أخبار من بويع بالعراق
أو لم يتم أمره إلى أن بويعلعبد الله بن الزبير وما كان بالعراق من الوقائع في خلال ذلككان أول من بويع بالعراق بعد وفاة يزيد بن معاوية عبيد الله بن زياد بن أبيه، وذلك أنه لما أتاه الخبر بوفاة يزيد، وبلغه ما الناس فيه بالشام من الاختلاف، أمر فنودي: 'الصلاة جامعة'، فاجتمع الناس، فصعد المنبر، فنعى يزيد وعرض بثلبه، لأن يزيد كان قد كرهه قبل موته، وصرح بلعنه بسبب قتل الحسين بن علي، حتى خافه عبيد الله على نفسه، ثم قال عبيد الله: 'يا أهل البصرة إن مهاجرنا إليكم، ودارنا فيكم، ومولدي فيكم، ولقد وليتكم وما أحصي ديوان مقاتلتكم إلا سبعين ألف مقاتل، ولقد أحصى اليوم ثمانين ألف مقاتل، وما أحصى ديوان عمالكم إلا تسعين ألفاً، ولقد أحصى اليوم مائة ألف وأربعين ألفاً، وما تركت لكم ذا ظنة أخافه عليكم إلا وهو في سجنكم، وإن يزيد قد توفي، وقد اختلف الناس بالشام، وأنتم اليوم أكثر الناس عدداً، وأعرضه فناء، وأغناه عن الناس، وأوسعهم بلاداً، فاختاروا لأنفسكم رجلاً ترضونه لدينكم وجماعتكم، فأنا أول راضٍ بما رضيتموه لدينكم وجماعتكم، فإن اجتمع أهل الشام على رجل ترضونه دخلتم فيما دخل فيه المسلمون، وإن كرهتم ذلك كنتم على جديلتكم حتى تعطوا حاجتكم، فما بكم إلى أحد من أهل البلدان جاحة، وما يستغني الناس عنكم'. فقام خطباؤكم، وقالوا: قد سمعنا مقالتك، وما نعلم أحداً أقوى عليها منك، فهلم نبايعك، فقال: لا حاجة لي في ذلك.فكرروا عليه وهو يأبى عليهم ثلاثاً، ثم بسط يده فبايعوه ثم انصرفوا ومسحوا أيديهم بالحيطان، وقالوا: أيظن ابن مرجانه إنا ننقاد له في الجماعة والفرقة. قال: ولما بايعوه أرسل إلى أهل الكوفة مع عمرو بن مسمع وسعد بن قرحا التيمي يدعوهم إلى البيعة له، ويعلمهم ما صنع أهل البصرة، فلما وصلا إلى الكوفة وكان خليفة عبيد الله عليها عمرو بن حريث، فجمع الناس، وقام الرسولان فخطبا وذكرا ذلك للناس، فقام يزيد بن الحارث بن يزيد الشيباني وهو ابن رويم، فقال الحمد لله الذي أراحنا من ابن سمية، أنحن نبايعه ؟ لا ولا كرامة. وحصبهما الناس بعده، فشرفت هذه المقالة يزيد بن رويم بالكوفة ورفعته، ورجع الرسولان إلى عبيد الله، فقال أهل البصرة: أيخلعه أهل الكوفة ونوليه نحن ؟ ! فضعف سلطانه عندهم، فكان يأمر بالأمر فلا يقضى ويرى الرأي فيرد عليه، ويأمر بحبس المخطئ فيحال بين أعوانه وبينه. ثم جاء البصرة سلمة بن ذؤيب الحنظلي التميمي، فوقف في السوق وبيده لواء، وقال: أيها الناس، هلموا إلي، إني أدعوكم إلى ما لم يدعكم إليه أحد، أدعوكم إلى العائذ بالحرم، يعني عبد الله بن الزبير. فاجتمع إليه ناس، وجعلوا يبايعونه، فبلغ الخبر ابن زياد، فجمع الناس فخطبهم وذكرهم بما كان من بيعته وقال: إني بلغني أنكم مسحتم أكفكم بالحيطان وباب المسجد، وقلتم ما قلتم، وإني آمر بالأمر فلا ينفذ، ويرد على رأيي، ويحال بين أعواني وبين طلبتي، ثم هذا سلمة بن ذؤيب يدعوكم إلى الخلاف عليكم، ليفرق جماعتكم، ويضرب بعضكم رقاب بعض ! '. فقال