نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار عبد الله بن الجارود
أخبار عبد الله بن الجارود
قال: ولما قتل الفضل واستولى عبد الله على القيروان، سمع شمدون القائد ما صنع بالفضل، فقام غضباً له.واجتمع في الأربس هو وفرح بن عبد الرحمن الكلاعي القائد، والمغيرة، وغيرهم.وأقبل عليهم أبو عبد الله مال بن المنذر الكلبي من ميلة، وكان والياً عليها في عدد كثير، فقدموه على أنفسهم.واجتمع إليهم الناس.والتقوا بابن الجارود واقتتلوا.فقتل مالك بن المنذر، وانهزم أصحابه حتى صاروا إلى الأربس. فكتب شمدون إلى العلاء بن سعيد - وهو بالزاب - أن يقدم عليه.فأقبل إلى الأربس واجتمع بالمغيرة وشمدون وفلاح وغيرهم.وأقبل العلاء يريد القيروان فصادف ابن الجارود وقد خرج منها يريد يحيى بن موسى خليفة هرثمة بن أعين، وذلك أن الرشيد لما اتصل به وثوب ابن الجارود على الفضل وإفساده إفريقية، وجّه يقطين بن موسى لمحله من دعوتهم، ومكانه من دولتهم، وكبر سنه، وحاله عند أهل خراسان.وأمر بالتطلف بابن الجارود وإخراجه من البلد.ووجه معه المهلب بن رافع.ثم وجه منصور بن زياد، وهرثمة بن أعين أميراً على المغرب.فأقام ببرقة. وقدم يقطين القيروان فجرى بينه وبين ابن الجارود كلام كثير.ودفع إليه كتاب الرشيد، فقال ليقيطين: قد قرأت كتاب أمير المؤمينين، وأنا على السمع والطاعة.وفي كتاب أمير المؤمنين أنه ولي هرثمة بن أعي، وهو ببرقة يصل بعدكم.ومع العلاء البربر، فإن تركت الثغر وثب البربر فأخذوه وقتلوا العلاء ولا يدخله وال لأمير المؤمنين أبداً، فأكون أشأم الخلق على هذا الثغر.ولكن أخرج إلى العلاء، فإن ظفر بي فشأنكم بالثغر، وإن ظفرت به انتظرت قدوم هرثمة.ثم أخرج إلى أمير المؤمنين فاجتمع يقطين مع محمد بن يزيد الفارسي - وهو صاحب ابن الجارود - ووعده التقدم وقيادة ألف فارس وصلة وقطيعة في أي المواضع شاء، على أن يفسد حال عبد الله بن الجارود.ففعل ذلك وسعى في إفساد الخواطر على ابن الجارود، ورغب الناس في الطاعة.فمالوا إليه وانضموا له.وخرج على ابن الجارود أن اخرج إلي حتى لا يسمع كلامي وكلامك غيرنا.فخرج إليه فحدثه وشاغله بالكلام، وكان قد وضع على قتله رجلاً من أصحابه يقال له أبو طالب فخرج إليه - وهو مشغول بحديث عبد الله - فما شعر حتى حمل عليه وضربه فدق صلبه، فانهزم أصحابه. وقدم يحيى بن موسى خليفة هرثمة إلى طرابلس.فصلى عيد الأضحى بالناس وخطبهم.وقدم عليه جماعة من القواد واستفحل أمره. وأقبل العلاء بن سعيد يريد القيروان.فعلم ابن الجارود أنه لا طاقة له بالعلاء.فكتب إلى يحيى أن اقدم إلى القيروان فإني مسلم إليك سلطانها.وأجاب إلى الطاعة.فخرج يحيى بن موسى بمن معه من طرابلس في المحرم سنة تسع وسبعين ومائة.فلما بلغ قابس تلقاه بها عامة الجند الذي بالقيروان.وخرج ابن الجارود من القيروان في مستهل صفر، واستخلف عليها عبد الملك بن عباس.وكانت أيام ابن الجارود سبعة أشهر.وأقبل العلاء بن سعيد ويحيى بن موسى متسابقين إلى القيروان، فسبقه العلاء إليها.فقتل منها جماعة من أصحاب ابن الجارود.فبعث إليه يحيى: إن كنت على الطاعة ففرّق جموعك.فأمر من معه بالانصراف إلى مواضعهم.وسار في نحو ثلاثمائة من خاصته إلى طرابلس.وكان ابن الجارود قد وصل إليها قبل وصوله وخرج مع يقطين بن موسى نحو المشرق حتى وصل إلى هارون الرشيد. قال: وكتب العلاء إلى منصور وهرثمة أنه الذي أخرج ابن الجارود من إفريقية.فكتب إليه هرثمة بالقدوم، وأجازه بجائزة سنية.وبلغ خبره هارون، فكتب إليه بمائة ألف درهم صلة سوى الكسا، فلم يلبث إلا يسيراً حتى توفي بمصر.