نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار دولة بني العباد

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار دولة بني العباد

وابتداء أمرهم ومن ملك منهم إلى أن انقضت مُدُّتهم وانقرضت دولتهمأول من قام منهم القاضي محمد بن إسماعيل بن قريش بن عبّاد بن عمرو بن عطاف بن نعيم - ونعيم وابنه عطاف هما دخلا إلى الأندلس من المشرق - وهم من لخم من بني المنذر بن المنذر، وفيهم يقول الشاعر:

من بني المنذر وهو انتسابٌ

زاد في فخره بنو عبّاد

فيه لما تلد سواها المعالي

والمعالي قليلة الأولاد

وكان محمد بن إسماعيل هذا قد تقدّم بإشبيلية إلى أن ولي القضاء، فأحسن السياسة مع الرعية والملاطفة بهم ؛ فرمقته العيون، ومالت إليه القلوب.فلما كان في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ولي يحيى بن علي الفاطمي قرطبة، وكان من أمره وأمر عمِّه القاسم ما ذكرناه.ثم إنَّ أهل قرطبة أخرجوا القاسم بن حمود فقصد مدينة إشبيلية ثم فارقها، وقصدها بعد ذلك يحيى بن علي المعتلي ونزل بقرمونة لحصار مدينة إشبيلية وكانت الرئاسة بها بين ثلاثة - كما ذكرنا ذلك - فاجتمع وجوده المدينة وفيهم حبيب ابن عامر القرشي ومحمد بن مرثم الإهابي ومحمد الزبيدي وغيرهم.وأتوا إلى أبي القاسم محمد بن إسماعيل وقالوا: ما ترى ما نحن فيه وما حلَّ بنا من هذا الكافر وما أفسد من أموال الناس، فقم بنا نخرج إليه ونملكك ونجعل الأمر لك وننتصر لهشام !ففعل، وخرجوا لقتال يحيى بن علي المعتلي، فركب إليهم وهو سكران فقتل كما قدَّمنا.وملك محمد بن إسماعيل إشبيلية، وقالوا له: نخرج إلى قرمونة من قبل أن يسبقك إليها إسحاق بن عبد الله البرزالي ! فهمَّ محمد بذلك فسبقه إسحاق وملكها، فكتب محمد إلى يحيى بن ذي النون الهواري صاحب طليطلة يقول له: اخرج بعسكرك أو ابعث إليَّ بعسكر مع قائدٍ من عندك حتى أخرج إسحاق بن عبد الله من قرمونة، وأنا أعينك على أخذ قرطبة وأجعلها لك ملكاً !فلما وصل كتابه إلى المأمون خرج إليه بنفسه في عسكرٍ كبير، فاجتمعا ونزلا على قرمونة، وحاصراها وأخرجها عنها إسحاق.وأخذها محمد بن إسماعيل وأدخل ولده إليها، وسارا إلى قرطبة وحاصراها. فلما رأى أهلها ما حلَّ بهم كاتبوا محمد بن إسماعيل وقالوا أنت أولى من المأمون بالبلد وأحبُّ إلينا منه ! فاستوثق منهم ودخلها ليلاً ويحيى لا علم له بذلك.فلما أصبح وعلم الحال رجع بعسكره إلى طليطلة وكتب إلى ابن عكاشة - وهو رجل شجاع كان بيده بعض حصون الأندلس، يقطع حوله السبيل ويقتل التجار ويأخذ الأموال، وهو يظهر ليحيى طاعةً مشوبةً بمعصية - فأمره أن يجمع أصحابه وعضَّده بعسكر كبير ووجههم إلى قرطبة، فتوجهوا إليها وقد فارقها محمد بن إسماعيل إلى إشبيلية وترك ولده بها. فدخلها ابن عكاشة ليلاً، ودخل القصر، وقتل كلَّ من وجد من الحرس، وذبح ولد محمد بن إسماعيل بيده.فلما بلغ ذلك محمد جمع العساكر وخرج إلى قرطبة، فحصر ابن عكاشة وضيق عليه، فخرج هارباً.واستوثق من الرعية وعاد إلى إشبيلية، فوصل إليها يحيى بن ذي النون وتغلَّب عليها.فدسَّ عليه محمد بن إسماعيل طبيبه، فسمَّه، فمات ! فعندها خلص الأمر لمحمد بن إسماعيل، وذلك في سنة أربع وعشرين. .هكذا نقل عز الدين عبد العزيز بن شداد بن تميم بن المعز بن باديس في كتابه المترجم بالجمع والبيان، وذكر أيضاً في هذا الكتاب أنَّ يحيى توفي في سنة ستين وأربعمائة، وهذا فيه تنافٍ والله تعالى أعلم.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي