نهاية الأرب في فنون الأدب/الشيب والخضاب

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الشيب والخضاب

من المدح والذمفأما مدح الشيب، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'من شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة'. وقال ابن أبي شيبة: 'نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نَتْف الشيب وقال: هو نور المؤمن'. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: 'إن أوّل من رأى الشيب إبراهيم الخليل عليه السلام، فقال: يا ربِّ ما هذا ؟ فقال له: الوقار، فقال: رب زدْني وقارا'. وتأمل حكيمٌ شيبه فقال: مرحباً بزهرة الحُنْكة ويُمْن الهدى ومقدِّمة العفَّة ولباس التقوى. وقيل: دخل أبو دُلف على المأمون وعنده جارية له، وكان أبو دلف قد ترك الخضاب، فأشار المأمون إلى الجارية فقالت له: شبْت يا أبا دُلف، إنا لله وإنا إليه راجعون.فسكت عنها أبو دلف، فقال له المأمون: أجبها، فقال:

تهزَّأت إذ رأت شيْبي فقلتُ لها:

لا تهزئي من يطُلْ عمرٌ به يشيبِ !

شيبُ الرجال لهم زيْنٌ ومكْرُمةٌ،

وشيبُكن لكُنَّ الويل فاكتئبي !

فينا لكُنَّ - وإن شيب بدا - أربٌ،

وليس فيكُنَّ بعد الشَّيب من أربِ !

وقال آخر:

أهلاً وسهلاً بالمشيب ومرحباً،

أهلاً به من وافدٍ ونزيلِ !

أهْدي الوقار وذاد كلَّ جهالة

كانت، وساق إليّ كلَّ جميلِ.

فصحبت في أهل التقى أهل النهى

ولقيت بالتعظيم والتبجيلِ.

ورأى لي الشُّبَّان فضل جلالةٍ

لما اكتهلت، وكنت غير جليلِ.

فإذا رأوْني مقبلاً، نهضوا معاً:

فِعلُ المقرِّ لهيبة التفضيلِ.

إن قلت، كنت مصدقاً في منطقي،

ماضي المقالة حاضر التعديلِ.

وقال مسلم بن الوليد:

الشيب كُرهٌ، وكُرهٌ أن يُفارقني

اعجب لشيءٍ على البغضاء مودود.

وقال عليّ بن محمد الكوفيّ:

بكى للشَّيب، ثم بكى عليه

وكان أعزَّ من فقد الشَّبابِ.

فقلْ للشَّيب: لا تبْرحْ حميداً

إذا نادى شبابك بالذهابِ.

وقال العسكريّ:

يودُّ أنَّ شيبه

إذ جاء لا ينْصرفُ.

يخْلُفُ ريعان الصِّبا

والموت منه خلفُ.

وقال ابن المعتزّ:

قد يشيبُ الفتى، وليس عجيباً

أن يُرى النَّوْرُ في القضيب الرَّطيبِ.

وقال أبو تمام:

ولا يؤرِّقْك إيماضُ القتير به

فإنَّ ذاك ابتسام الرأي والأدبِ.

وقال أبو الفتح البستي:

يا شيْبتي دُومي ولا تترحَّلي

وتيقَّني أنِّي بوصلكِ مُولعُ !

قد كنت أجْزعُ من حُلولك مرةً،

فالآن من خوف ارتحالك أجزعُ !

وقال آخر:

فأما المشيب فصُبْحٌ بدا

وأما الشباب فليل أفلْ.

سقى الله هذا وهذا معاً

فنعم المولِّى ونعم البدلْ !

وقال أبو الفتح كشاجم:

تفكرت في شيب الفتى وشبابه

فأيقنْت أن الحقَّ للشَّيب واجبُ.

يصاحبني شرخ الشباب فينقضي،

وشيبي لي حتَّى الممات مصاحبُ.

وقال أبو العلاء السرويّ، شاعر اليتيمة:

حيِّ شيباً أتى لغير رحيل،

وشباباً مضى لغير إيابِ !

أيُّ شيءٍ يكون أحسن من عا

ج مشيبٍ في آبنوس شبابِ ؟

وقال أبو عوانة الكاتب:

هزئت إذ رأت مشيبي، وهل غي

ر المصابيح زينةٌ للسماءِ ؟

وتولت فقلت قولاً بإفصا

حٍ لها، لا بالَّرْمز والإيماءِ:

إنما الشيب في المفارق كالنُّو

ر بدا والسَّواد كالظلماءِ.

لا محيضٌ عن المشيب أو المو

ت، فكُنْ للحوباء أو للنمَّاءِ !

إن عمراً عوضت فيه عن المو

ت بشيبٍ من أعظم النَّعماءِ !

وقال ابن عبد ربه:

كأنَّ سواد لمته ظلام

يُطلُّ من المشيب عليه نُورُ.

وقال أبو عبد الله الأسباطي:

لا يَرُعك المشيبُ، يا ابنة

عبد الله، فالشيب زينةٌ ووقارُ !

إنما تحسُنُ الرياض إذا ما

ضحكت في ظلالها الأنوارُ.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي