أخبار عبيدة الطنوبرية
قال أبو الفرج الأصفهاني: كانت عبيدة الطنوبرية من المحسنات المتقدمات في الصنعة والأدب، شهد لها بذلك إسحاق بن إبراهيم الموصلي، قال: وحسبها بشهادته.قال: وكان أبو حشيشة يعظمها ويعترف لها بالرياسة والأستاذية.وكانت من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم صوتاً، وكانت لا تخلو من عشق.قال: ولم يعرف في الدنيا امرأةٌ أعظم صنعةً منها من الطنبور.وكانت لها صنعةٌ عجيبة.فمنها في الرمل:
كن لي شفيعاً إليكا
إن خفف ذاك عليكا
وأعفني من سؤالي
سواك ما في يديكا
يا من أعز وأهوى
مالي أهون لديكا
قال: وحضرت يوماً عند علي بن الهيثم اليزيدي وعنده عمرو بن مسعدة وهارون بن أحمد بن هشام، فجاءه إسحاق بن إبراهيم الموصلي فأخبره خبرهم.فقال له إسحاق: إني كنت أشتهي أن أسمع عبيدة، ولكنها إن عرفتني وسألتموني أن أغني بحضرتها انقطعت ولم تصنع شيئاً، فدعوها على جبلتها، فوافقوه على ذلك، ودخل وكتموه أمره، وكانت لا تعرف إسحاق.وقدم النبيذ، فغنت لحناً لها:
قريبٌ غير مقترب
ومؤتلفٌ كمجتنب
له ودي ولي منه
دواعي الهمم والكرب
أواصله على سببٍ
ويهجرني بلا سبب
ويظلمني على ثقةٍ
بأن إليه منقلبي
قال: فطرب إسحاق وشرب نصفاً، ثم تغنت وشرب، حتى والى بين عشرة أنصاف، قال علي بن الهيثم: وشربنا معه.وقام إسحاق ليصلي، فقال لها هارون: ويحك يا عبيدة ! ما تبالين والله متى مت ! قالت: ولم ؟ قال: أتدرين من المستحسن غناءك والشارب عليه ما شرب ؟ قالت: ولم ؟ قال: أتدرين من المستحسن غناءك والشارب عليه ما شرب ؟ قالت: لا والله.قال: إسحاق بن إبراهيم، فلا تعرفينه أنك قد عرفتيه.فلما جاء إسحاق ابتدأت تغني فلحقتها هيبةٌ له واختلاط، فنقصت نقصاناً بيناً.قال: أعرفتموها من أنا ؟ فقلت: نعم، عرفها هارون.فقال إسحاق: نقوم إذاً فننصرف، فإنه لا خير في عشرتكم الليلة ولا فائدة لي ولا لكم، وقام فانصرف. وقال ملاحظ غلام أبي العباس: اجتمع الطنبوريون عند أبي العباس بن الرشيد يوماً وفيهم المسدود وعبيدة.فقالوا للمسدود: غن، فقال: لا والله، لا تقدمت على عبيدة وهي الأستاذ، فما غنى حتى غنت.وقال محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي: سمعت إسحاق يقول: الطنبور إذا تجاوز عبيدة هذيان. هذا ما أمكن إيراده في هذا الباب من أخبار من اشتهر بالغناء، وأخبار القيان، وهو مختصرٌ مما أورده أبو الفرج الأصفهاني - رحمه الله تعالى - في كتابه المترجم بالأغاني من أخبارهم.ولم نلتزم استيعابهم بل ذكرنا أكثرهم وأشهرهم بالغناء، وذكرنا من أخبارهم ما فيه كفاية.فلنذكر خلاف ذلك. ^
الباب السابع: