أخبار قلم الصالحية
قال أبو الفرج الأصفهاني: كانت قلم الصالحية مولدةً صفراء حلوةً حسنة الغناء والضرب حاذقةً، قد أخذت عن إبراهيم وابنه إسحاق ويحيى المكي وزبير بن دحمان.وكانت لصالح بن عبد الوهاب أخي أحمد بن عبد الوهاب كاتب صالح بن الرشيد، وقيل: بل كانت لابنه.قال: وكانت لها صنعةٌ يسيرةٌ نحو عشرين صوتاً، فاشتراها الواثق بعشرة آلاف دينار. قال أحمد بن الحسين بن هشام: كانت قلم إحدى المغنيات المحسنات المتقدمات، فغنى بين يدي الواثق لحنٌ لها في شعر محمد بن كناسة، وهو:
في انقباضٌ وحشمةٌ فإذا
صادفت أهل الوفاء والكرم
أرسلت نفسي على سجيتها
وقلت ما قلت غير محتشم
فسأل: لمن الصنعة ؟ فقيل: لقلم الصالحية جارية صالح بن عبد الوهاب.فبعث إلى محمد بن عبد الملك الزيات فأحضره وسأله: من صالح بن عبد الوهاب ؟ فأخبره.قال: وأين هو ؟ قال: ببغداد.قال: ابعث وأشخصه وليحضر معه جاريته قلم.فكتب في إشخاصهما، فقدما على الواثق، فدخلت عليه، فأمرها بالجلوس والغناء، فغنت فاستحسن غناءها وأمر بابتياعها.فقال صالح: أبيعها بمائة ألف دينارٍ وولاية مصر.فغضب الواثق من ذلك وردها إليه.ثم غنى بعد ذلك زرزر الكبير في مجلس الواثق بشعرٍ الغناء فيه لها، فقال الواثق: لمن هذا الغناء ؟ فقال: لقلم الصالحية، فبعث لابن الزيات بإشخاصها ففعل، فدخلت على الواثق فأمرها بالغناء، فغنته من صنعتها فأعجبه غناؤها، وبعث إلى صالح فأحضره وقال له: إني قد رغبت في هذه الجارية فاستم في ثمنها سوماً يجوز أن تعطاه.فقال: أما إذا وقعت الرغبة فيها من أمير المؤمنين فما يجوز أن املك شيئاً له فيه رغبة، وقد أهديتها إلى أمير المؤمنين، فإن من حقها علي إذا تناهيت في قضائه أن أصيرها ملكه، فبارك الله له فيها.فقال الواثق: قد قبلتها، وأمر ابن الزيات أن يدفع إليه خمسة آلاف دينار، وسماها اعتباطا.فلم يعطه ابن الزيات المال ومطله به، فوجه إلى قلمٍ من أعلمها بذلك، فغنت الواثق صوتاً وقد اصطبح، فقال لها: بارك الله فيك وفيمن رباك.فقالت: يا سيدي وما نفع من رباني مني إلا التعب والغرم والخروج مني صفرا ! فقال: أو لم نأمر له بخمسة آلاف دينار ؟ قالت: بلى ! ولكن ابن الزيات لم يعطه شيئاً.فدعا بخادمٍ من خاصة الخدم ووقع إلى ابن الزيات بحمل خمسة آلاف الدينار إليه وبخمسة آلافٍ أخرى معها.قال صالح: فصرت مع الخادم إليه فقربني وقال: أما خمسة الآلاف الأولى فقد حضرت، وخمسة الآلاف الأخرى أنا أدفعها إليك بعد جمعة.قال: فقمت، ثم تناساني كأنه لم يعرفني.فكبت إليه أقتضيه، فبعث إلي: اكتب لي قبضاً بها وخذها بعد جمعة.فكرهت أن أكتب إليه قبضاً فلا يحصل لي شيء.قال: فاستترت في منزل صديقٍ لي.فلما بلغه استتاري خاف أن أشكوه إلى الواثق، فبعث إلي بالمال وأخذ كتابي بالقبض.قال: فابتعت بالمال ضيعةً وتعلقت بها وجعلتها معاشي، وقعدت عن عمل السلطان، فما تعرضت لشيءٍ بعدها.