أخبار حنين
هو حنين بن بلوع الحيري.وأختلف في نسبه، فقيل: هو من العباديين من تميم، وقيل: إنه من بني الحارث بن كعب، وقيل: إنه من قوم بقوا من طسمٍ وجديسٍ، فنزلوا في بني الحارث بن كعب فعدوا فيهم.ويكنى أبا كعب.وكان شاعراً مغنياً من فحول المغنين، وكان يسكن الحيرة ويكرى الجمال إلى الشام، وكان نصرانياً.وعن المدائني قال: كان حنينٌ غلاما يحمل الفاكهة بالحيرة، وكان إذا حمل الرياحين إلى بيوت الفتيان ومياسير أهل الكوفة وأصحاب القيان والمتطربين ورأوا رشاقته وحسن قده وحلاوته وخفة روحه أستحلوه وأقام عندهم، فكان يسمع الغناء ويصغي له، حتى شدا منه أصواتاً فأستمعه الناس، وكان مطبوعاً حسن الصوت.وأشتهر غناؤه وشهر بالغناء ومهر فيه وبلغ فيه مبلغا كبيرا.ثم رحل إلى عمر بن داود الوادي وإلى حكم الوادي وأخذ منهما وغنى لنفسه وأستولى على الغناء في عصره، وهو الذي بذل لأبن محرزٍ خمسمائة دينار حتى رجع عن العراق، كما قدمناه في أخبار أبن محرز.وبلغ من الناس بالغناء مبلغاً عظيما، حتى قيل له فيما حكى: إنك تغني منذ خمسين سنة فما تركت لكريم مالا ولا دارا ولا عقارا إلا أتيت عليه.فقال: بأبي أنتم ! إنما هي أنفاسي أقسمها بين الناس، أفتلومونني أن أغلي بها الثمن. وحكى المدائني قال: حج هشام بن عبد الملك وعديله الأبرش الكلبي ؛ فوقف له حنينٌ بظهر الكوفة ومعه عودٌ وزامر له.فلما مر به هشام عرض له فقال: من هذا ؟ قيل: حنين ؛ فأمر به هشام فحمل في محملٍ على جمل وعديله زامره وسيره أمامه، فغناه:
أمن سلمى بظهر الكو
فة الآيات والطّلل
تلوح كما تلوح علي
جفون الصّيقل الخلل
فأمر له هشام بمائتي دينار وللزامر بمائة دينار. وحكى أن خالد بن عبد الله القسري حرم الغناء بالعراق في أيامه ثم أذن للناس يوما في الدخول عليه عامةً ؛ فدخل عليه حنين في جملة الناس ومعه عودٌ تحت ثيابه فقال: أصلح الله الأمير ! كانت لي صناعةٌ أعود بها على عيالي فحرمها الأمير فأضر ذلك بي وبهم.فقال: وما كانت صناعتك ؟ فكشف عن عوده وقال: هذا.فقال له خالد: غن ؛ فعرك أوتاره وغنى:
أيّها الشّامت المعيّر بالده
ر أأنت المبرّأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأي
ام بل أنت جاهلٌ مغرور
من رأيت المنون خلّدن أم من
ذا عليه من أن يضام خفير
قال: فبكى خالد وقال: قد أذنت لك وحدك خاصةً، ولا تجالس سفيهاً ولا معربداً.فكان إذا دعى قال: أفيكم سفيه أو معربدٌ ؟ فإذا قالوا لا، دخل. وقال بشر بن الحسين بن سليمان بن سمرة بن جندب: عاش حنين بن بلوع مائة سنة وسبع سنين.