نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار سياط

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار سياط

هو عبد الله بن وهب ويكنى أبا وهب، وسياطٌ لقب غلب عليه.وهو مكيٌ مولى خزاعة.كان مقدماً في الغناء روايةً وصنعةً، مقدماً في الطرب.وهو أستاذ أبن جامع وإبراهيم الموصلي وعنه أخذا، وأخذ هو عن يونس الكاتب.وكان سياط زوج أم أبن جامع.قيل: وإنما لقب سياطٌ بهذا اللقب لأنه كان كثيرا ما يغنى:

كأنّ مزاحف الحيّات فيها

قبيل الصبح آثار السّياط

حكى أن إبراهيم الموصلي غنى صوتا لسياط، فقال أبنه إسحاق: لمن هذا الغناء يا أبت ؟ قال: لمن لو عاش ما وجد أبوك خبزا يأكله، سياط. وحكى أن سياطا مر بأبي ريحانةً في يوم بارد وهو جالسٌ في الشمس وعليه سمل ثوبٍ رقيق رث ؛ فوثب إليه أبو ريحانة المدني وقال: بأبي أنت يا أبا وهب ! غنني صوتك في شعر أبن جندب:

فؤادي رهينٌ في هواك ومهجتي

تذوب وأجفاني عليك همول

فغناه إياه، فشق قميصه ورجع إلى موضعه من الشمس وقد أزداد بردا وجهدا.فقال له رجل: ما أغنى عنك هذا من شق قميصك ؟ ! فقال: يا أبن أخي، إن الشعر الحسن من المغنى المحسن ذي الصوت المطرب أدفأ للمقرور من حمام محمىً.فقال له رجل: أنت عندي من الذين قال الله تعالى فيهم: 'فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ' فقال: بل أنا ممن قال الله تعالى فيهم: 'الذَّيِنَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ'.وقد حكيت هذه الحكاية أيضا من طريق آخر: أنه لما غناه هذا الصوت شق قميصه حتى خرج منه وبقي عارياً وغشى عليه وأجتمع الناس حوله، وسياطٌ واقف يتعجب مما فعل، ثم أفاق فقام إليه.فقال له سياطٌ: مالك يا مشئوم ! أي شيء تريد ؟ قال: غنني بالله عليك يا سيدي:

ودّع أمامة حان منك رحيل

إنّ الوداع لمن تحبّ قليل

مثل القضيب تمايلت أعطافه

فالرّيح تجذب متنه فيميل

إن كان شأنكم الدّلال فإنه

حسنٌ دلالك يا أميم جميل

فغناه، فلطم وجهه حتى خرج الدم من أنفه ووقع صريعاً.ومضى سياطٌ وحمل الناس أبا ريحانة إلى الشمس.فلما أفاق قيل له في ذلك فقال نحو ما تقدم.قال: ووجه إليه سياطٌ بقميص وسراويل وجبةٍ وعمامة. وكانت وفاة سياط في أيام موسى الهادي.ودخل عليه أبن جامع وقد نزل به الموت فقال له: ألك حاجة ؟ قال: نعم لا تزد في غنائي شيئا ولا تنقص منه، فإنما هو ثمانية عشر صوتاً دعه رأسا برأس.قيل: بل كانت وفاته فجأةً، وذلك أنه دعاه بعض إخوانه فأتاهم وأقام عندهم وبات ؛ فأصبحوا فوجدوه ميتاً في منزلهم ؛ فجاءوا إلى أمه وقالوا: يا هذه إنا دعونا أبنك لنكرمه ونسر به ونأنس بقربه فمات فجأة، وها نحن بين يديك، فأحكمي ما شئت، وناشدناك الله أن لا تعرضينا لسلطان أو تدعي علينا ما لم نفعله.قالت: ما كنت لأفعل، وقد صدقتم، وهكذا مات أبوه فجأةً، وتوجهت معهم فحملته إلى منزله ودفنته.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي