نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار المنصور

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار المنصور

محمد بن أبي عامرقال: ولما عزل المصحفي اتفق الرأي على تقديم محمد بن أبي عامر المعافري، فولى الحجابة في يوم الاثنين المؤرّخ، وبقي غالبٌ شريكه إلى أن قُتل وتفرّد المنصور بالأمر. قال بعض المؤرخين: كان محمد بن أبي عامر من الجزيرة الخضراء، وله بها قدْرٌ وهو شابٌّ إلى قرطبة واشتغل بالعلم والأدب، وسمع الحديث وتميّز.وكانت له همة يحدِّث بها نفسه بإدراك معالي الأمور، وكان يحدّث من يختص به بما يقع له من ذلك.وله أخبار كثيرة أورد منها أبو عبد الله الحميدي - في كتابه المترجم بالأماني الصادقة - كثيراً قال: ثم علت حاله، وتعلّق بوكالة صُبْحٍ أم هشام المؤيد، والنظر في أموالها ؛ فزاد أمره في التَّرقِّي إلى أن مات وولى ابنه هشام، فخافت اضطراب الأمر عليه، فضمن لها سكون الحال وزوال الخوف واستقرار الملك لابنها.فساعدته المقادير، وأمدّته بالأموال فاستمال العساكر إليه، فصار صاحب التدبير والمتغلِّب على الأمر. وحجب هشاماً وتلقَّب بالمنصور وأقام الهيبة، فدانت له أقطار الأندلس كلها، ولم يضطرب عليه شيء منها لعظم هيبته وحُسْن سياسته.وكان يدخل إلى القصر ويخرج فيقول: أمر أمير المؤمنين بكذا ونهى عن كذا ! فلا يُعترَض عليه في مقال ولا يُنازع في أفعال. وكان إذا غزا بلد الروم وكل بهشام من يمنعه من التصرف والظهور والإذْن في دخول أحدٍ من الناس إلى أن يعود من سفره، فإذا كان بعد سنين أركبه وجعل عليه بُرنساً وألبس جواريه البرانس حتى لا يُعرف منهم، ويوكل بالطرقات من يطرد الناس عنها حتى ينتهي إلى الزهراء وغيرها من المتنزهات، ثم يعيده على مثل ذلك.وليس له من الملك إلا الدعاء على المنابر، وإثبات اسمه على السكة والطرر، والمنصور على أتمّ ما يكون من الحزم وسدّ الثغور وإقامة العدل وشمول الناس بالإحسان والفضل.فلم ثُر في الضبط وحُسْن السياسة وأمْن السبيل وتوفية حقوق الرياسة بجزيرة الأندلس كأيامه !ودامت له هذه الحال بضعاً وعشرين سنة إلى أن توفي، وكانت وفاته في أقصى الثغور بمدينة سالم في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة في طريق الغزو. قال: وكان رحمه الله تعالى له مجلس في الأسبوع يجتمع فيه أهل العلم للكلام بحضرته مدة بقائه بقرطبة، قال وختن أولاده فختن معهم من أولاد أهل دولته خمسمائة صبي ومن أولاد الضعفاء ما لم تُحص عدتهم، وأنفق فيه خمسمائة ألف دينار. وكان ذا همة عالية في الجهاد، مواصلاً لغزو الروم، وربما خرج لصلاة العيد فيقع له فيه الجهاد، فلا يرجع إلى قصده ويركب من فوره بعد انصرافه من الصلاة، فلا يصل إلى أوائل الدروب إلا وقد لحقه كل من أراد من العساكر.وغزا ستاً وخمسين غزاة ذكرت في المآثر العامرية بأوقاتها، وفتح فتوحاً كثيرةً، ووصل إلى معاقل جمَّةٍ امتنعت على من كان قبله.وملأ الأندلس بالغنائم والسبي. قال: وكان إذا انصرف من قتال العدو إلى سُرادقه يأمر بنفض غبار ثيابه التي شهد فيها الحرب، ويُجمع ويُحتفظ به.فلما حضرته الوفاة أمر أن ينشر على كفنه ما جمع من ذلك إذا وضع في قبره. قال: وبنى مدينة الزاهرة بقرب قرطبة، وانتقل إليها بأهله وولده وحواشيه.وكان قد يُخَوَّف من بني أمية أن يثوروا به، فأخذ في تقتيلهم صغاراً وكباراً، عملاً في الباطن لنفسه وفي الظاهر إشفاقاً على المؤيد منهم، حتى أفنى من يصلح منهم للولاية، وفرّق في البلاد.فكان ممن هرب الوليد بن هشام الخارج على الحاكم بمصر، الملقب بأبي زكوة. و طويلة مشهورة لو استقصيناها لطال الكتاب، وفيما نبّهنا عليه من أخباره وذكرناه من آثاره كفاية.وأخبرني بعض أهل الأندلس أن على قبره مكتوباً:

آثاره تُنْبيك عن أخباره

حتى كأنك بالعيان تراه

تالله لا يأتي الزمان بمثله

أبداً ولا يحمي الثغور سواه

ولما مات رحمه الله - قام بالأمر بعده ولده.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي