نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار بختنصر

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار بختنصر

ويقال في اسمه بالفارسية بخترشه، وكان مرزبانا ببهراسف، ومعنى الورزبان أنه ملك على ربع من أرباع المملكة.وقد قدمنا أن الملك لهراسف كان قد جعله أصبهبذا ما بين الأهواز إلى أرض الروم.قال: فسار حتى أتى دمشق فصالحه أهلها، ووجه قائداً له فأتى بيت المقدس فصالح ملك بني إسرائيل، وهو رجل من بني داود النبي عليه السلام، وأخذ منه رهائن وانصرف.فلما بلغ طبرية وثب بنو إسرائيل على ملكهم فقتلوه وقالوا له: إنك هادنتن أهل الكفر وخذلتنا واستعدوا للقتال ؛ فكان عاقبة ذلك أن قائد بختنصر - لما بلغه ما كان من بني إسرائيل - كتب إليه يخبره بقتلهم ملكهم، فأجابه بختنصر أن يقيم بموضعه حتى يوافيه، وأمره بضرب أعناق الرهائن الذين معه.وسار بختنصر حتى أتى بيت المقدس فأخذ المدينة عنوة وقتل المقاتلة وسبي الذرية وهرب الباقون إلى مصر، فكتب بختنصر إلى ملك مصر: أن عبيدا لي هربوا مني إليك فسرحهم إلي وإلا غزوتك وأوطأت خيلي بلادك، فكتب إليه ملك مصر: إنهم ليسوا عبيدك، ولكنهم الأحرار أبناء الأحرار، وامتنع من إنفاذهم إليه، فغزاه بختنصر وقتله وسبى أهل مصر، ثم سار في أرض المغرب حتى بلغ أقصى نواحيها.قال صاحب كتاب تجارب الأمم: وقد حكى أهل التوراة وغيرهم في أمر بختنصر أقوالاً مختلفة، فذكروا منها: أن بختنصر لما خرب بيت المقدس أمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه تراباً ثم يقذفه في بيت المقدس، فقذفوا فيه من التراب ما ملأه.قال: ولما انصرف إلى بابل اجتمع معه سبايا بيت المقدس من بني إسرائيل وغيرهم، فاختار منهم سبعين ألف صبي، فلما فرق الغنائم على جنوده سألوه أن يقسم فيهم الصبيان، فقسمهم في الملوك منهم، فأصاب كل رجل منهم أربعة، وكان من أولئك الغلمة الذين سباهم، دانيال النبي وحنين ومنشايل، وسبعة آلاف من أهل بيت داود، وأحد عشر ألفاً من سبط بشر بن يعقوب.ثم غزا بختنصر العرب، وذلك في زمن معد بن عدنان. قال: وكانت مدة غلبة بختنصر إلى أن مات أربعين سنة، ثم قام ابن له يقال له أونمروذ ثم هلك، وملك مكانه ابن له يقال له بلتنصر، وذلك في زمن بهمن، فلم يرض بهمن أمره فعزله وملك مكانه كيرش، وتقدم إليه بهمن أن يرفق ببني إسرائيل ويمكنهم من النزول حيث سألوا، أو الرجوع إلى أرضهم، وأن يولي عليهم من يختارونه، فاختاروا دانيال فولاه أمرهم.فكانت مدة خراب بيت المقدس سبعين سنة.وقيل غير ذلك.ولنرجع إلى أخبار الفرس. ولما اعتزل لهراسف الملك كما ذكرناه ملك بعده كي بشتاسف بن كي لهراسف.قال: ولما ملك بنى مدينة فسا، وهو أول من بسط دواوين الكتاب لا سيما ديوان الرسائل.وكان له ديوانان أحدهما: ديوان الخراج، والآخر ديوان النفقات، فكل ما يرد فإلى ديوان الخراج، وكل ما يصرف فمن ديوان النفقات.وكان له كاتب موكل بدار المملكة، فإن وقع تقصير بأحد في منزلته، أو حط من ردجته رجع إلى ذلك الكاتب ليبين له حال مرتبته فيجري على رسمه وعادته. وفي أيامه ظهر زرادشت بعد ثلاثين سنة من ملكه فادعى النبوة فأراده على قبول دينه فامتنع من ذلك ثم صدقه وقبل دعواه، وأتاه بكتاب يكتب في جلد اثنتي عشرة ألف بقرة حفرا في الجلود ونقشا بالذهب، فصير بشتاسف ذلك الكتاب بإصطخر ووكل به الهرابذة، ومنع من تعليمه العامة.وبنى ببلاد الهند بيوتاً للنيران، وتنسك واشتغل بالعبادة، وهادن كي خرزاسف بن كي سواسف ابن أخي فراسياب ملك الترك على ضروب من الصلح، وفي جملة شريطة الصلح ألا يكون ببلاد خرزاسف دابة موقوفة في منزلة الدواب التي تكون على أبواب الملوك، وغير ذلك مما وقعت عليه المهادنة.فأشار زرادشت على بشتاسف بنقض الهدنة ومفاسدة ملك الترك، فبلغ ملك الترك ذلك، فغضب وكتب إليه كتاباً غليظاً من جملته أن يوجه إليه زرادشت، وأقسم إن امتنع أن يغزوه حتى يسفك دمه ودماء أهل بيته ؛ فأجابه بشتاسف بجواب أغلظ من كتابه وآذنه بالحرب وأعلمه أنه غير ممسك عنه إن أمسك هو.فسار كل منهما إلى الآخر، ومع كل واحد منهما إخوته وأهل بيته، والتقوا واقتتلوا قتالاً شديداً، فكانت الدائرة على الترك، وقتل اسفنديار بن بشتاسف بيدرفش الساحر مبارزة ؛ وقتلت الترك قتلاً ذريعاً، وهرب ملكهم خرزاسف ورجع بشتاسف إلى بلخ. قال: فلما مضت لتلك الحرب سنون سعى رجل يقال فروخ بإسفنديار إلى بشتاسف ونسبه أنه تطاول للملك، وزعم أنه أحق به، فأفسد بذلك قلب بشتاسف عليه، وصدق مقالة فروخ، فأخذ في التدبير على إسفنديار وجعل يرسله إلى حرب بعد حرب، وهو يظفر وينجح ويرجع بالغنائم، ثم أمر بتقييده فقيد، وصيره في الحبس في حصن من حصونه، وسار بشتاسف إلى جبل يقال له طميدر لدراسة دينه والتنسك هناك، وخلف أباه لهراسف في مدينة بلخ، وقد كبرت سنة وهرم وعجز. قال: فاتصل هذا الخبر بخرزاسف ملك الترك، فجمع من الجنود ما لا يحصى كثرة، وشخص من بلاده نحو بلخ حتى إذا انتهى إلى تخوم ملك فارس قدم أمامه جوهر مز أخيه، وكان مرشحاً للملك، في جماعة كثيرة من المقاتلة، وأمرهم أن يغذوا السير حتى يتوسطوا المملكة، ثم يواقعوا بأهلها ويشنوا الغارة على المدن والقرى.ففعل جوهرمز ذلك وسفك الدماء واستباح الحرم، وسبى ما لا يحصى، وأتبعه خرزاسف ملك الترك حتى انتهى إلى مدينة بلخ، فاحرق الدواوين وقتل لهراسف والهرابذة، وهدم بيوت النيران، واستولى على الأموال والكنوز، وسبى ابنتين لبشتاسف وأخذ درفس كابيان، وسار في طلب بشتاسف فتحصن منه في جبل طميدر ؛ فعند ذلك ندم بشتاسف على ما كان منه في حق ابنه إسفنديار ؛ فيقال: إنه وجه من استخرجه من محبسه، وجاءه به ؛ فلما دخل عليه اعتذر منه ووعده عقد التاج على رأسه، وأن يفعل معه كما فعل لهراسف به.وقلده أمر عساكره وندبه لحرب ملك الترك.فطابت نفس إسفنديار بكلام أبيه له، وتأهب لوقته، وسار بالجنود صبيحة النهار نحو الترك.فلما قرب منهم تبادروا بحربه ؛ فكان ممن خرج إليه منهم جوهرمز واندرمان، فالتقوا والتحمت بينهم الحرب، فانقض إسفنديار على عساكر الترك بنفسه واختلط بهم، وقاتل حتى ثلم فيهم ثلمة عظيمة، وفشا في الترك أن إسفنديار قد أطلق من محبسه، وأنه الذي يقاتلهم، فانهزموا لا يلوون على شيء.واسترجع إسفنديار من الترك الدرفس وعاد إلى أبيه، فاستبشر وأمره باتباع القوم وقتال خرزاسف وقتله - إن ظفر به - بجده لهراسف، وقتل جوهرمز واندرمان بمن قتل من ولده، وأن يهدم حصون الترك ويحرق مدنهم ويقتل أهلها بمن قتلوا من أهل بلاده، ويستنقذ من سبوه من بناته.فدخل إسفنديار بلاد الترك ورام مل لم يرمه أحد قبله، واعترض العنقاء ورماها على ما يزعم الفرس، ودخل مدينة الصفر عنوة، وقتل ملكها وأخوته ومقاتلته، واستباح أمواله وسبى ذراريه ونساءه واستنقذ أختيه، وكتب بالفتح إلى أبيه.ولم يستقل إسفنديار هذا بالملك. والذي ملك الفرس بعد بشتاسف أردشيربهمن بن إسفنديار بن بشتاسف.وتفسير بهمن بالعربية: الحسن النية. قال: ولما ملك أردشير انبسطت يده وتناول الممالك حتى ملك الأقاليم.وكانت ملوك الأرض تحمل إليه الإتاوة، وابتنى بالسواد مدينة وهي المعروفة بهيمنيا، وهو أبو دارا الأكبر، وأبو ساسان.قال: وكان بهمن كريماً متواضعاً.وكانت تخرج كتبه: من اردشير بهمن عبد الله وخادم الله والسائس لأمركم.ويقال: إنه غزا رومية الداخلة في ألف ألف مقاتل.ومن المؤرخين من ذهب إلى أن بهمن هذا هو الذي جهز بختنصر لغزو العرب وغيرهم.وكانت مدة ملك أردشير مائة واثنتي عشرة سنة. ولما مات ملكت بعده ابنته جماز هرازاد، وهي جماني أم ابنه دارا.قال: وكانت قد حملت منه بدارا الأكبر وسألته أن يعقد التاج للذي في بطنها ويؤثره بالملك، ففعل أردشير ذلك.وكان ابنه ساسان يتصنع للملك ولا يشك أنه يكون هو الملك بعد أبيه.فلما رأى ما فعل أبوه شق ذلك عليه، فلحق بإصطخر وتزهد، وخرج عن حلية الملوك، واتخذ غنيمة وكان يتولاها بنفسه، فاستشنع الناس ذلك من فعله وقالوا: صار ساسان راعياً ؛ ولم تزل جماني قائمة بأمر الملك، ضابطة له، وأغزت الروم جيشاً بعد جيش وأوتيت ظفراً، فقمعت الأعداء وشغلتهم من التطرق إلى شيء من بالدها، ونال رعيتها بتدبيرها رفاهية وأمن إلى أن كبر ابنها. فملك دارا بن أردشير بهمن.قال: ولما كبر حول للتاج إلى رأسه ونزل بابل.وكان ضابطاً لملكه، قاهراً لمن حوله من الملوك، يؤدون إليه الخراج.وابتنى بفارس مدينة وسماها دارا بجرد.ورتب دواب البريد.وكانت مدة ملكه اثنتي عشرة سنة. وملك بعده ابنه دارا ابن دارا بن أردشير، وكان دارا هذا حقوداً جباراً، فمله قومه، وغزاه الإسكندر بن فيلبس اليوناني، والتقوا واقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل دارا بن دارا.وسنذكر خبر مقتله في أخبار الإسكندر. فهؤلاء ملوك الفرس الأول.ثم تبدد ملك الفرس وانتثر لقتل دارا بن دارا، واستقل الإسكندر بالملك.وملك بعده من نذكره من ملوك اليونان، وتفرق ملك الفرس أربعمائة سنة إلى أن عاد إلى بني ساسان، وهأنا ذاكر خبر موك الوائف ما بين دارا بن دارا وأردشير بن بابك.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي