أخذ الميثاق على ذريته
قال: وأوحى الله تعالى إلى آدم: أني أريد أن آخذ على وديعتي التي في ظهرك الميثاق، فأحاطت الملائكة بآدم في أحسن صورهم، فوقعت الرعدة على آدم من الخوف، فضمه جبريل إلى صدره، واضطرب الوادي وارتج، فقال جبريل: اسكن فإنك أول شاهد على الميثاق الذي يأخذه الله على ذرية آدم.فسكن، ومسح الله تعالى على ظهر آدم كما شاء، وقال: 'انظر يا آدم إلى من يخرج من ظهرك' فأول من بادر وكان أسرع خروجاً نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فأجاب بالتلبية ونادى إلى ذات اليمين وهو يقول: أنا أول من يشهد لك بالتوحيد، ويقر لك بالعبودية، وأشهد أني عبدك ورسولك.فهو صلى الله عليه وسلم أول الأنبياء في الخلق، وآخرهم في البعث، وفي ذلك من الحكمة الإلهية والقدرة الربانية ما لم يخف على ذي لب وفهم، وليس هذا موضع ذكر ذلك.ثم أجابت الطبقة الثانية من النبيين والمرسلين نبيناً بعد نبي في نورهم وبهائهم، ثم خرجت زمرة من المؤمنين بيض الوجوه، معلنين بالتوحيد، فوقفوا دون النبيين. ثم مسح الله مسحة أخرى فخرج قابيل بن آدم مبادراً وقد تبعه أهل الشمال فوقفوا ذات الشمال كلهم سود الوجوه.ثم قيل لآدم: 'انظر إلى ولدك هؤلاء لتعرفهم بأسمائهما وأزمانهم' فنظر إلى أهل اليمن فضحك منهم، وبارك عليهم ؛ ونظر إلى أهل الشمال فلعنهم وصرف وجهه عنهم ؛ ثم استنطقهم الله تعالى فقال: 'ألست بربكم قالوا بلى شهدنا' وأقررنا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أما أهل اليمن فأجابوا بالسرعة، وأما أهل الشمال فأجابوا بالتثاقل.قال الله تعالى: 'يا ملائكتي اشهدوا على ذرية آدم بأنهم أقروا أني ربهم لا يجحدونني شيئاًن، وأن آدم قد بارك على أهل يمينه، ولعن أهل شماله، فأهل اليمين في جنتي برحمتي، وأهل الشمال في النار بما جحدوا من حقي'. ثم ردهم الله إلى ظهره كما أخرجهم بقدرته. قال وهب: وإذا كان يوم القيامة وحشر الخلق لفصل القضاء قيل: يا آدم، 'ابعث بعث الجنة إلى الجنة، وبعث النار إليها'.فيعرفهم بصورهم وأسمائهم ؛ فيقول: 'نعم يا رب' ؛ ويراهم كما رآهم في الذرية، ويقبل عليهم بوجهه ويقول: أنسيتم عهد ربكم وشهادتكم له بأنه الله الواحد الأحد ؟ فيقولون ما أخبرنا الله تعالى به عنهم: 'إنا كنا عن هاذ غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم' يعنون قابيل بن آدم، لأنه أول من عصى ربه ؛ ثم يقولون: 'ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين' يعنون إبليس وقابيل ؛ فيقبض آدم بشمائله من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحداً بيمنه إلى الجنة ؛ ثم يقول: يا رب هل وفيت ؟ فيقال له: نعم ادخل الجنة برحمتي.