أخبار زيري بن مناد
قال: ووضعت زوجة مناد حملها، فجاء ذكراً فسماه أبوه زيري.فخرج من أجمل مولود رآه الناس، وكذلك كان أولاده يضرب بجمالهم المثل في المغرب فيقال: 'لو أنك من بني مناد'. فلما صار له من العمر عشر سنين، كان من رآه يظنه أنه ابن عشرين سنة لبهائه.وكانت الصبيان يدورون حوله، ويدعونه بالسلطان، ويركبون العيدان يتشبهون بالعساكر.ويأمرهم بالقتال بين يديه، يغري بعضهم ببعض.ويأتي بهم إلى أمه فتصنع لهم الطعام.فيقف على رؤوسهم ويطعمهم ولا يأكل. فلما تكامل شبابه وقوي أمره، جمع إليه جماعة من بني عمه ومن كان له نجدة.فكان يشن بهم الغارات على القبائل من زناتة فيقتل ويسبي ويقسم على أصحابه فلا يؤثر نفسه بشيء.فحسده كثير من قبائل صنهاجة لأن كل قبيل كان يطمع أن يكون القائم منهم.فلما تحققوا أنه القائم اجتمعت القبائل من صنهاجة على زيري وحاربوه.وطالت الحرب بينهم فظفر بهم وقتل وسبي ورجع بالغنائم إلى الجبل. فلما سمعت بذلك زنانة، اجتمعوا وتحالفوا وكاتبوا من كان خلافه من صنهاجة وحالفوهم على حرب زيري.فاتصل ذلك به فخرج إليهم وضرب على زناتة بأرض مغيلة في الليل وهم مطمئنون، فقتلهم وسباهم، وقطع منهم رؤوساً كثيرة. وخرج إلى جبي تطيري وقد امتلأت أيدي أصحابه من الغنائم، وأخذ من خيلهم ثلاثمائة فرس فحمل أصحابه عليها.وشاع خبره في سائر أقطار المغرب وتسامع الناس به، فعظموا أمره واستهالوه.واجتمع غليه كل من فيه منعة.فكثر أصحابه وضاق بهم المتسع.فقالوا له: 'لو رأيت مكاناً أوسع من مكاننا هذا'.فأتي إلى موض آشير، وهو إذ ذاك ليس فيه ساكن وفي عيون، فاستحسنه.