نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار بلاد سيس

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار بلاد سيس

وسبب استيلاء الأرمن عليهاالمصيصة بناها عبد الملك بن مروان في أيام أبيه، في سنة أربع وثمانين من الهجرة النبوية. وأما طرسوس فهمي من المدن القديمة، وفيها دفن الخليفة عبد الله المأمون بن الرشيد كما ذكرنا. وطرسوس وأذنة وما يليهما تسمى قيليقيا، وتعرف هذه البلاد بالدروب والعواصم، وبها كان الغزو والرباط والجهاد والمثاغرة، وكانت مضافة إلى مملكة مصر في إمارة أحمد بن طولون ومن بعده، حتى استولى الروم عليها كما قدمنا واستمرت بيد الروم إلى أن استولى عليها مليح بن ولان الأرمني، وذلك في أيام العادل نور الدين الشهيد، بمساعدته، وهزم 'مليح' جيش الروم فقوى عند ذلك البلاد، وكانت هزيمته للروم في يوم الأحد سلخ شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وخمسمائة، وأسر من مقدميهم ثلاثين أسيرا، فأحسن إليه نور الدين وخلع عليه، وكتب إلى بغداد يعظم أمر الروم ويذكر أن هذا مليح الأرمني من جملة غلمانه، وأنه كسر الروم، ومن بذلك على أهل بغداد. واستمر ملك هذه البلاد في هذا البيت إلى الآن. نعود إلى أخبار السلطان الملك الظاهر. قال: ثم رحل السلطان وخيم بمرج أنطاكية، وانبثت العساكر في تلك المروج ورعت الأعشاب، ثم رحل. ذكر منازلة حصن القصير وفتحههذا الحصن مما لم يفتحه السلطان الملك الناصر صلاح الدين بن يوسف بن أيوب رحمه الله، وقيل إنه صالح عليه، وما زال لمن يكون بابا برومية ؛ والبابا خليفة عند الفرنج ينفذ أمره وحكمه في سائر ملوك الفرنج. وأمر الحصن راجع إلى بترك أنطاكية، والفرنج تميزه وتؤثره.وأهله أهل شره ومنعه وفساد، وكان مضرة على الفرعة وتلك الجهات.ولما فتح السلطان أنطاكية سأل أهل القصير الهدنة والمناصفة، فأجيبوا إلى ذلك كما قدمناه.فما وفوا وأخفوا في المناصفة.ولما وصل صمغار 'مقدم التتار' إلى جهة حارم ضرب أهل القصير البشائر، ودلوا على الطريق وأمثال ذلك مما يقتضي فسخ الهدنة.وكان السلطان قد رسم للأمير سيف الدين الدوادار بالتردد إلى كليام النائب بالقصير وإظهار مصافاته.واعتمد ذلك وتوجه المذكور إليه في خامس عشر شوال سنة ثلاث وسبعين وستمائة، ومعه جماعة من السلاح دارية بصورة أصحابه، فوصلوا إلى القصير وأظهر الأمير سيف الدين غضبا كون كليام ما خرج للقائه وقصد الرجوع فبلغه ذلك فخرج مسرعاً ليسترضيه ويرده، فأدركه فامتنع من الرجوع.واستدراجه حتى أبعد عن الحصن، ثم قتل من كان معه وأخذ كليام وأحضره إلى السلطان.فكتب إلى أصحابه بالتسليم فما رجعوا إلى كلامه.فجرد السلطان جماعة من أمراء حلب وهم: سيف الدين الصروي وشهاب الدين مروان وإلى أنطاكية وجماعة من الرجال، فنازلوا القصير. وتوجه السلطان إلى دمشق واستصحب كليام معه، وكان شيخا كبيرا وكان ابنه في الأسر، فمات كليام في الأسر بعد اجتماعه بابنه.ولما اشتد الحصار على القصير وعدموا الأقوات سلموا الحصن المذكور في يوم الأربعاء ثالث وعشرين جمادى الأولى سنة أربع وسبعين.وحمل أهله إلى الجهات التي قصدوها.

