نهاية الأرب في فنون الأدب/الفتنة بخراسان

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الفتنة بخراسان

في هذه السنة حاصر عبد الله بن خازم من كان بخراسان من بني تميم بسبب قتلهم ابنه محمدا، وذلك أنه لما تفرقت بنو تميم بخراسان على ما تقدم، أتى قصر قرنبا عدة منهم ما بين السبعين إلى الثمانين، فولوا أمرهم عثمان بن بشر بن المحتفز المازني، ومعه شعبة بن ظهير النهشلي، وورد بن الفلق العنبري، وزهير بن ذؤيب العدوي، وجيهان بن مشجعة الضبي، والحجاج بن ناشب العدوي، ورقبة ابن الحر في فرسان بني تميم وشجعانهم، فحاصرهم ابن خازم، فكانوا يخرجون إليه فيقاتلونه، ثم يرجعون إلى القصر، فخرج ابن خازم يوماً في ستة آلاف، وخرج أهل القصر إليه، فقال لهم بشر: ارجعوا فلن تطيقوه، فحلف زهير بن ذويب بالطلاق إنه لا يرجع حتى ينقض صفوفهم، فاستبطن نهراً قد يبس، فلم يشعر به أصحاب ابن خازم حتى حمل عليهم، فحطم أولهم على آخرهم، واستدار وكر راجعاً، واتبعوه يصيحون به، ولم يجسر أحد ينزل إليه حتى رجع إلى موضعه، فحمل عليهم، فأفرجوا له حتى رجع، فقال ابن خازم لأصحابه: إذا طاعنتم زهيراً فاجعلوا في رماحكم كلاليب، ثم علقوها في سلاحه، فخرج إليهم يوماً فطاعنهم، فأعلقوا فيه أربعة رماح بالكلاليب، فالتفت إليهم ليحمل عليهم، فاضطربت أيديهم، وخلوا رماحهم، فعاد يجر أربعة أرماح حتى دخل القصر، فأرسل ابن خازم إلى زهير، فضمن له مائة ألف وميسان طعمة ليناصحه، فلم يجبه، فلما طال الحصار عليهم أرسلوا إلى ابن خازم أن يمكنهم من الخروج ليتفرقوا، فأبى إلا على حكمه، فأجابوه إلى ذلك، فقال زهير: ثكلتكم أمهاتكم، والله ليقتلنكم عن آخركم، فإن طبتم بالموت نفساً فموتوا كراماً، اخرجوا بنا جميعا، فإما أن تموتوا كراماً، وإما أن ينجو بعضكم ويهلك بعضكم، وأيم الله لئن شددتم عليهم شدة صادقة ليفرجن لكم، فإن شئتم كنت أمامكم، وإن شئتم كنت خلفكم، فأبوا عليه، فقال سأريكم ؛ ثم خرج هو ورقبة بن الحر وغلام تركي وابن ظهير، فحملوا على القوم حملة منكرة فأفرجوا لهم، فمضوا.فأما زهير فرجع إلى من بالقصر ونجا أصحابه، فقال زهير لمن بالقصر: قد رأيتم، أطيعوني، فقالوا: إنا نضعف عن هذا ونطمع في الحياة، فقال: والله لا أكون أعجزكم عند الموت، فنزلوا على حكم ابن خازم، فأرسل إليهم فقيدهم، وحملوا إليه رجلا رجلا، فأراد أن يمن عليهم، فأبى عليه ابنه موسى، وقال له: إن عفوت عنهم قتلت نفسي، فقتلهم إلا ثلاثة، أحدهم الحجاج ابن ناشب، شفع فيه بعض من معه فأطلقه، والآخر جيهان بن مشجعة الضبي، وكان قد منع القوم من قتل محمد عبد الله، ورمى نفسه عليه، فأبوا، فتركه لذلك، والآخر رجل من بني سعد من تميم، وهو الذي رد الناس عن ابن خازم يوم لحقوه، وقال: انصرفوا عن فارس مضر. قال: ولما أرادوا حمل زهير بن ذويب وهو مقيد أبى، واعتمد على رمحه، فوثب الخندق، ثم أقبل إلى ابن خازم يحجل في قيوده ؛ فقال له ابن خازم: كيف شكرك إن أطلقتك وأطعمتك ميسان ؟ قال: لو لم تصنع بي إلا حقن دمى لشكرتك، فلم يمكنه ابنه موسى من إطلاقه، فقال له أبوه: ويحك، تقتل مثل زهير، من لقتال عدو المسلمين، من لنساء العرب ؟ فقال: والله لو شركت في دم أخير لقتلتك، فأمر بقتله، فقال زهير: إن لي حاجة، لا تقتلني وتخلط دمي بدماء هؤلاء اللئام، فقد نهيتهم عما صنعوا، وأمرتهم أن يموتوا كراماً ويخرجوا عليكم مصلتين، وأيم الله لو فعلوا لذعروا بنيك هذا.وشغلوه بنفسه عن طلب ثأر أخيه، فأمر به ابن خازم فقتل ناحية.

سنة سبع وستين

في هذه السنة استعمل عبد الله بن الزبير أخاه مصعباً على البصرة، فقتل المختار كما تقدم، قم عزله عن العراق، واستعمل ابنه حمزة بن عبد الله.وكان حمزة جواداً مخلطاً، يجود أحياناً حتى لا يدع شيئاً يملكه، ويمنع أحياناً ما لا يمنع مثله، وظهر منه بالبصرة خفة وضعف، فكتب الأحنف إلى أبيه، وسأله أن يعزله عنهم، ويعيد مصعباً، فعزله، فاحتمل مالاً كثيراً من مال البصرة، فعرض له مالك ابن مسمع، فقال: لا ندعك تخرج بأعطياتنا ؛ فضمن له عبيد الله ابن عبد الله العطاء، فكف عنه، وشخص حمزة بالمال إلى المدينة، فأودعه رجالا، فجحدوه، إلا رجلاً واحداً، فوفى له، فبلغ ذلك أباه، فقال: أبعده الله، أردت أن أباهي به بني مروان فنكص. وقيل: إن مصعباً أقام بالكوفة سنة بعد قتل المختار معزولاً عن البصرة، ثم وفد إلى أخيه فرده إلى البصرة، وقيل: بل انصرف مصعب إلى البصرة بعد قتل المختار، واستعمل على الكوفة الحارث بن أبي ربيعة، وكانتا في عمله، فعزله أخوه، واستعمل ابنه حمزة، ثم عزل حمزة بكتاب الأحنف وأهل البصرة، ورد مصعباً، وذلك في سنة ثمان وستين. وحج بالناس في هذه السنة عبد الله بن الزبير، وكان العمال من تقدم ذكرهم، وكان على قضاء الكوفة عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة.

سنة ثمان وستين

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي