أخبار السلطان محمد
هو غياث الدين أبو شجاع محمد طير يمين أمير المؤمنين ابن السلطان جلال الدولة ملكشاه ابن السلطان عضد الدولة ألب أرسلان محمد بن داود جغري بك بن ميكائيل بن سلجق، وهو الخامس من ملوك الدولة السلجقية. قد قدمنا من أخبار السلطان، ووقائعه مع أخيه السلطان بركياروق وحروبه، والخطبة له ببغداد مرة بعد أخرى ما يستغني عن إعادته، ونحن الآن نذكر أخباره في سلطنته بعد وفاة أخيه.قال: لما مات السلطان بركياروق، وخطب لولده ملكشاه ببغداد كما ذكرناه، كان السلطان محمد إذ ذاك يحاصر جكرمش، وسكمان القطبي، وغيرهما من الأمراء، وكان سيف الدلو صدفة صاحب الحلة قد جمع خلقاً كثيرا من العساكر بلغت عدتهم خمسة عشر ألف فارس، وعشرة آلاف راجل، وأرسل ولديه بدران، ودبيس إلى السلطان محمد يستحثه على الحضور إلى بغداد، فاستصحبهما معه، فلما سمع الأمير إياز بمسيره إليه خرج هو والعسكر الذي معه من الدور، ونصبوا الخيام بالزهراء خارج بغداد، وجمع الأمراء، واستشارهم فيما يفعله، فبذلوا الطاعة واليمين على قتال السلطان، ودفعه عن السلطنة، والاتفاق على طاعة ملكشاه بن بركياروق، وكان أشدهم ينال وصبارو، فلما تفرقوا، قال له وزيره الصفيّ أبو المحاسن: اعلم أن حياتي مقرونة بثبات نعمتك ودولتك، وأنا أكثر التزاما بك من هؤلاء، وليس الرأي ما أشاروا به، فإن كل واحد منهم يقصد أن يسلك طريقا، ويقيم سوقا لنفسه، وأكثرهم يناوئك في المنزلة، وإنما يقعد بهم عن منازعتك قلة العدد والمال، والصواب مصالحة السلطان محمد، والدخول في طاعته، وهو يقرك ما بيدك من الإقطاع، ويزيدك عليه ما أردت، فتردّد رأي الأمير إياز في الصلح إلا أنه يظهر المباينة، وجمع السفن التي ببغداد، وضبط المشارع من متطرق إلى عسكره، أو إلى البلد، ووصل السلطان محمد إلى بغداد في يوم الجمعة لثمان بقين من جمادى الأولى، سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، ونزل بالجامع العربي، وخطب بالجامع، وأما جامع المنصور، فإن الخطيب قال: اللهم أصلح سلطان العالم، ولم يزد على ذلك، وركب إياز في عسكره، وهم عازمون على الحرب، وسار حتى أشرف على عسكر السلطان محمد، وعاد إلى مخيَّمه، فدعا الأمراء إلى اليمين مرة ثانية على المخالصة لملكشاه، فأجاب بعضهم، وتوقف البعض، وقالوا: قد حلفنا مرة، ولا فائدة في إعادة اليمين لأنا إن وفينا بالأولى، وفينا بالثانية، فأمر إياز حينئذ وزيره الصفي أبا المحاسن بالعبور إلى السلطان محمد، والمشي في الصلح، وتسليم السلطنة إليه، فعبر يوم السبت لسبع بقين من الشهر إلى عسكر محمد، واجتمع بوزيره سعد الملك أبي المحاسن سعد بن محمد، وعرّفه ما جاء فيه، فأحضره إلى السلطان، فأدى الرسالة، واعتذر عن صاحبه، فأجابه السلطان جوابا لطيفا، وطيب نفسه، وأجاب إلى اليمين، فلما كان الغد حضر قاضي القضاة، والنقيبان، والصفي وزير إياز عند السلطان، فقال له وزيره سعد الملك: إن إياز يخاف لما تقدم منه، وهو يطلب العهد لنفسه، وللأمراء الذين معه، فقال السلطان: أما ملكشاه فلا فرق بينه وبين أخي، وأما إياز والأمراء الذين معه، فأحلف لهم أن لا ينال الحسامي وصبارو، وحلف لهم، فلما كان الغد حضر الأمير إياز إلى السلطان، فلقيه الوزير، وكافة الناس، ووصل سيف الدولة صدفة في ذلك الوقت، ودخلا جميعا إلى السلطان، فأكرمهما، وأحسن غليهما، وقيل: بل ركب السلطان، ولقيهما، وأقام السلطان ببغداد إلى شعبان، وسار إلى أصفهان على ما نذكره إن شاء الله تعالى.