الأحنف والناس: نحن نأتيك بسلمة، فأتوه، فإذا جمعه قد كثف والفتق قد اتسع، فقعدوا عن ابن زياد فلم يأتوه، فلما رأى ذلك أرسل إلى الحارث بن قيس بن صهبان الجهضمي الأزدي، فأحضره وسأله الهرب به، فقال: يا حارث إن أبي أوصاني إن احتجت إلى الحرب يوماً ما أن أختاركم، فقال الحارث قد اختبرنا أباك فلم نجد عنده ولا عندك مكافأة، وما أدري كيف أتأتى لك إن أخرجتك نهاراً أخاف أن تقتل أو أقتل، ولكني أقيم معك إلى الليل، ثم أردفك خلفي لئلا نعرف، فقال عبيد الله، نعم ما رأيت، فأقام عنده، فلما كان الليل حمله خلفه، وكان في بيت المال تسعة عشر ألف ففرق ابن زياد بعضها في مواليه، وادخر الباقي لآل زياد. قال: وسار الحارث بعبيد الله، فكان يمر به على الناس وهم يتحارسون مخافة الحرورية، حتى انتهوا إلى بني ناجية، فقال بنو ناجية: من أنت ؟ قال: الحارث بن قيس. وعرف رجل منهم عبيد الله، فقال: ابن مرجانة ! وأرسل سهماً فوقع في عمامته ومضى به الحارث حتى أنزله في داره بالجهاضم، فقال له ابن زياد: 'يا حارث، إنك قد أحسنت، فاصنع ما أشير به عليك، قد علمت منزلة مسعود بن عمرو، وشرفه وسنه، وطاعة قومه له، فهل لك أن تذهب بي إليه فأكون في داره، فهي وسط الأزد ؟ فإنك إن لم تفعل فرق عليك أمر قومك، فأخذه الحارث فدخلا على مسعود فلم يشعر حتى رآهما، فقال للحارث: أعوذ بالله من شر ما طرقتني به، قال: ما طرقتك إلا بخير، ولم يزل الحارث يلطف بمسعود في أمره حتى قال له: أتخرجه من بيتك بعد ما دخله عليك ؟ فأمره مسعود فدخل بيت أخيه عبد الغافر بن عمرو، ثم ركب مسعود من ليلته ومعه الحارث وجماعة من قومه، فطافوا بالأزد فقالوا: إن ابن زياد قد فقد، وإنا لا نأمن أن تلطخوا به، فأصبحوا في السلاح، وفقد الناس ابن زياد فقالوا: ما هو إلا في الأزد. وقيل: إن الحارث لم يكلم مسعودا، بل أمر عبيد الله فحمل معه مائة ألف درهم وأتى بها أم بسطام امرأة مسعود وهي بنت عم الحارث ومعه عبيد الله، فاستأذن عليها، فأذنت له. فقال: قد اتيتك بأمر تسودين به نساء العرب، وتتعجلين به الغنى، فأخبرها الخبر وأمرها أن تدخل ابن زياد البيت، وتلبسه ثوباً من ثياب مسعود، ففعلت، فلما جاء مسعود أخذ برأسها يضربها، فخرج عبيد الله والحارث عليه، وقال، لقد أجارتني وهذا ثوبك علي، وطعامك في بطني، وشهد الحارث، وتلطفوا به حتى رضي. فلم يزل ابن زياد في بيته حتى قتل مسعود، فسار إلى الشام على ما نذكره إن شاء الله. قال: ولما فقد ابن زياد بقي أهل البصرة بغير أمير، فاختلفوا فيمن يؤمرونه عليهم، ثم تراضوا بقيس بن الهيثم السلمي، وبنعمان بن سفيان ليختارا من يرتضيان لهم، وكان رأي قيس في بني أمية، ورأي النعمان في بني هاشم، فقال النعمان: ما أرى أحداً أحق بهذا الأمر من فلان، لرجل من بني أمية. وقيل بل ذكر عبد الله بن الأسود الزهري، وكان هوى قيس فيه، وإنما قال النعمان ذلك خديعة ومكراً بقيس، فقال قيس: قد قلدتك أمري ورضيت من رضيت، ثم جاء إلى الناس فقال قيس بن الهيثم: قد رضيت من رضى النعمان.