وفاة الأبرنس صاحب طرابلس

وما انفق بعد وفاتهوفي تاسع شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين وستمائة: توفي الأبرنس بيمند بن بيمند صاحب طرابلس.ووصل ملك قبرص، وهو ابن عم الأبرنس إلى طرابلس لتعزية ولده، وكان السلطان قد كتب إلى البرنس يقول: 'إن اللاذقية النصف، فتترك النصف الآخر فإنه من حقوق المسلمين'.فلما سمع الفرنج ذلك قووا البرج، وخاف المسلمون عاديتهم.فرسم السلطان لركن الدين النائب ببلاطنس بنقل من باللاذقية من المسلمين إلى البلاد السلطانية.فوصل كتاب نائب البرنس الذي باللاذقية يذكر أنهم ما برحوا في الطاعة، وقد عز عليهم خروج من عندهم.ووردت رسل ملك عكا وهو يشفع عند السلطان قد سير عسكرا للحوطة على عرقا ومغل بلادها، فسير ملك عكا وقبرص يتوسل في أمرهم، وسأل إنفاد من يوثق به لأجل الدعاوى، ويكون منه إلى نواب السلطان ومن ملك عكا إلى نواب البرنس.فسير الأمير سيف الدين الدوادار فتوجه إلى عرقا.وأقام بها، فاجتمع عنده نائب بعلبك، وولاه البر ومشايخ البلاد ومستخدميها ونواب الفرنجية.وكتبت الدعاوى وترددت الرسل.واتفقت وفاة الأمير صارم الدين الظافري النائب بحصن الأكراد، فبقي الفرنج يعتذرون به وأنكروا الدعاوى ثم سأل الملك حضور الأمير سيف تالدين إلى طرابلس فدخلها في ثامن المحرم في تجمل كثير من المماليك السلطانية ومماليكه وأجناده، وتلقاه أبناء الملوك بها، واجتمع بالملك وسلم إليه كتاب السلطان، وتقرر على الفرنج القيام بعشرين ألف دينار صورية وعشرين أسيرا من المسلمين.

غزوة النوبة

وفي سنة أربع وسبعين وستمائة: كثر تعدي داود متملك النوبة، وحضر إلى قريب أسوان وأحرق سواقي.وكان قبل ذلك قد حضر إلى عيذاب، وفعل الأفعال الشنيعة.وتوجه الأمير علاء الدين الخزندار وإلى قوص إلى أسوان فلم يدركه وظفر بنائبه الأمير قمر الدين 'بقلعة' الدو المسمى صاحب الجبل وجماعة معه، فجهزهم إلى السلطان فوسطوا.وأمر السلطان بتجريد الأمير شمس الدين أفسنقر استاد الدار، والأمير عز الدين أيبك الأفرم أمير جاندار، وصحبتهم جماعة من العسكر ومن أجناد الولايات والعربان بالوجه القبلي.وكان قد حضر ابن أخت ملك النوبة مرمشكد الذي أخذ داود الملك منه.فجهز العسكر المنصور وتوجه 'مرمشكد' صحبتهم.فأغار الأمير عز الدين على قلعة الدو وقتل وسبى، وسار الأمير شمس الدين في أثره يستأصل شأفه من بقي، ونزل الأمير شمس الدين بجزيرة ميكائيل وهي رأس جنادل النوبة، وهي كثيرة الأوعار وفي وسط البحر، فقتلوا وأسروا.وكان نائب قلعة الدو الذي ولى عوض الموسط قد هرب إلى الجزائر، فأعطى أمانا واستمر على نيابته، وحلف لمرمشكد المتوجه صحبة العسكر ما دام على الطاعة.وخاص الأمير عز الدين في وسط البحر إلى برج فحاصره، وأخذه وقتل به مائتين وخمسين نفرا. ثم ساق العسكر والتقوا الملك داود، ومازال السيف يعمل فيهم حتى أفناهم وما سلم إلا من ألقى نفسه في البحر.وهرب داود، وأسر أخوه سنكوا.وجرد جماعة من العسكر وساقوا ثلاثة أيام وأمسكوا أم الملك داود وأخته. وقرروا على الملك مومشكد المتوجه صحبة العسكر قطيعة في كل سنة وعرض على أهل النوبة الإسلام أو القيام بالجزية أو القتل، فاختاروا القيام بالجزية وأن يقوم كل واحد بدينار عينا، وحرقت كنيسة سوس التي كان داود يزعم أنها تحدثه بما يؤديه.وكان داود قد بنى مكانا سماه عيذاب عمره على أكتاف المسلمين ' الذين أسرهم من عيذاب وأسوان' وفيه منازل وكنائس، وميدان صور فيه قتلى المسلمين بعيذاب وأسرهم بأسوان، فمحيت لك النصاوير منه وخرب وتقرر حمل ما هو مخلف عن الملك داود واقاربه.وكانت إقامة العسكر بدنقلة سبعة عشر يوما حتى تمهدت البلاد واستنقذت أسرى المسامين المأسورين من أسوان وعيذاب، وألبس مركشد التاج على عادة ملوك النوبة، وأجلس بمكان الملك 'داود' وحلف اليمين العظيمة عندهم على ما تقرر وهي:'والله، والله والله، وحق الثالوث المقدس، والإنجيل الطاهر: والسيدة الطاهرة العذراء أم النور والمعمورية، والأنبياء المرسلين والحواريين والقدسيين، والشهداء الأبرار.وألا أجحد المسيح كما أجحده بودس، وأقول فيه ما يقول اليهود وأعتقد ما يعتقدونه.وألا أكون بودس الذي طعن المكسيح بالحربة، أنني أخلصت نيتي وطويتي من وقتي هذا وساعتي هذه للسلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدين بيبرس، وأنى أبذل جهدي وطاقتي في تحصيل مرضاته، وأني ما دمت نائبه لا أقطع ما قرر على في كل سنة تمضي، وهو ما يفضل من مشاطرة البلاد على ما كان يتحصل لمن تقدم من ملوك النوبة، وأن يكون النصف من المتحصل للسلطان مخلصا من كل حق، والنصف الآخر أرصده لعمارة البلاد وحفظها من عدو يطرقها، وأن يكون على كل سنة: من الأفيلةثلاثة، ومن الزرافات ثلاث، ومن إناث الفهود خمس، ومن الصهب الجياد مائة، ومن الأبقار الجياد المنتخبة أربعمائة.وأنني أقرر على كل نفر من الرعية الذين تحت يدي في البلاد من العقلاء البالغين دينارا عينا، وأن تفرد بلاد العلى والحيل خاصا للسلطان.وأنه مهما كان لداود ملك النوبة ولأخيه سنكوا ولأمة وأقاربه، من قتل من عسكره بسيوف العساكر المنصورة، أحمله إلى الباب العالي مع من يرصد لذلك.وأثنى لا أترك شيئا منه قل ولا جل، ولا أخفيه ولا أخفيه ولا أمكن أحدا من إخفائه، ومتى خرجت عن جميع ما قررته أو شيء من هذا المذكور أعلاه كله كنت بريئا من الله تعالى، ومن المسيح، ومن السيدة الطاهرة، وأخسر دين النصرانية، وأصلى إلى غيره الشرق، وأكفر بالصليب، وأعتقد ما تعقد اليهود، وإني لا أترك أحدا من العربان ببلاد النوبة، ومن وجدته منهم أرسلته إلى الباب السلطاني، ومهما سمعت من الأحبار السارة والنافعة طالعت به السلطان في وقته وساعته، ولا أنفرد بشيء من الأشياء إذا لم تكن مصلحة، وأنني ولي من والي السلطان وعدو من عاداه، والله على ما تقول وكيل.ثم هذا عهد آخر صادر من أمير بطاعة مرمشكد وبطاعة بيبرس.وحلفت الرعية أيضا بتلك الجهات بأنهم يطيعون نائب السلطان، وهو الملك مرمشكد المقيم برنقلة، وكل نائب يكون للسلطان أطيعه ولا أرى عليه برأي، ولا أخبي عنه مصلحة، وكل ما أسمعه من الأخبار الجيدة والردية أطالع نائبه به، ومتى علمت على نائبه الملك مرمشكد أمرا يخالف المصلحة لا أطيعه فيه وأطالع السلطان به في الوقت والساعة.وأنني لا أدخل في حكم داود، ولا أكون معه، ولا أطالعه بخبر من الأحبار، ولا أرتضي به ملكا، ورضيت بأن أقوم بدينار عينا في كل سنة خالية على'. وعاد العسكر وأحضر من النوبة ما نذكر، وهو ما وجد في كنيسته سوس من الصلبان الذهب وغيرها: أربعة آلاف وستمائة وأربعون دينارا ونصف، وأواني فضيات ثمانية آلاف وستمائة وستون دينارا، والذي أحضر من الرقيق، وسبعمائة رأس. وأما الملك دواد فإنه هرب إلى جهة الأبواب، فقاتله صاحبها الملك أدر، وقتل ولده، وأمسكه وسيره إلى السلطان.

غزوات النوبة في الإسلام

أول ما غربت النوبة في سنة إحدى وثلاثين للهجرة النبوية، غزاها عبد الله بن سعد في خمية آلاف فارس، وأصيب في ذلك اليوم معاوية بن حديج في عينه، وأصيب أبرهة الصباح في عينه، واصيب أبرهة الصباح في عينه، وكانوا يسمون النوبة: رماة الحدق.وهادنهم عبد الله بن سعد بعد أن وصل دنفلة. وفي ذلك يقول الشاعر:

لم تر عيني مثل يوم دنفلة

والخيل تعدو بالدروع مثقلة

ترى الحماة حولها مجدلة

كأن أرواح الجميع مهملة

وقال يزيد بن أبي حبيب: 'ليست الموادعة بين أهل مصر والنوبة موادعة هدنة، وإنما هي هدنة أمان، نعطيهم سيئا من قمح وعدس، ويعطونا رقيقا، ولا بأس بما يشترب من رقيقهم'. وكان البقط المرتب على النوبة وهو الرسم على ما قرر:في كل سنة أربعمائة رأس من الرقيق، وزرافة واحدة.لأمير المؤمنين ثلاثمائة وستون رأسا، وللنائب بمصر أربعون رأسا. ويطلق لرسله، إذا وصلوا بالقبط تاما، ألف وثلاثمائة أردب قمح، لرسله منها ثلاثمائة. وقال البلاذري في كتاب الفتوحات: 'إن المقرر على النوبة أربعمائة رأس يأخذون بها طعاما أي غلة'. وألزمهم المهدي العباسي بثلاثمائة وستين رأسا ورزافة. ثم غزيت في زمن عبد الملك بن مروان، ولم تفتح وإنما كان قتال ونهب وسبي. وغزاها يزيد بن أبي حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة، على يد عبد الأعلى بن حميدوغزاها أبو منصور تكين التركي هي وبرقة في عام واحد، ولم تفتح النوبة. ثم غزاها كافور الإخشيدي، وكان أكثر جيشه السودان. فقال الشاعر:

ولما غزا كافور دنقلة غدا

بجيش لطول الأرض من مثله عرض

غز الأسود السودان في رونق الضحى

فلما التقى الجمعان أظلمت الأرض

ثم غزاها ناصر الدولة بن حمدان، فكبسه السودان، ونهب جيشه، وأخذت أثقاله، وذلك في سنة تسع وخمسين وأربعمائة في أيام المستنصر العبيدي. ثم غزاها بعد ذلك شمس الدولة توران بن أيوب أخو الملك الناصر صلاح الدين يوسف في سنة ثمان وستين وخمسمائة، ولم يصل إلا إلى أبريم. وكل هذه غزوات، وإنما الفتح هذا.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي