نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار طويس

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار طويس

هو عيسى بن عبد الله.وكنيته أبو عبد المنعم، وغيرها المخنثون فقالوا: أبو عبد النعيم.وطويس لقبٌ غلب عليه، وقيل: أسمه طاوس، مولى بني مخزوم.وكان أيضا يلقب بالذائب ؛ لأنه غنى:

قد براني الحبّ حتى

كدت من وجدت أذوب

وهذا أول غناء غناه وهزجٍ هزجه.وقد ضرب المثل به في الشؤم فقالوا: أشأم من طويس لأنه ولد يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفطم يوم مات أبو بكر رضي الله عنه، وختن يوم مات عمر رضي الله عنه، وتزوج يوم قتل عثمان، وولد له يوم مات علي بن أبي طالب رضي الله عنه.وكان مخنثا أحول طويلا ؛ وقيل: إنه ولد ذاهب العين اليمني.قالوا: وكانت أمه تمشي بين نساء الأنصار بالنمائم.وطويس أول من صنع الهزم والرمل في الإسلام، وكان الناس يضربون به المثل فيقولون: أهزج من طويس.وكان لا يضرب بالعود وإنما ينقر بالدف.وكان ظريفا عالما بأمر المدينة وأنساب أهلها. حكى أبو الفرج الأصفهاني بسنده إلى المدائني قال: قدم أبن سريح المدينة، فجلس يوما في جماعة وهم يقولون له: أنت والله أحسن الناس غناء، إذ مر بهم طويس فسمعهم وما يقولون، فأستل دفه من حضنه ونقره وغنى ؛ فلما سمعه أبن سريج قال: هذا والله أحسن الناس غناءً لا أنا.وقال المدائني، قال مسلمة أبن محارب: حدثني رجل من أصحابنا قال: خرجنا في سفر ومعنا رجلٌ من أصحابنا فانتهينا إلى واد، فدعونا بالغداء، فمد الرجل يده إلى الطعام فلم يقدر عيه، وكان قبل ذلك يأكل معنا ؛ فخرجنا نسأل عن حاله فنلقي رجلا طويلا أحول مضطرب الخلق في زي الأعراب ؛ فقال لنا: مالكم ؟ فأنكرنا سؤاله لنا ؛ فأخبرناه خبر الرجل فقال: ما أسم صاحبكم ؟ فقلنا: أسيد ؛ فقال: هذا واد قد أخذت سباعه فارتحلوا، فلو قد جاوزتم الوادي أستمر صاحبكم وأسد وأكل.قلنا في أنفسنا: هو من الجن، ودخلتنا فزعة.ففهم ذلك وقال: ليفرخ روعكم فأنا طويس.فقال له رجل منا: مرحباً بك أبا عبد النعيم، ما هذا الزي ؟ ! فقال: دعاني بعض أودائي من الأعراب فخرجت إليهم وأحببت أن أتخطى الأحياء فلا ينكروني.فسأله رجل منا أن يغنينا ؛ فأندفع ونقر بدفٍ كان معه مربع، فلقد خيل لي أن الوادي ينطق معه حسناً.وتعجبنا من علمه وما أخبرنا به من أمر صاحبنا. قال المدائني: وكان طويس ولعاً بالشعر الذي قالته الأوس والخزرج في حروبهم، وكان يريد بذلك الإغراء ؛ فقل مجلسٌ أجتمع فيه هذان الحيان فغنى فيه طويس إلا وقع فيه شيء.فنهى عن ذلك، فقال: والله لا تركت الغناء بشعر الأنصار حتى يوسدوني التراب ؛ وذلك لكثرة تولع القوم به، وكان يبدي السرائر ويخرج الضغائن ؛ وغناؤه يستحسن ولا يصبر عن حديثه. وحكى الأصبهاني عفا الله عنه قال: كان بالمدينة مخنث يقال له النغاشي.فقيل لمروان بن الحكم: إنه لا يقرأ من كتاب الله تعالى شيئا.فبعث إليه فاستقرأه أم الكتاب ؛ فقال: والله ما معي بناتها، أو ما أقرأ البنات فكيف أقرأ أمهن ! فقال: أتهزأ لا أم لك ! فأمر به فقتل ببطحان، وقال: من جاءني بمخنث فله عشرة دنانير.فأتي طويس وهو في بني الحارث بن الخزرج فأخبر بمقالة مروان ؛ فقال: أما فضلني الأمير عليهم بفضلٍ حتى جعل في وفيهم شيئا واحدا !.ثم خرج حتى نزل السويداء على ليلتين من المدينة في طريق الشام فنزلها، فلم يزل بها بقية عمره.وعمر حتى مات في ولاية الوليد بن عبد الملك.ثم ساق الأصفهاني هذه القصة في موضع آخر بسند آخر قال: خرج يحيى بن الحكم وهو أمير على المدينة، فبصر بشخص في السبخة مما يلي مسجد الأحزاب ؛ فلما نظر إلى يحيى جلس ؛ فاستراب به، فوجه إليه أعوانه، فأتي به كأنه أمرأة في ثياب مصبغة مصقولة وهو ممتشط مختضب.فقال له أعوانه: هذا أبن نغاشٍ المخنث.فقال: ما أحسبك تقرأ من كتاب الله تعالى شيئا ! اقرأ أم القرآن ؛ فقال: لو عرفت أمهن عرفت البنات.فأمر به فضربت عنقه.وساق نحو ما تقدم، إلا أنه قال: جعل في كل مخنث ثلثمائة درهم. وحكى أيضا بسند رفعه إلى صالح بن كيسان وغيره: أن أبان بن عثمان لما أمره عبد الملك على الحجاز أقبل، حتى إذا دنا من المدينة تلقاه أهلها وخرج إليه أشرافها، فخرج معهم طويس.فلما رآه سلم عليه، ثم قال له: أيها الأمير، إني كنت قد أعطيت الله تعالى عهداً إن رأيتك أميراً لأخضبن يدي إلى المرفقين ثم أزدو بالدف بين يديك.ثم أبدي عن دفه وتغني بشعر ذي جدنٍ الحميري:

ما بال أهلك يا رباب

خزراً كأنهم غضاب

فطرب أبان حتى كاد يطير، ثم جعل يقول: حسبك يا طاوس ! ولم يقل له طويس لنبله في عينه ثم قال له: أجلس، فجلس.فقال له أبان: قد زعموا أنك كافر.فقال له: جعلت فداءك ! والله إني لأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصلي الخمس وأصوم رمضان وأحج البيت.قال: أفأنت أكبر أم عمرو بن عثمان ؟ وكان عمرو أخا أبان لأبيه وأمه فقال طويس: جعلت فداءك ! أنا والله مع جلائل نساء قومي أمسك بذيولهن يوم زفت أمك المباركة إلى أبيك الطيب.فاستحيا أبان ورمى بطرفه إلى الأرض.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي