نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار عطرد

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار عطرد

هو أبو هارون عطرد، مولى الأنصار ثم مولى بني عمرو بن عوف، وقيل: إنه مولى مزينة.مدنيٌ كان ينزل قباء.وكان جميل الوجه حسن الغناء طيب الصوت جيد الصنعة حسن الزي والمروءة فقيهاً قارئا للقرآن.وقيل: إنه كان معدل الشهادة بالمدينة.وأدرك دولة بني أمية وبقي إلى أول أيام الرشيد.وكان يغني مرتجلا. وحكى أبو الفرج الأصفهاني بسند رفعه قال:لما أستخلف الوليد بن يزيد كتب إلى عامله بالمدينة فأمره بإشخاص عطردٍ المعنى إليه، ففعل.قال عطرد: فدخلت على الوليد وهو جالسٌ في قصره على شفير بركة مرصصةٍ مملوءةٍ خمرا ليست بالكبيرة ولكنها يدور الرجل فيها سباحةً.قال: فوالله ما تركني أسلم حتى قال: أعطرد ؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين.قال: ما زلت إليك مشتاقاً يا أبا هارون، غنني:

حيّ الحمول بجانب العزل

إذ لا يشاكل شكلها شكلي

الله أنجح ما طلبت به

والبرّ خير حقيبة الرّحل

إني بحبلك واصلٌ حبلي

وبريش نبلك رائشٌ نبلي

وشمائلي ما قد علمت وما

نبحت كلابك طارقاً مثلي

قال: فغنيته إياه، فوالله ما أتممته حتى شق حلة وشي كانت عليه لا أدري كم قيمتها، فتجرد منها كما ولدته أمه، وألقي نفسه في البركة فنهل منها حتى تبينت أنها قد نقصت نقصاناً بينا، وأخرج منها وهو كالميت سكرا، فأضجع وغطى ؛ فأخذت الحلة وقمت وأنصرفت إلى منزلي متعجباً من فعله.فلما كان في غد، جاءني رسوله في مثل الوقت فأحضرني.فلما دخلت عليه قال: يا عطرد ! قلت: لبيك يا أمير المؤمنين ! قال: غنني:

أيذهب عمري هكذا لم أنل به

مجالس تشفى قرح قلبي من الوجد

وقالوا تداو إنّ في الطبّ راحةً

فعلّلت نفسي بالدواء فلم يجد

فغنيته إياه، فشق حلة وشي كانت تلمع عليه بالذهب احتقرت والله الأولى عندها، ثم ألقي نفسه في البركة فنهل منها حتى تبينت نقصانها وأخرج كالميت سكرا، فألقي وغطى ونام ؛ وأخذت الحلة وأنصرفت.فلما كان اليوم الثالث، جاءني رسوله فدخلت إليه وهو في بهوٍ قد ألقيت ستوره، فكلمني من وراء الستور وقال: يا عطرد ! قلت: لبيك يا أمير المؤمنين ! قال: كأني بك الآن قد أتيت إلى المدينة فقمت في مجالسها وقعدت وقلت: دعاني أمير المؤمنين فدخلت عليه فأقترح علي فغنيته فأطربته فشق ثيابه وأخذت سلبه وفعل وفعل ! ووالله يا أبن الزانية إن تحركت شفتاك بشيءٍ مما جرى لأضربن عنقك يا غلام أعطه ألف دينار ؛ خذها وانصرف إلى المدينة.فقلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في تقبيل يده ويزودني نظرة منه وأغنيه صوتاً ! فقال: لا حاجة بي ولا بك إلى ذلك، فأنصرف.قال عطرد: فخرجت من عنده وما علم الله أني ذكرت شيئا مما جرى حتى مضت من دولة بني هاشم مدةٌ.ودخل عطرد على المهدي وغناه.قيل: ودخل على الرشيد وغناه.والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي