نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار خلف الحصري

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار خلف الحصري

المشبّه بالمؤيد هشام وقيام دعوته بمملكة محمدابن إسماعيل، وما قيل في ذلكفأما قيام دعوته فإن محمد بن إسماعيل لما استولى على الأمر في سنة أربعٍ وعشرين وأربعمائة وتعاظم أمره، حسده أمثاله وكثر الكلام فيه وقالوا' قتل يحيى بن علي الحسني من أهل البيت وقتل يحيى بن ذي النون ظلما' واتَّسع القول فيه فبقي يفكر فيما يفعله.فبينما هو كذلك إذ جاءه رجل من أهل قرطبة فقال له: إني رأيت - هشاماً في قلعة رباح ! فقال له محمد: انظر ما تقول ! فقال ! لأني والله رأيته وهو هشام بلا شك !وكان عند محمد بن إسماعيل عبد من عبيد هشام يسمى تومرت، - وهو الذي كان يقوم على رأس هشام - فقال له محمد: إذا رأيت مولاك تعرفه ؟ فقال: نعم ولي فيه علامات فأرسل محمد رجلين من الذين ذكروا أنهم رأوا هشاماً وقال: توجَّها إلى قلعة رباح وائتياني بهشام ! وأسرعا، فتوجَّها فوجداه في مسجد في قلعة رباح، فدخلا عليه وأعلماه أنهما رسولا القاضي محمد بن إسماعيل إليه.فسار معهما إلى إشبيلية.فلما دخل على القاضي قام إليه وسلم عليه وأنزله ووكل بخدمته تومرت مولاه.فلما رآه تومرت قيَّل يديه ورجليه وقال للقاضي: هو والله مولاي هشام ابن الحكم. فعند ذلك قام إليه القاضي محمد بن إسماعيل وقبَّل رأسه ويديه، وأمر بنيه فدخلوا عليه وفعلوا كفعله، وسلَّموا عليه بالخلافة.وأخرجه محمد بن إسماعيل في يوم الجمعة إلى الجامع بمدينة إشبيلية، ومشى هو وبنوه بين يديه رجّالةً حتى أتى المسجد، فخطب الناس وصلى بهم الجمعة.وبايعه محمد بن إسماعيل وبنوه وجميع أهل البلد ورجع إلى موضعه، وتولَّى محمد بن إسماعيل الخدمة بين يديه وجرى في ذلك على طريقة ابن أبي عامر، غير أنه يخرج إلى الجمعة والأعياد ويصلي طول مدته، ومحمد في رتبة الوزارة آمراً وناهياً عنه، واستقام لمحمد أكثر مدن الأندلس، فهذا كان سبب قيام دعوته. وأما ما نقل من أخباره فقد ذكرنا في أخبار بني أمية أن المستعين بالله سليمان بن الحكم لما فتح قرطبة المرة الثانية في شوّال سنة ثلاث وأربعمائة أحضره ووبَّخه، وأن المؤيد فُقِد لخمسٍ خلون من شوال.وذكرنا أيضاً أنَّ الناصر عليّ بن حمّود الفاطميّ لما ملك قرطبة أحضر المستعين وسأله بحضرة الفقهاء والوزراء عن المؤيد هشام فقال 'مات فألزمه أن يريه قبره فأخرجه دفيناً لا أثر فيه فأمر الناصر بتكفينه ودفنه في الروضة'. وقيل بل هرب بنفسه إلى المشرق مستخفياً حتى وصل مكة - شرَّفها الله - وكان معه كيسٌ فيه جوهر وياقوت ونفقة، فشعر به حرَّابة مكة، فأخذوه منه، فمال إلى جهةٍ من الحرم وأقام يومين لم يُطعم طعاماً.فمضى إلى المروة فأتاه رجل فقال له تُحسن عمل الطين ؟ قال: نعم ! فمضى به إلى تراب ليعجنه ووافقه على درهم وقرصة، فقال له: عجِّل القرصة فإني جائع ! فأتاه بها فأكلها، ثم عمد إلى التراب فكان مرةً يعجن ومرةً يجلس، فلما طال عليه ذلك تركه ومضى هارباً على وجهه. وخرج مع القافلة إلى الشام على أسوأ حالٍ، فوصل إلى بيت المقدس، فمشى في السوق فرأى رجلاً يعمل الحصر الحلفاء فنظر إليه فقال له الحصري: كأنَّك تحسن هذه الصناعة ! قال: لا ! قال: فتقيم عندي تناولني الحلفاء وأجعل لك أجرة على ذلك.قال: أفعل، فأقام عنده يناوله ويعاونه على ما يأمره به من أمور صناعته، فتعلم هشام صناعة الحصر، فصار يعلمها ويتقوّت منها.وأقام ببيت المقدس أعواماً كثيرةً لم يعلم به أحدٌ، ثم رجع إلى الأندلس في سنة أربع وعشرين وأربعمائة. .هكذا روى جماعة من مشايخ الأندلس !وقال الإمام الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم في كتابه المسمى ' نقط العروس في هذه الحكاية: أخلوقة لم يقع في الدهر مثلها، وإنما ظهر رجل يقال له خلف الحصري بعد نيف وعشرين سنة من موت هشام بن الحكم المؤيد وادَّعى أنه هشام، وبويع له على جميع منابر الأندلس في أوقات شتى، وسفك الدماء وتصادمت الجيوش في أمره. وقال أبو محمد بن حزم: وفضيحة لم يقع في الدهر مثلها، أربعة رجال في مسافة ثلاثة أيام في مثلها يُسمَّى كلُّ واحدٍ منهم يا أمير المؤمنين، ويخطب لهم في زمن واحد، أحدهم خلف الحصريّ المذكور بإشبيلية على أنه هشام بن الحكم المؤيد، والثاني محمد بن القاسم بن حمّود بالجزيرة الخضراء، والثالث محمد بن إدريس بن علي بن حمّود بمدينة مالقه، والرابع إدريس بن يحيى بن علي بشنترين. وأقام المدَّعى أنه هشام بن الحكم نيِّفاً وعشرين سنةً والقاضي محمد بن إسماعيل في رتبة الوزير بين يديه، والأمر إليه.وقد استقام لمحمدٍ أكثر بلاد الأندلس، ودفع به كلام الحسّاد وأهل العناد، إلى أن توفي هشام المذكور.فاستبد القاضي بالأمر بعده وملك أكثر مدن الأندلس وحصونها.ولم ينتقل عن مدينة إشبيلية بل جعلها دار ملكه، واستقامت له الأمور، وأطاعته المدن والثغور، واجتهد في جهاد الفرنج.وكان له في ذلك القدم المشهور، ومات محمد في عشر الخمسين وأربعمائة، وولي بعده ابنه عبّاد.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي