أخبار عزة الميلاء
قال أبو الفرج الأصفهاني: كانت عزة مولاةً للأنصار، ومسكنها المدينة، وهي أقدم من غنى الغناء الموقع من نساء الحجاز، وماتت قبل جميلة.قال: وقد أخذ عنها معبدٌ ومالك بن أبي السمح وابن محرز وغيرهم من المكيين والمدنيين.وكانت من أجمل النساء وجهاً وأحسنهن جسما.وسميت الميلاء لتمايلها في مشيتها. وقال معبد: كانت من أحسن النساء ضرباً بعود، مطبوعة على الغناء، لا يعيبها أداؤه ولا صنعته ولا تأليفه، وكانت تغني أغاني القيان القدماء مثل شيرين وزرياب وخولة والرباب وسلمى ورائقة، وكانت رائقة أستاذتها.فلما قدم نشيطٌ وسائب، خاثر المدينة غنيا أغاني بالفارسية، فأخذت عزة عنهما نغماً وألفت عليها ألحاناً عجيبة، فهي أول من فتن أهل المدينة بالغناء وحرض رجالهم ونسائهم عليه. وقال الزبيري: وجدت مشايخ أهل المدينة إذا ذكروا عزة قالوا: لله درها ! ما كان أحسن غناءها، وأطل صوتها، وأندى حلقها، وأحسن ضربها بالمزاهر والمعازف وسائر الملاهي، وأجمل وجهها، وأظرف لسانها، وأقرب مجلسها، وأكرم خلقها، وأسخى نفسها، وأحسن مساعدتها !.وكانت جميلة تقول مثل ذلك فيها. وكان ابن سريج في حداثة سنه يأتي المدينة فيأخذ عنها ويتعلم منها، وكان بها معجباً، وكان إذا سئل: من أحسن الناس غناءً ؟ قال: مولاة الأنصار المتفضلة على كل من غنى وضرب بالمعازف والعيدان من الرجال والنساء. وكان ابن محرز يقيم بمكة ثلاثة أشهرٍ ثم يأتي المدينة فيقيم بها ثلاثة أشهر من أجل عزة، وكان يأخذ عنها.وقد تقدم ذلك في أخباره. وكان طويس أكثر ما يأوي إلى منزل عزة، وكان في جوارها، وكان إذا ذكرها يقول: هي سيدة من غنى من النساء، مع جمالٍ بارع، وخلقٍ فاضل، وإسلامٍ لا يشوبه دنس، تأمر بالخير وهي من أهله، وتنهى عن الشر وهي تجانبه، فناهيك بها ! ما كان أنبلها وأنبل مجلسها !.ثم قال: كانت إذا جلست جلوساً عاماً فكأن الطير على رءوس أهل مجلسها، فمن تكلم أو تحرك نقر رأسه. وقال صالح بن حسان الأنصاري: كانت عزة مولاةً لنا، وكانت عفيفةً جميلة.وكان عبد الله بن جعفر وابن أبي عتيق وعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة يغشونها في منزلها فتغنيهم.وغنت عمر بن أبي ربيعة لحناً لها في شيءٍ من شعره، فشق ثيابه وصاح صيحةً عظيمةً صعق معها.فلما أفاق قال له القوم: لغيرك الجهل يا أبا الخطاب، قال: إني سمعت والله ما لم املك معه نفسي ولا عقلي. وكان حسان بن ثابت معجباً بها، وكان يقدمها على سائر قيان المدينة.وقد ذكرنا خبرها مع النعمان بن بشير وحسان بن ثابت، وأن كل واحدٍ منهما سمع غناءها، فبكي حسان بن ثابت واستعاد النعمان بن بشير صوتها مرارا، وتقدم من أخبارها في خبر عائشة بنت طلحة وأخبار جميلة ما يستغنى عن إعادته في هذا الموضع.فلنذكر من سواها.