نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار فليح بن أبي العوراء
أخبار فليح بن أبي العوراء
هو رجل من أهل مكة مولى لبني مخزوم، وهو أحد مغني الدولة العباسية ؛ له محلٌ كبير من صناعته، وهو أحد الثلاثة الذي أختاروا المائة الصوت للرشيد التي بنى أبو الفرج الأصفهاني كتابه المترجم بالأغاني عليها.قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: ما سمعت أحسن من غناء فليح وأبن جامع.وكان المهدي لا يغنيه مغن إلا من وراء الستارة إلا فليح فإن الستارة كانت ترفع بينه وبين المهدي.وهو أول مغن نظر وجه المهدي. وروى أبو الفرج الأصفهاني عن يوسف بن إبراهيم عن إبراهيم بن المهدي قال: كتب إلي جعفر بن يحيى وأنا عامل الرشيد على جند دمشق: قد قدم علينا فليح بن أبي العوراء، فأفسد علينا بأهزاجه وخفيفه كل غناءٍ سمعناه قبله.وأنا محتال لك في تخليصه إليك لتسمع منه كما أسمعنا.فلم ألبث أن ورد على فليحٌ بكتاب الرشيد يأمر له بثلاثة آلاف دينار ؛ فورد علي منه رجلٌ أذكرني لقاؤه الناس وأخبرني أنه قد ناهز المائة.فأقام عندي ثلاث سنين، وأخذ جواري عنه كل ما كان معه من الغناء، وأنتشر بعض غنائه بدمشق. وروى أيضا بسنده إلى أحمد بن يحيى المكي عن فليح بن أبي العوراء قال: كان بالمدينة فتىً يعشق أبنة عم له، فوعدته أنها تزوره ؛ وشكا إلي أنها تأتيه ولا شيء عنده ؛ فأعطيته دينارا للنفقة.فلما زارته قالت له: من يلهينا ؟ قال: صديقٌ لي، ووصفني لها ؛ ودعاني فأتيته ؛ وكان أول ما غنيته:
من الخفرات لم تفضح أخاها
ولم ترفع لوالدها شنارا
فقامت إلى ثوبها فلبسته لتنصرف.فتعلق بها وجهد كل الجهد في أن تقيم فم تفعل وأنصرفت.فأقبل يلومني في أن غنيتها ذلك الصوت.فقلت: والله ما هو شيءٌ أعتمدت به مساءتك ولكنه شيء أتفق.قال: فلم نبرح حتى عاد رسولها ومعه صرة فيها ألف دينار، فدفعها إلى الفتى وقال: تقول لك أبنة عمك: هذا مهري، فادفعه إلى أبي وأخطبني، ففعل وتزوجها.