نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار محمد بن تومرت

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار محمد بن تومرت

هو أبو عبد الله محمد بن تومرت الحسني، وقبيلته من المصامدة تعرف بهرغة في جبل السوس، نزلوا به لما فتحه المسلمون مع موسى بن نصير.وكان ابتداء أمر المهدي أنه رحل في شبيبته إلى بلاد المشرق في طلب العلم.وكان فقيهاً فاضلاً محدّثاً، عارفاً بأصولي الدين والفقه، محققاً لعلم العربية، وكان ورعاً ناسكاً.ووصل في سفره إلى العراق.واجتمع بالغزالي والكيا الهراسي، وقيل: لم يجتمع بالغزالي.واجتمع بأبي بكر الطرطوشي بالإسكندرية.وحج ورجع إلى المغرب. قال: ولما ركب البحر من الإسكندرية مغرّباً غيّر المنكرات في المركب.وألزم من فيه بإقامة الصلاة وقراءة القرآن حتى انتهوا إلى المهدية، وسلطانها حينئذ يحيى بن تميم بن المعز بن باديس، وذلك في سنة خمس وخمسمائة.فنزل بمسجد وليس معه سوى ركوة وعصا.فتسامع به أهل البلد فقصدوه يقرئون عليه أنواع العلوم.فكان إذا مر به المنكر أزاله وغيره.فلما كثر ذلك منه، أحضره الأمير يحيى مع جماعة من الفقهاء.فأعجبه سمته وكلامه فاحترمه وسأله الدعاء. ثم رحل من المهدية وأقام بالمنستير مع جماعة من الصالحين مدة. وسار إلى بجاية وفعل مثل ذلك.فأخرج منها إلى قرية بالقرب منها اسمها ملالة، فلقيه بها عبد المؤمن.فرأى منه من النجابة والنهضة ما تفرس فيه التقدم والقيام بالأمر.فسأله عن اسمه وقبيلته.فأخبره أنه من قيس عيلان ثم من بني سليم فقال محمد بن تومرت: هذا الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: إن الله لينصر هذا الدين في آخر الزمان برجل من قيس.فقيل: من أي قيس ؟ فقال: من بني سليم.واستبشر بعبد المؤمن وسرّ بلقائه.وكان مولد عبد المؤمن بمدينة تاجرة من أعمال تلمسان، وهو من بني عائد قبيلة من كومة نزلوا بذلك الإقليم في ثمانين ومائة. قال: ولم يزل المهدي يلازم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أن وصل إلى مراكش، وهي دار مملكة علي بن يوسف ابن تاشفين.فرأى فيها من المكرات أكثر مما عيانه في طريقه.فزاد أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أتباعه وحسنت ظنون الناس فيه. فبينما هو في بعض الأيام في طريقة، إذ رأى أخت أمير المسلمين في موكبها ومعها عدة من الجواري الحسان، وهو مسفرات.وكانت هذه من عادتهم.فحين رأى النساء كذلك أنكر عليهن وأمرهن بستر وجوههن.وضرب هو وأصحابه دوابهن.فسقطت أخت أمير المسلمين عن دابتها.فرفع أمره إلى أمير المسلمين علي بن يوسف.فأحضره الفقهاء لمناظرته، فأخذ يعظه ويذكّره ويخوفه، فبكى أمير المسلمين.وأمر أن يناظروه لم يكن فيهم من يقوم له لقوة أدلته.وكان عند أمير المسلمين رجل من وزرائه اسمه مالك بن وهيب فقال له: 'يا أمير المسلمين إن هذا والله لا يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المكر، إنما هو يريد إثارة فتنة والغلبة على بعض النواحي، فاقتله وقلّدني دمه'.فلم يفعل ذلك فقال: إذا لم تقتله فاحبسه وخلّده في السجن وإلا أثار شراً لا يمكن تلافيه.فأراد حبسه فمنعه من ذلك رجل من أكابر الملثمين يسمى بنيان بن عمران.فأمر بإخراجه من مراكش. فسار إلى أغمات ولحق بالجبل.وسار منه حتى التحق بالسوس الذي فيه قبيلته هرغة وغيرهم من المصامدة، وذلك في سنة أربع عشرة وخمسمائة.فأتوه واجتمعوا حوله.وتسامع به أهل تلك النواحي فوفدوا إليه، وحضر أعيانهم بين يديه.فجعل يعظهم، ويذكرهم شعائر الإسلام وما غيّر منها وما حدث من الظلم والفساد، وأنه لا تجب طاعة دولة من هذه الدول لاتباعهم الباطل بل الواجب قتالهم ومنعهم مما هم عليه.فأقام على ذلك نحو سنة.وتابعته قبيلة هرغة. وسمى أتباعه الموحدين.وأعلمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر بالمهدي الذي يملأ الأرض عدلاً، وأن مكانه الذي يخرج منه المغرب الأقصى.فقام إليه عشرة رجال منهم عبد المؤمن فقالوا: لا يوجد هذا إلا فيك، وأنت المهدي.وبايعوه على ذلك. فانتهى خبره إلى أمير المسلمين فجهز جيشاً من أصحابه لقتاله.فلما قربوا من الجبل الذي هو فيه قال لأصحابه: إن هؤلاء يريدونني وأخاف عليكم منهم.والرأي أن أخرج إلى غير هذه البلاد لتسلموا أنتم.فقال له ابن توفيان من مشايخ هرغة: هل تخاف شيئاً من السماء ؟ فقال: بل من السماء تنصرون.فقال ابن توفيان: فليأتنا كل من في الأرض.ووافقته جميع قبيلته.فقال المهدي عند ذلك: 'أبشروا بالنصر والظفر بهذه الشرذمة.وبعد قليل تستأصلون دولتهم وترثون أرضهم.فنزلوا من الجبل ولقوا جيش أمير المسلمين، فهزموهم وأخذوا أسلابهم.وقوي ظنهم بصدق المهدي حيث ظفروا كما أخبرهم. فأقبلت إليه أفواج القبائل من الجبال التي حوله شرقاً وغرباً فأقبل عليهم واطمأن إليهم، وأتته رسل أهل تينملّ بطاعتهم وطلبوه إليهم.فتوجه إلى جبل تينمل وأقام به واستوطنه.وبايعته قبيلة هنتاتة، وهي من أقوى القبائل.وألف كتاباً في التوحيد، وكتاباً في العقيدة.ونج لمن معه طريق الأدب مع بعضهم بعضاً، والاقتصار على لباس الثياب القليلة الثمن.وهو ففي خلال ذلك يحرضهم على قتلا عدوهم، وإخراج الأشرار من بين أظهرهم.وبني له مسجداً بينمل خارج المدينة، فكان يصلي فيه الصلوات الخمس هو وجميع من معه، ويدخل البلد بعد العشاء الآخرة. فلما رأى كثرة أهل البلد وحصانة المدينة، خاف أن يرجعواعنه.فأمرهم أن يحضروا عنده بغير سلاح.ففعلوا ذلك عدة أيام.ثم أمر أصحابه أن يقتلوهم، فقتلوهم في ذلك المسجد.ثمدخل المدينة فقتل فيها وأكثر، وسبيالحريم، ونهي الأموال.فكانت عدة القتلى خمسة عشر ألفاً.وقسم المساكن والأرض بين أصحابه.وبني على المدينة سوراً وقلعة على رأس جبل تينمل، وهو جبل عال فيه أشجار وزرع وأنهار جارية، والطريق إليه صعب. وقيل: إنه لما خاف أهل تينمل، نظر إلى أولادهم فرآهم شقراً زرقاً، والذي يغلب على الآباء السمرة، فقال لهم: مالي أراكم سمر الألوان وأولادكم شقراً زرقاً ؟ فقالوا: 'إن لأمير المسلمين عدة من المماليك الفرنج والروم، وإنهم يصعدون إلى هذا الجبل في كل عام مرة، يأخذون مالهم فيه من الأموال المقررة من جهة السلطان، فسيكنون البيوت، ويخرجون أصحابها منها فقبّح الصبر على هذا وأزري عليهم وعظّم الأمر عندهم.فقالوا له: فكيف الحيلة في الخلاف منهم، وليس لنا بهم قوة ؟ فقال: إذا حضروا عندكم في الوقت المعتاد وتفرقوا في مساكنكم، فليقم كل رجل إلى نزيله فيقتله، واحفظوا جبلكم فإنه الإسلام لا يرام، ففعلوا ذلك عند مجيء مماليك أمير المسلمين إليهم ثم خافوا على نفوسهم فامتنعوا في الجبل وسدوا ما فيه من طريق يسلك إليهم منه. فقويت عند ذلك نفس المهدي ثم أرسل أمير المسلمين جيشاً كثيفاً.فحصرهم في الجبل وضيق عليهم ومنع عنهم الميرة.فقلّت الأقوات عند أصحابه، فكان يطبخ لهم الحساء في كل يوم، وجعل قوت الرجل منهم أن يغمس يده في ذلك الحساء ويخرجها، فما علق عليها فهو قوته في ذلك اليوم.فاجتمع أهل تينمل وأرادوا إصلاح حالهم مع أمير المسلمين فبلغه ذلك فأعمل من الحيلة عليهم ما نذكره.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي