أخبار جواري ابن رامين
وهن سلامة الزرقاء، وربيحة، وسعدةقال أبو الفرج: وابن رامين هو عبد الملك بن رامين مولى عبد الملك بن بشر ابن مروان.وكان له جوارٍ مغنياتٌ مجيدات، وهن سلامة الزرقاء، وربيحة، وسعدة.وفيهن يقول إسماعيل بن عمار قصيدته التي أولها:
هل من شفاءٍ لقلبٍ لج محزون
صبا وصب إلى رئم ابن رامين
إلى ربيحةٍ إن الله فضلها
بحسنها وسماعٍ ذي أفانين
نعم شفاؤك منها أن تقول لها
قتلتني يوم دير اللج فأحييني
أنت الطبيب لداءٍ قد تلبس بي
من الجوى فانفثني في في وارقيني
نفسي تأبى لكم إلا طواعيةً
وأنت تحمين أنفاً أن تطيعيني
لم أنس سعدة والزرقاء يومهما
باللج شرقيه فوق الدكاكين
يغنيان ابن رامينٍ ضحاءهما
بالمسجحي وتشبيب المحبين
فما دعوت به في عيش مملكةٍ
ولم نعش يومنا عيش المساكين
وهي أبياتٌ طويلة، وله فيهن غيرها. قال: واشترى جعفر بن سليمان بن علي سلامة الزرقاء بثمانين ألف درهم، وقيل: إنه اشترى ربيحة بمائة ألف درهم، والأول الأصح.وقيل: إن الذي اشترى ربيحة محمد بن سليمان، واشترى صالح بن علي سعدة بتسعين ألف درهم.وقيل: اشترى معهن بن زائدة إحداهن.قال: وكانت سلامة الزرقاء عاقلةً شكلة.قال: ولما اشتراها جعفر ومضت لها مدةٌ عنده، سألها يوماً: هل ظفر أحدٌ منك قط ممن كان يهواك بخلوةٍ أو قبلة ؟ فخشيت أن يبلغه شيءٌ كانت قد فعلته بحضرة جماعةٍ أو يكون قد بلغه شيء، فقالت: لا والله إلا يزيد بن عون العبادي الصيرفي، فإنه قبلني قبلةً وقذف في في لؤلؤةً بعتها بثلاثين ألف درهم.فلم يزل جعفر بن سليمان يحتال له حتى وقع به فضربه بالسياط حتى مات. وقد روى أبو الفرج الأصفهاني في خبر يزيد بن عون هذا بسندٍ رفعه إلى عبد الحمن بن مقرون أنه اجتمع هو وروح بن حاتم عند ابن رامين، وان الزرقاء خرجت عليهم في إزارٍ ورداءٍ قهويين موردين، كأن الشمس طالعةٌ بين رأسها وكعبها.قال: فغنتنا ساعة، ثم جاء الخادم الذي كان يأذن لها - وكان الإذن عليها دون مولاها - فقام على الباب وهي تغني، حتى إذا قطعت الغناء نظرت إليه فقالت: مه ! قال: يزيد بن عون العبادي الصيرفي الملقب بالماجن على الباب.قالت: ائذن له.فلما استقبلها طفر ثم أقعى بين يديها، فوجدت والله له، ورأيت أثر ذلك، وتنوقت تنوقاً خلاف ما كان تفعل بنا.فأدخل يده في ثوبه فأخرج لؤلؤتين فقال: انظري يا زرقاء، جعلت فداك ! ثم حلف أنه نقد فيهما بالأمس أربعين ألف درهم.قال: فما أصنع بك ؟ قال: أردت أن تعلمي.فغنت صوتاً ثم قالت: يا ماجن هبهما لي ! قال: إن شئت والله فعلت.قال: قد شئت.قال: فاليمين التي حلفت بها لازمةٌ لي إن أخذتهما إلا بشفتيك من شفتي.فقال ابن رامين للغلام: ضع لي ماءً ثم خرج عنا، فقالت: هاتهما.فمشى على ركبتيه وكفيه وهما بين شفتيه وقال: هاك، فلما ذهبت تتناولهما جعل يصد عنها يميناً وشمالاً ليستكثر منها، فغمزت جاريةً على رأسها، فخرجت كأنها تريد حاجةً ثم عطفت عليه، فلما دنا وذهب ليروغ دفعت منكبيه وأمسكتهما حتى أخذت الزرقاء اللؤلؤتين بشفتيها من فمه ورشح جبينها عرقاً حياءً منا.ثم تجلدت علينا فأقبلت عليه وقالت: المغبون في استه عود.فقال: فأما أنا فلا أبالي، والله لا يزال طيب هذه الرائحة في أنفي وفمي ما حييت. قال: واجتمع عند ابن رامين معن بن زائدة وروح بن حاتم وابن المقفع.فلما تغنت الزرقاء وسعدة بعث معن فجيء ببدرةٍ فصبها بين يديها، وبعث ورح فجيء ببدرةٍ فصبها بين يديها، ولم تكن عند ابن المقفع دراهم، فبعث فجاء بصك ضيعةٍ، وقال: هذه عهدةٌ ضيعتي خذيها، فأما الدراهم فما عندي منها شيء.وشربت زرقاء دواءً فأهدى لها ابن المقفع ألف دراجة. وعن إسحاق بن إبراهيم قال: كان روح بن حاتم بن المهلب كثير الغشيان لمنزل ابن رامين، وكان يختلف إلى الزرقاء، وكان محمد بن جميل يهواها وتهواه، فقال لها: إن روح بن حاتم قد ثقل علينا.قال: فما أصنع وقد غمر مولاي ببره ! قال: احتالي له.فبات عندهم روح ليلةً، فأخذت سراويله وهو نائمٌ فغسلته.فلما أصبح سأل عنه، فقالت: غسلناه.فظن أنه أحدث فيه فاحتيج إلى غسله فاستحيا من ذلك فانقطع عنهم، وخلا وجهها لابن جميل.