نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار سائب خاثر

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار سائب خاثر

هو أبو جعفل سائب بن يسار، مولى لبني ليث.وأصله من فيء كسرى، وأشتراه عبد الله بن جعفر فأعتقه.وقيل: بل كان على ولائه لبني ليث، ولكنه أنقطع إلى عبد الله بن جعفر ولزمه وعرف به.وهو أول من عمل العود بالمدينة وغنى به.قال: وكان عبد الله بن عامر بن كريز سبي إماءً صناجات فأتى بهن المدينة.فكن يلعبن في يوم الجمعة ويسمع الناس منهن، فأخذ عنهن.وقدم رجل فارسي يعرف بنشيط، فغنى، فعجب عبد الله بن جعفر منه.فقال له سائب خاثر: أنا أصنع لك مثل غناء هذا الفارسي بالعربية.ثم غدا علي عبد الله بن جعفر وقد عمل في:

لمن الديار رسومها قفر

لعبت بها الأرواح والقطر

وخلالها من بعد ساكنها

حججٌ مضين ثمانٍ أو عشر

والزعفران على ترائبها

شرقٌ به اللّبات والنحر

قال أبن الكلبي: وهو أول صوت غنى به ف الإسلام من الغناء العربي المتقن الصنعة.قال: ثم أشترى عبد الله بن جعفر نشيطا بعد ذلك ؛ فأخذ عنه سائب خاثر الغناء العربي، وأخذ عنه أبن سريج وجميلة ومعبد وعزة الميلاء وغيرهم.وقيل: إنه لم يكن يضرب بالعود وإنما كان يقرع بالقضيب ويغني مرتجلا.قال أبن الكلبي: وكان سائب تاجرا موسرا يبيع الطعام بالمدينة، وكان تحته أربع نسوة.وكان أنقطاعه إلى عبد الله بن جعفر، وهو مع ذلك يخالط سروات الناس وأشرافهم لظرفه وحلاوته وحسن صوته.وكان قد آلى على نفسه ألا يغني أ ؛ دا سوى عبد الله بن جعفر إلا أن يكون خليفةً أو ولي عهد أو أبن خليفة ؛ فكان على ذلك إلى أن قتل، على ما نذكره.وأخذ عنه معبد غناء كثيرا.قال: وسمع معاوية غناء سائب خاثر مرارا، فالمرة الأولى لما وفد عبد الله بن جعفر إلى معاوية وهو معه، فسأل عنه معاوية، فأخبره عبد الله خبره وأستأذنه في دخوله عليه، فأذن له.فلما دخل قام على الباب ثم رفع صوته فغنى:لمن الديار رسومها قفر الأبياتفالتفت معاوية إلى عبد الله وقال: أشهد لقد حسنه.وقضى معاوية حوائجه وأحسن إليه ووصله.وقيل: أشرف معاوية ليلةً على منزل يزيد، فسمع صوتا أعجبه، وأستخفه السماع فأستمع حتى مل ؛ ثم دعا بكرسي فجلس عليه وأشتهى الأستزادة، فاستمع بقية ليلته.فلما أصبح غدا عليه يزيد ؛ فقال: يا بني، من كان جليسك البارحة ؟ قال: أي جليس يا أمير المؤمنين ؟ وأستعجم عليه.فقال: عرفني به فإنه لم يخف علي شيء من أمرك.قال: هو سائب خاثر.قال معاوية: فأكثر له يا بني من برك وصلتك، فما رأيت بمجالسته بأسا. قال أبن الكلبي: وقدم معاوية المدينة في بعض ما كان يقدم، فأمر حاجبه بالإذن للناس ؛ فخرج ثم رجع فقال: ما بالباب أحد.فقال معاوية: وأين الناس ؟ قال: عند عبد الله بن جعفر.فركب معاوية بغلته ثم توجه إليهم.فلما جلس قال بعض القرشيين لسائب خاثر: مطرفي هذا لك إن أندفعت تغنى وكان المطرف من خز ؛ فقام بين السماطين وغنى فقال:

لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضحى

وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما

فسمع منه معاوية طرب وأصغى إليه حتى سكت وهو مستحسن لذلك، ثم أنصرف، وأخذ سائب خاثر المطرف. وكان مقتل سائب خاثر بالمدينة يوم الحرة.قال: وكان يخشى على نفسه من أهل الشام.فخرج إليهم وجعل يقول: أنا مغنٍ، ومن حالي ومن قصتي كيت وكيت، وقد خدمت أمير المؤمنين يزيد وأباه قبله.فقالوا له: إن لنا، ففعل.فقام أحدهم فقال: أحسنت والله، ثم ضربه بالسيف فقتله.وبلغ يزيد خبره ومر به أسمه في أسماء من قتل فلم يعرفه وقال: من سائب خاثر ؟ فعرف به، فقال: ويله ما له وما لنا ! ألم نحسن إليه ونصله ونخلطه بأنفسنا ! فما الذي حمله على عداوتنا ! لا جرم أن بغيه علينا صرعه.وقيل: إنه لما بلغه قتله قال: إنا لله ! أو بلغ القتل إلى سائب خاثر وطبقته ! ما أرى أنه بقي بالمدينة أحد، وقال.فبحكم الله يأهل الشام ! تجدهم وجدوه في حائط أو حديقة مستترا فقتلوه.وقد قيل: إنه تقدم يوم الحرة وقاتل حتى قتل.والله أعلم.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي