نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار الكهنة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار الكهنة

ويتصل به الزجر والفأل والطيرة والفراسة والذكاء، كانت الكهنة العرب لهم أتباع من الشياطين يسترقون السمع ويأتونهم بالأخبار، فيلقونها لمن يتبعهم، ويسألهم عن خفيات الأمور حتى جاء الإسلام، فمنعت الشياطين من استراق السمع، كما أخبر الله تعالى عنهم في كتابه العزيز 'وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً' فعند ذلك انقطعت الكهانة فلم يسمع في الإسلام بكاهن، وهذا من معجزات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوال الإشكال في الوحي، فمن ، خبر سطيح الكاهن حين ورد عليه ابن أخته عبد المسيح وهو يعالج الموت، فأخبره خبر ما جاء لأجله، وذلك أنه لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى، وسقط منه أربع عشرة شرفةً، وخمدت نار فارس، ولم تكن خمدت قبل ذلك بألف عام، وغارت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلاد فارس، فلما أصبح كسرى تصبر تشجعا ثم رأى أن لا يكتم ذلك عن وزرائه ومرزبته، فلبس تاجه، وقعد على سريره، وجمعهم وأخبرهم الخبر فبيناهم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النار فازداد غماً وسأل الموبذان وكان أعلمهم فقال: حادثٌ يكون من قبل العرب، فكتب كسرى إلى النعمان ابن المنذر: أن وجه إلي رجلاً عالما بما أريد أن أسأله عنه فوجه إليه عبد المسيح بن حسان بن نفيلة الغساني فقال له كسرى: أعندك علم بما أريد أن أسألك عنه ؟ قال: ليخبرني الملك فإن كان عندي منه علم، وإلا اخبرته بمن يعلمه، فأخبره بما رآه فقال: علم ذلك عند خالٍ لي يسكن مشارق الشام يقال له: سطيح، فأرسله كسرى إليه فورد على سطيح وقد أشفى على الموت فسلم عليه وحياه فلم يحر سطيحٌ جوابا فأنشد يقول:

أصم أم يسمع غطريف اليمن

أم فاز فازلم به شأو العنن

يا فاصل الخطة أعيت من ومن

وكاشف الكربة عن وجه الغضن

أتاك شيخ الحي من آل سنن

وأمه من آل ذئب بن حجن

أزرق ممهى الناب صرار الأذن

أبيض فضفاض الرداء والبدن

رسول قيل العجم يسري بالوسن

لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن

يجوب في الأرض على ذات شجن

ترفعني وجناً وتهوي بي وجن

حتى أتى عاري الجآجي والقطن

تلفه في الريح بوغاء الدمن

كأنما حثحث من حضني ثكن

ففتح سطيح عينيه ثم قال: عبد المسيح، على جملٍ مشيح، أتى إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلاد فارس، يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوه، وبعث صاحب الهراوه، وفاض وادي السماوه، وغاصت بحيرة ساوه، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما، ولا بابل للفرس مقاما، يملك فيهم ملوك وملكات، بعدد الشرفات، وكل ما هو آت آت، ثم قضى سطيح لوقته، فثار عبد المسيح إلى رحله وهو يقول:

شمر فإنك ماضي العزم شمير

لا يفزعنك تفريقٌ وتغيير

إن كان ملك بني ساسان أفرطهم

فإن ذا الدهر أطوارٌ دهارير

فربما ربما أضحوا بمنزلة

تهاب صولهم الأسد المهاصير

منهم أخو الصرح بهرام وإخوته

والهرمزان وسابورٌ وشابور

والناس أولاد علاتٍ فمن علموا

أن قد أقل فمحقورٌ ومهجور

وهم بنو الأم أما إن رأوا نشبا

فذاك بالغيب محفوظ ومنصور

والخير والشر مقرونان في قرنٍ

فالخير متبع والشر محذور

فلما قص الخبر على كسرى قال: إلى أن يملك منا أربعة عشر تكون أمورٌ، فملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون إلى زمن عثمان رضي الله عنه. ومن أخبارهم: أن سعدى بنت كريز بن ربيعة كانت قد تطرقت وتكهنت وهي خالة عثمان بن عفان رضي الله عنه، روي عنه أنه قال: لما زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته رقية من عتبة بن أبي لهب وكانت ذات جمال رائع، دخلتني الحسرة أو كالحسرة أن لا أكون سبقت إليها ثم لم ألبث أن انصرفت إلى منزلي فألفيت خالتي فلما رأتني قالت:

أبشر وحييت ثلاثا تترى

ثم ثلاثا وثلاثا أخرى

ثم بأخرى كي تتم عشرا

أتاك خير ووقيت شرا

نكحت والله حصانا زهرا

وأنت بكرٌ ولقيت بكرا

وافيتها بنت نفيس قدرا

بنت نبي قد أشاد ذكرا

قال عثمان: فعجبت من قولها، وقلت: ماذا تقولين فقالت:

عثمان يا ابن أخت يا عثمان

لك الجمال ولك البيان

هذا نبي معه البرهان

أرسله بحقه الديان

وجاءه التنزيل والفرقان

فاتبعه لا تحتالك الأوثان

فقلت: يا خالة ! إنك لتذكرين ما قد وقع ذكره في بلدتنا فأثبتيه لي، فقالت: إن محمد بن عبد الله رسولٌ من عند الله، جاء بتنزيل الله، يدعو إلى الله، مصباحه مصباح، وقوله صلاح، ودينه فلاح، وأمره نجاح، وقرنه نطاح، ذلت له البطاح، ما ينفع الصياح، لو وقع الذباح، وسلت الصفاح، ومدت الرماح، قال: ثم قامت فانصرفت ووقع كلامها في قلبي، وجعلت أفكر فيه، وذكر بعد ذلك إسلامه وتزويجه رقية، فكان يقال: أنهما أحسن زوجين اتفاقا وجمالا. ومنها أن هندا بنت عتبة بن ربيعة كانت عند الفاكه بن المغيرة، وكان من فتيان قريش، وكان له بيت الضيافة، خارجا من البيوت، تغشاه الناس من غير إذن، فجلا البيت ذات يوم واضطجع هو وهند فيه، ثم نهض لبعض حاجته، وأقبل رجل ممن كان يغشى البيت فولجه، فلما رآها ولى هاربا وأبصره الفاكه فأقبل إليها فضربها برجله وقال لها: من هذا الذي خرج من عندك ؟ قالت: ما رأيت أحدا، ولا انتبهت حتى أنبهتني ! فقال لها: ارجعي إلى أبيك، وتكلم الناس فيها، فقال لها أبوها: يا بنية ! إن الناس قد أكثروا فيك، فأنبئيني نبأك، فإن يكن الرجل عليك صادقا دسست عليه من يقتله، فتنقطع عنك المقالة، وإن يك كاذبا حاكمته إلى بعض الكهان، فقالت: لا والله ! ما هو علي بصادق، فقال له: يا فاكه ! إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم، فحاكمني إلى بعض كهان اليمن، فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم، وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف، ومعهم هند ونسوةٌ، فلما شارفوا البلاد، وقالوا: غدا نرد على الرجل، تنكرت حال هند، فقال لها عتبة: إني أرى ما بك من تنكر الحال، وما ذاك إلا لمكروه عندك، فهلا كان هذا قبل أن يشتهر عند الناس مسيرنا ؟ فقالت: لا والله ! ولكني أعرف أنكم تأتون بشراً يخطيء ويصيب ولا آمنه أن يسمني ميسما يكون على سبةً فقال: إني سوف أختبره لك، فصفر لفرسه حتى أدلى ثم أدخل في إحليله حبة حنطة وأوكأ عليها بسير، فلما أصبحوا قدموا على الرجل فأكرمهم ونحر لهم، فلما تغدوا قال له عتبة: قد جئناك في أمر وقد خبأنا لك خبيئا أختبرك به، فانظر ما هو ؟ فقال ثمره: في كمره.قال إني أريد أبين من هذا، قال: حبة بر، في إحليل مهر، قال: انظر في أمر هؤلاء النسوة، فجعل يدنو من إحداهن فيضرب بيده على كتفها ويقول لها، انهضي، حتى دنا من هند فقال لها: انهضي غير رسحاء ولا زانية، ولتلدن ملكا اسمه معاوية، فنهض إليها الفاكه فأخذ بيدها فجذبت يدها من يده وقالت: إليك عني فوالله لأحرصن أن يكون من غيرك، فتزوجها أبو سفيان. ومنها أن أمية بن عبد شمس دعا هاشم بن عبد مناف إلى المنافرة، فقال هاشم: إن أنافرك على خمسين ناقة سود الحدق، ننحرها بمكة أو الجلاء عن مكة عشر سنين، فرضي أمية وجعلا بينهما الخزاعي الكاهن وخرجا إليه ومعهما جماعة من قومهما فقالوا: نخبأ له خبيئاً فإن أصابه تحاكمنا إليه، وإن لم يصبه تحاكمنا إلى غيره، فوجدا أبا همهمة وكان معهم أطباق جمجمة، فأمسكها معه ثم أتوا الكاهن فأناخوا ببابه وكان منزله بعسفان: فقالوا: إنا قد خبأنا لك خبيئا فأنبئنا عنه.قال: أحلف بالضوء والظلمه، وما بتهامة من تهمه، وما بنجدٍ من أكمه، لقد خبأتم لي أطباق جمجمه، مع الفلندح أبي همهمه، فقالوا: صدقت احكم بين هاشم بن عبد مناف وبين أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أيهما أشرف بيتاً ونفساً، قال: والقمر الباهر.والكوكب الزاهر.والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلمٍ مسافر، من منجد وغائر، لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر، أولا منه وآخر، فأخذ هاشم لإبل ونحرها وأطعمها من حضر وخرج أمية إلى الشام فأقام بها عشر سنين، فيقال: إنها أول عداوة وقعت بين بني هاشم وبين بني أمية. ومنها: أن بني كلاب وبني رباب من بني نضر خاصموا عبد المطلب في مال قريبٍ من الطائف فقال عبد المطلب: المال مالي فسلوني أعطكم، قالوا: لا، قال: فاختاروا حاكماً قالوا: ربيعة بن حذار الأسدي فتراصوا به وعقلوا مائة ناقة في الوادي وقالوا: الإبل والمال لمن حكم له، وخرجوا وخرج مع عبد المطل حرب بن أمية فلما نزلوا بربيعة بعث إليهم بجزائر فنحرها عبد المطلب، وأمر فصنع جزرا وأطعم من أناه، ونحر الكلابيون والنضريون ووشقوا فقيل لربيعة فقال: إن عبد المطلب امرؤ من ولد خزيمة فمتى يملق يصله بنو عمه وأرسل إليهم أن اخبأوا لي خبيئاً فقال عبد المطلب: قد خبأت كلبا اسمه سوار في عنقه قلادة، في خرزة مزادة، وضممتها بعين جرادة، فقال الآخرون: قد رضينا ما خبأت وأرسلوا إلى ربيعة فقال: خبأ ثم خبيئا حياً قالوا: زد، قال: ذو برثن أغبر، وبطن أحمر، وظهر أنمر، قالوا: قربت، قال: سما فسطع، ثم هبط فلطع، فترك الأرض بلقع، قالوا: قربت فطبق قال: عين جرادة، في خرزة مزادة، في عنق سوار ذي القلادة، قالوا: زه زه أصبت فاحكم لأشدنا طعانا، وأوسعنا مكانا، قال عبد المطلب: احكم لأولانا بالخيرات، وأبعدنا عن السوآت وأكرمنا أمهات، فقال ربيعة: والغسق والشفق، والخلق المتفق، ما لبني كلاب وبني رباب من حق، فانصرف يا عبد المطلب على الصواب، ولك فصل الخطاب، فوهب عبد المطلب المال لحرب بن أمية. و كثيرةٌ نذكر منها إن شاء الله تعالى في السيرة النبوية جملة تقف عليها في المبشرات برسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في السفر الرابع عشر من كتاب الأصل.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي