقيتهم إلى أجمة، وفيهم سهم والخطيم، فأمنهم ابن عامر ورجعوا، وكتب إلى معاوية، فأمره بقتلهم، فلم يقتلهم، وكتب إلى معاوية: إني جعلت لهم ذمتك. فلما أتى زياد بن أبيه البصرة في سنة خمس وأربعين هرب الخطيم إلى الأهواز، واجتمع إلى سهم جماعة، فأقبل بهم إلى البصرة، فتفرق عنه أصحابه، فاختفى وطلب الأمان، فلم يزل يؤمنه زياد، وبحث عنه وأخذه فقتله وصلبه في داره. .وقيل: إنه لم يزل مستخفياً حتى مات زياد، فأخذه عبيد الله بن زياد وصلبه في سنة أربع وخمسين، فقال رجل من الخوارج:

فإن تكن الأحزاب باءوا بصلبه

فلا يبعدن الله سهم بن غالب

وأما الخطيم فإن زياداً سأله عن قتل عبادة، فأنكره، فسيره إلى البحرين، ثم أعاده، بعد ذلك، وقيل: إنه قتله.

خبر المستورد الخارجي

وفي سنة اثنتين وأربعين تحرك الخوارج الذين كانوا انحازوا عمن قتل يوم النهروان، واجتمعوا في أربعمائة وأمروا عليهم المستورد بن علفة التيمي، من تيم الرباب، وبايعوه في جمادى الآخرة، واستعدوا للخروج فخرجوا في غرة شعبان سنة ثلاث وأربعين. فبلغ أنهم اجتمعوا في منزل حيان بن ظبيان السلمي وتواعدوا للخروج، فأرسل صاحب شرطته، وهو قبيصه بن الدمون، فأحاط بدار حيان، وإذا عنده معاد بن جوين وهو من رءوس الخوارج ونحو عشرين رجلاً، وثارت امرأته وهي أم ولد كانت له كارهة فأخذت سيوفهم وألقتها تحت الفراش، وقاموا ليأخذوا سيوفهم فلم يجدوها فاستسلموا، فجيء بهم إلى المغيرة، فحبسهم بعد أن قررهم فلم يعترفوا بشيء قالوا: وإنما اجتمعنا لقراءة القرآن، ولم يزالوا في السجن نحو سنة، وسمع إخوانهم فحذروا. وخرج صاحبهم المستورد فنزل الحيرة، واختلف الخوارج إليه، ثم تحول إلى دار سليم بن مجدوع العبدي، وهو مهره. وبلغ المغيرة الخبر وأنهم عزموا على الخروج في تلك الأيام، فجمع الرؤساء فخطبهم وقال لهم: ليكفني كل رجل منكم قومه، وإلا والله تحولت عما تعرفون إلى ما تنكرون، وعما تحبون إلى ما تكرهون.فرجعوا إلى قومهم فناشدوهم الله والإسلام إلا دلوهم على من يريد تهييج الفتنة. فبلغ المستورد ذلك فخرج من دار سليم بن محدوج، وأرسل إلى أصحابه فأمرهم فخرجوا متفرقين، واجتمعوا في نحو ثلاثمائة رجل وساروا إلى الصراة. وبلغ المغيرة بن شعبة خبرهم، فندب معقل بن قيس في ثلاثمائة آلاف فارس اختارهم من الشيعة. وأما الخوارج فإنهم ساروا إلى أن بلغوا المذار فأقاموا بها. وبلغ ابن عامر بالبصرة خبرهم، فندب شريك بن الأعور الحرثي، وانتخب معه ثلاثة آلاف فارس أكثرهم من ربيعة، فسار بهم إلى المذار. وسار معقل وقدم أمامه أبا الرواغ في ثلاثمائة، فأتى بهم إلى المذار وقاتل الخوارج عامة نهاره وهم يهزمونه ويعود إلى القتال، ثم أدركه معقل في سبعمائة من أهل القوة، فجاء وقد غربت الشمس فصلوا المغرب، وحملت الخوارج عليهم فانهزم أصحاب معقل، وثبت هم في نحو مائتين ونزل إلى الأرض فتراجع إليه أصحابه وأتاه بقية الجيش. فبينما هم على ذلك بلغ الخوارج أن شريك بن الأعور قد أقبل من البصرة في ثلاثة آلاف، فأشار المستورد على أصحابه بالرجوع من حيث جاءوا، وقال: إنا إذا رجعنا نحو الكوفة لم يتبعنا أهل البصرة، ويرجعوا عنا فنقاتل طائفة أسهل من قتال طائفتين. فانحاز بأصحابه إلى البيوت، وخرج من الجانب الآخر وسار ليلته، ولم يعلم الجيش بمسيرهم، وبات معقل وأصحابه يتحارسون إلى الصباح، فأتاهم خبر مسيرهم. وجاء شريك، فدعاه معقل أن يسير معه، فأبى أصحاب شريك اتباعهم، فاعتذر إليه لمخالفة أصحابه ورجع. ودعا معقل أبا الرواغ، وأمره باتباعهم، في ستمائة فارس، فاتبعهم، فأدركهم نحو جرجرايا مع طلوع الشمس، فحمل المستورد على أبي الرواغ، فانهزم أصحابه وثبت في مائة فارس وقاتلهم طويلاً، ثم عطف أصحابه من كل جانب، وصدقوهم القتال، فلما رأى المستورد ذلك علم أن معقلاً إن أتاهم بمن معه هلكوا، فمضى بأصحابه وعبر دجلة إلى بهرسير، وتبعهم أبو الرواغ حتى نزل بهم إلى ساباط، فقال المستورد: هؤلاء حماة معقل وفرسانه ولو علمت أني أسبقهم إليه بساعة لسرت إليهم فواقعته، ثم ركب بأصحابه حتى انتهى إلى جسر ساباط، فقطعه، ووقف أبو الرواغ ينتظرهم للقتال وقد عبأ أصحابه. وسار المستورد حتى أتى ديلمان، وبها معقل فلما رآهم نصب رايته ونزل وقال: يا عباد الله الأرض الأرض !، فنزل معه نحو مائتي رجل، فحملت الخوارج عليهم، فاستقبلوهم بالرماح جثاة على الركب، فلم يقدروا عليهم، فتركوهم، وعدلوا إلى خيولهم فحالوا بينهم وبينها وقطعوا أعنتها فذهبت، ثم رجعوا إلى معقل وأصحابه فحملوا عليهم، واشتد الأمر على معقل ومن معه. فبينما هم كذلك أقبل أبو الرواغ بمن معه، وكان سبب عوده أنه أقام ينتظر عودة الخوارج إليه، فلما أبطأوا عليه أرسل من يأتيه بخبرهم فرأوا الجسر مقطوعاً ففرحوا بذلك ظناً منهم أن الخوارج فعلوا ذلك هيبة، فرجعوا إلى أبي الرواغ فأخبروه أنهم لم يروهم، وأن الجسر قد قطعوه هيبة لهم، فقال أبو الرواغ: لعمري ما فعلوا هذا إلا مكيدة، وما أراهم إلا قد سبقوكم إلى معقل حيث علموا أن فرسان أصحابه معي، وقد قطعوا الجسر ليشغلوكم به عن لحاقهم، فالنجاء النجاء في الطلب.ثم أمر أهل القرية فعقدوا الجسر، فعبر عليه، واتبع الخوارج، فلقيه أوائل الناس منهزمين، فصاح بهم: إلي إلي، فرجعوا إليه، وأخبروه الخبر وأنهم تركوا معقلاً يقاتلهم، وما يظنونه إلا قتيلاً، فجد في السير، ورد معه من لقيه من المنهزمين، وانتهى إلى العسكر، فرأى راية معقل منصوبة والناس يقتتلون، فحمل أبو الرواغ وأصحابه على الخوارج فأزالهم غير بعيد. ووصل أبو الرواغ إلى معقل فإذا هو متقدم يحرض أصحابه، فشدوا على الخوارج شدة منكرة، ونزل المستورد ومن معه إلى الأرض ونزل أصحاب معقل أيضاً، ثم اقتتلوا طويلاً من النهار بالسيوف أشد قتال، ثم إن المستورد نادى معقلاً ليبرز إليه، فبرز إليه، فمنعه أصحابه، فلم يقبل منهم، وكان معه ومع المستورد رمحه، فقال أصحاب معقل له: خذ رمحك.فأبى، وأقدم على المستورد، فطعنه المستورد برمحه، فخرج السنان من ظهره، وتقدم معقل والرمح فيه إلى المستورد، فضربه بسيفه فخالط دماغه فماتا جميعاً. وكان معقل قال لأصحابه: إن قتلت فأميركم عمرو بن محرز بن شهاب التميمي، فلما قتل معقل أخذ عمرو الراية، وحمل هو وأصحابه على الخوارج فقتلوهم، فلم ينج منهم غير خمسة أو ستة، وانكفت الخوارج بعد ذلك مدة ولاية زياد بن أبيه إلى سنة خمسين. فخرج قريب الأزدي وزحاف الطائي بالبصرة وهما ابنا خالة، وكان زياد يومئذ بالكوفة، وسمرة بالبصرة فأتى الخوارج بني ضبيعة وهم سبعون رجلاً فقتلوا منهم شيخاً، فاشتد زياد في أمر الخوارج فقتلهم وأمر سمرة بذلك، فقتل منهم بشراً كثيراً، وخطب زياد على المنبر فقال: يا أهل البصرة والله لتكفنني هؤلاء.أو لأبدأن بكم، والله لئن أفلت رجل منهم لا تأخذون العام من عطاياكم درهماً.فسار الناس إليهم فقتلوهم. ثم خرج زياد بن خراش العجلي في سنة اثنتين وخمسين في ثلاثمائة فأتى مسكن من السواد، فسرح إليه زياد بن أبيه خيلاً عليها سعد بن حذيفة، أو غيره، فقتلوهم وقد صاروا إلى ماه وخرج رجل من طئ اسمه معاذ في ثلاثين رجلاً فبعث إليه زياد من قتله وقتل أصحابه، ويقال بل حل لواءه واستأمن. وخرج طواف بن غلاق في سنة ثمان وخمسين بالبصرة، وكان سبب خروجه أن قوماً من الخوارج بالبصرة كانوا يجتمعون إلى رجل اسمه حرار فيتحدثون عنده ويعيبون السلطان، فأخذهم عبيد الله بن زياد فحبسهم، ثم أحضرهم، وعرض عليهم أن يقتل بعضهم بعضاً ويخلى سبيل القاتلين، ففعلوا، فأطلقوا، وكان طواف ممن قتل، فعذلهم أصحابهم وقالوا: قتلتم إخوانكم، قالوا أكرهنا وقد يكره الرجل على الكفر وهو مطمئن بالإيمان، وندم طواف وأصحابه، وقال أما من توبة ؟ فكانوا يبكون، وعرضوا على أولياء من قتلوا الدية، فأبوا قبولها، وعرضوا عليهم القود، فأبوا. ولقي طواف الهثهاث بن ثور السدوسي، فقال له: ما ترى لنا من توبة ! فقال: ما أجد لك إلا آية في كتاب الله عز وجل: ' ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم '.فدعا طواف أصحابه إلى الخروج على أن يفتكوا بابن زياد، فبايعوه في هذه السنة، وهم سبعون رجلاً من عبد القيس بالبصرة، فسعى بهم رجل من أصحابهم إلى ابن زياد، وبلغ ذلك طوافاً فعجل الخروج، فخرجوا من ليلتهم، فقتلوا رجلاً، ومضوا إلى الجلحاء، فندب ابن زياد الشرط والبخارية فقاتلوهم، فانهزم الشرط حتى دخلوا البصرة، واتبعوهم، وذلك يوم الفطر فكاثرهم الناس، فقاتلوا فقتلوا، وبقي طواف في ستة نفر وعطش فرسه، فاقتحم به الماء، فرماه البخارية بالنشاب حتى قتلوه وأخذ فصلب، ثم دفنه أهله.

عروة بن أدية وأخيه مرداس بن أدية

وغيرهما من الخوارجقال: وفي سنة ثمان وخمسين اشتد عبيد الله بن زياد على الخوارج، فقتل منهم جماعة كثيرة، منهم عروة بن أدية. وكان سبب قتله أن عبيد الله بن زياد خرج في رهان له، فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع الناس إليه، وفيهم عروة بن أدية وهو أخو مرداس بن أدية، وأدية أمهما وأبوهما جدير، وهو تميمي، فأقبل عروة على زياد يعظه، فكان مما قال له: ' أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين '. قال: فلما قال له ذلك ظن ابن زياد أنه لم يقله إلا ومعه جماعة فركب وترك رهانه، فقيل لعروة: ليقتلنك.فاختفى، فطلبه ابن زياد فأتى الكوفة فأخذ وأتي به إلى ابن زياد فقطع يديه ورجليه وقتله وقتل ابنته. وأما أخوه أبو بلال مرداس فكان عابداً مجتهداً عظيم القدر في الخوارج وشهد صفين مع علي فأنكر التحكيم.وشهد النهروان مع الخوارج، وكانت الخوارج كلها تتولاه. وكانت البثخاء امرأة من بني يربوع - تحرض على ابن زياد وتذكر تجبره وسوء سيرته، وكانت من المجتهدات، فذكرها ابن زياد، فقال لها أبو بلال: إن التقية لا بأس بها فتغيبي فإن هذا الجبار قد ذكرك.فقالت: أخشى أن يلقى أحد بسببي مكروهاً، فأخذها ابن زياد فقطع يديها ورجليها ورماها في السوق، فمر بها أبو بلال فعض على لحيته وقال: لهذه أطيب نفساً بالموت منك يا مرداس ! ما ميتة أموتها أحب إلي من ميتة البثخاء !. ومر أبو بلال ببعير قد طلي بقطران فغشي عليه، ثم أفاق فتلا: ' سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار '. ثم إن ابن زياد ألح في طلب الخوارج حتى ملأ منهم السجون. وحبس أبا بلال مرداس بن أدية، فرأى السجان عبادته، فأذن له كل ليلة في إتيان أهله، فكان يأتيهم ليلاً ويعود إلى السجن مع الصبح، وكان لمرداس صديق يسامر ابن زياد، فانطلق صديق مرداس إليه وأعلمه الخبر، وبات السجان بليلة سوء خوفاً أنه لا يرجع، فعاد على عادته، فقال له السجان: أما بلغك ما عزم عليه الأمير ؟ قال: بلى، قال: وكيف أتيت ؟ قال: لم يكن جزاؤك مع إحسانك أن تعاقب بسببي، وأصبح ابن زياد فقتلهم، فلما أحضر مرداس قام السجان - وكان ظثراً لعبيد الله - فشفع فيه وقص عليه قصته، فوهبه له وخلى سبيله. ثم خاف من ابن زياد، فخرج في أربعين رجلاً إلى الأهواز، فكان إذا اجتاز به مال لبيت المال أخذ منه عطاءه وعطاء أصحابه، ثم يرد الباقي، فلما سمع ابن زياد خبرهم بعث إليهم أسلم بن زرعة الكلابي، وقيل: أبو الحصين التيمي، وكان الجيش ألفي رجل، وذلك في سنة ستين، فلما أتوه ناشدهم أبو بلال الله أن ينصرفوا عنه، فأبوا ودعاهم أسلم إلى معاودة الجماعة، فقالوا أتردنا إلى ابن زياد الفاسق ؟ فرمى أصحاب أسلم رجلاً من الخوارج فقتلوه، فقال أبو بلال: قد بدءوكم بالقتال.فشد الخوارج على أسلم وأصحابه شدة رجل واحد، فهزموهم، فقدموا البصرة، فلامه ابن زياد على ذلك، وقال: هزمك أربعون وأنت في ألفين ؟ لا خير فيك !.فقال: لأن تلومني وأنا حي خير من أن تثني علي وأنا ميت وكان الصبيان إذا رأوا أسلم صاحوا به: أبو بلال وراءك.فشكا ذلك إلى ابن زياد، فنهاهم، فانتهوا. وقال رجل من الخوارج:

أألفا مؤمن منكم زعمتم

ويقتلهم بآسك أربعونا

كذبتم ليس ذاك كما زعمتم

ولكن الخوارج مؤمنونا

هم الفئة القليلة قد علمتم

على الفئة الكثيرة ينصرونا

هذا ما كان من ، فلنذكر حوادث السنين.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي