بلوقيا
وما شاهد من العجائبوهذه القصة تشتمل على عجائب كثيرة ووقائع قد ينكرها بعض من يقف عليها لغرابتها وليست بمستنكرة بعد أن ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: 'بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار'.ولنأخذ الآن في سرد القصة. قال أبو إسحاق الثعلبي رحمه الله تعالى في كتابه المترجم بيواقيت البيان في قصص القرآن بسند رفعه عن عبد الله بن سلام قال:كان في بني إسرائيل رجل يقال له أوشيا وكان من علمائهم، وكان كثير المال، وكان إماماً لبني إسرائيل، وكان قد عرف نعت النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة، فخبأه وكتمه عنهم.وكان له ابن يقال له خليفة أبيه في بني إسرائيل، وذلك بعد سليمان بن داود عليهما السلام.فلما مات أوشيا بقي ابنه والأمانة في يده والقضاء، ففتش يوماً خزائن أبيه فوجد فيها تابوتاً من حديد مقفلاً بقفل حديد، فسأل الخزان عن ذلك، فقالوا: لا ندري.فاحتال على القفل حتى فكه، فإذا فيه صندوق من خشب الساج، ففكه وإذا فيه أوراق، فقرأها فإذا فيها نعت النبي صلى الله عليه وسلم وأمته وهي مختومة بالمسك، فقرأ ذلك على بني إسرائيل ثم قال: الويل لك يا أبت من الله فيما كتبت وكتمت من الحق وأهله !.فقالت بنو إسرائيل: يا ، لولا أنك إمامنا وكبيرنا لنبشنا قبره وأخرجناه منه وحرقناه بالنار.قال: يا قوم، لا ضير إنما ترك حظ نفسه وخسر في دينه ودنياه، فألحقوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم وأمته بالتوراة.قال: وكانت أم في الأحياء، فاستأذنها في الخروج إلى بلاد الشام، وكانوا يومئذ في بلاد مصر.فقالت: وما تصنع بالشام ؟ قال: أسأل عن محمد وأمته، فلعل الله تعالى أن يرزقني الدخول في دينه، فأذنت له.فبرز وقدم بلاد الشام.فبينما هو يسير إذا انتهى إلى جزيرة من جزائر البحر، فإذا هو بحيات كأمثال الإبل عظماً وفي الطول ما شاء الله وهن يقلن: لا إله إلا الله محمد رسول الله.فقلن له: أيها الخلق المخلوق من أنت ؟ وما اسمك ؟ قال: اسمي ، وأنا من بني إسرائيل.فقلن: وما إسرائيل ؟ قلت: من ولد آدم.فقلن: سمعنا باسم آدم ولم نسمع باسم إسرائيل.فقال : أيتها الحيات من أنتن ؟ فقلن: نحن حيات من حيات جهنم ونحن نعذب الكفار فيها يوم القيامة.قال : وما تصنعن هاهنا ؟ وكيف عرفتن محمداً ؟ فقلن: إن جهنم تفور وتزفر في كل سنة مرتين فتلقينا هاهنا ثم نعود إليها، فشدة الحر في الصيف من حرها، وشدة البرد في الشتاء من بردها.وليس في جهنم درك من دركاتها، ولا باب من أبوابها، ولا سرادق من سرادقاتها إلا وقد كتب عليه: 'لا إله إلا الله محمد رسول الله'.فمن أجل هذا عرفنا محمداً صلى الله عليه وسلم.قال : أيتها الحيات، هل في جهنم مثلكن أو أكبر منكن ؟ فقلن: إن في جهنم حيات تدخل إحدانا في أنف إحداهن وتخرج من فمها ولا تشعر بذلك لعظمها.قال: فسلم عليهن ومضى حتى أتى جزيرة أخرى، فإذا هو بحيات كأمثال الجذوع والسواري، وعلى متن إحداهن حية صغرى صفراء كلما مشت اجتمعت الحيات.حولها فإذا نفخت صرن تحت الأرض خوفاً منها.فلما رآها ورأته قالت له: أيها الخلق المخلوق من أنت ؟ وما اسمك ؟ قال: اسمي ، وأنا من بني إسرائيل من ولد إبراهيم.فاخبريني أيتها الحية من أنت ؟ قالت: أنا موكلة بالحيات واسمي تمليخا، ولولا أني موكلة بهن لقتلت الحيات بني آدم كلهم في يوم واحد، ولكني إذا صفرت صفرة واحدة وسمعن صوتي دخلن في الماء الذي تحت الأرض.ولكن يا إن لقيت محمد صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام. قال: ومضى إلى بلاد الشام فأتى بيت المقدس، وكان بها حبر من أحبارهم يسمى عفان الخير، فأتاه فسلم عليه وقص عليه قصته.فقال له: ليس هذا زمان محمد ولا زمان أمه، وبينك وبينه بعد سنين وقورن.ثم قال عفان: يا أرني موضع الحية التي اسمها تمليخا، فإن قدرت أن أصيدها رجوت أن أنال معك ملكاً عظيماً ونحيا حياة طيبة إلى أن يبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم فندخل في دينه.قال: فمن حرص على الدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم قال: أنا أريك المكان.فقام عفان وأخذ تابوتاً من حديد وحمل فيه قدحين من فضة في أحدهما خر وفي الآخر لبن ؛ ثم سار جميعاً حتى انتهيا إلى موضع الحية ففتحا باب التابوت وتنحيا.وجاءت الحية تبغي الرائحة فدخلت التابوت وشربت من اللبن والخمر حتى سكرت ونامت.فقام عفان ودب إلى التابوت دبيباً خفيفاً فأغلق بابه واحتضنه وسارا جميعاً فم يمرا بشجرة ولا بيت إلا كلمهما بإذن اله تعالى.فمرا بشجرة يقال لها الدواء فقالت: يا عفان، من يأخذني ويقطعني ويدقني ويعصر مائي ودهني ويطلي به قدميه فإنه يغوص البحار السبعة ولا تبتل قدماه ولا يغرق.فقال عفان: إياك طلبت، فقطع تلك الشجرة فدقها وعصر دهنها وجعله في كوز ثم خلى عن الحية فطارت بين السماء والأرض وهي تقول: يا بني آدم ما أجرأكم على الله تعالى، ولن تصلوا إلى ما تريدون، وذهبت الحية.وسار عفان و إلى اليم فطليا أقدامهما ثم عبرا البحر ومشيا على الماء كما كانا يمشيان على الأرض حتى قطعا البحر الأول ثم الثاني، فإذا هما بجبل في وسط البحر ليس بعال ولا متدان ترابه كالمسك، عليه غمام أبيض، وفيه كهف، وفي الكهف سرير من الذهب عليه شاب مستلق على قفاه ذو وفرة، واضع يده اليمنى على صدره واليسرى على بطنه بمنزلة النائم وليس بنائم وهو ميت، وعلى رأسه تنين وخاتمه في الشمال.قال: وكان ذلك سليمان بن داود، وملك سليمان في خاتمه، وكانت حلقته من ذهب وفضة من ياقوت أحمر مربع، مكتوب عليه أربعة أسطر، في كل سطر اسم من أسماء الله الأعظم.وكان عند عفان علم من الكتاب، فقال : من هذا ؟ قال: هذا سليمان بن داود، نريد أن نأخذ خاتمه فنملك ملكه ونرجو الحياة إلى أن يبعث الله محمد صلى الله عليه وسلم.فقال : أليس قد سأل سليمان ربه: 'رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي' فأعطاه الله إياه على ما سأل، ولا ينال ملك سليمان إلى يوم القيامة لدعائه.فقال عفان: يا اسكت إن الله معنا ومعنا اسم الله الأعظم، ولكن أنت يا فاقرأ التوراة.فتقدم عفان لينزع خاتم سليمان من إصبعه، فقال التنين: ما أجرأك على الله ! إن غلبتنا باسم الله فنحن نغلبك بقوة الله.قال: فكلما نفخ التنين ذكر اسم الله، فلم تعلم نفخات التنين فيهما.ودنا عفان من السرير لينزع الخاتم من إصبع سليمان، فاشتغل بالنظر إلى نزول جبريل من السماء، فلما نزل صاح بهما صيحة ارتجت الأرض والجبال وتزلزت منها واختلطت مياه البحار وماجت والتطمت حتى صار كل عذب ملحاً من شدة صيحته، وسقط عفان على وجهه، ونفخ التنين فخرجت من بطنه شعلة نار كأنها البرق الخاطف، فاحترق عفان وعادت نفخته في البحر فما مرت البرقة بشيء إلا أحرقته ولا بماء إلا أجاشته وأغلته.وذكر اسم الله الأعظم فلم ينله مكروه، ثم تراءى له جبريل في صورة رجل فقال له: يا بن آدم ما أجرأك على الله تعالى ! فقال له : من أنت رحمك الله ؟ قال: أنا جبريل أمين رب العالمين.قال له يا جبريل، إنما خرجت حباً لمحمد ودينه ولم أقصد الخطأ ولم أتعمده.قال: فبذلك نجوت.ثم صعد جبريل إلى السماء، و مضى فطلى قدميه بذلك الدهن فأضل الطريق الذي جاء منه وأخذ في طريق آخر، وسار فقطع ستة أبحر ووقع في السابع فإذا هو بجزيرة من ذهب حشيشها الورس والزعفران وأشجارها النخل والرمان.قال : ما أشبه هذا المكان بالجنة على ما وصفت !.ثم دنا من بعض تلك الأشجار فتناول من ثمرها، فقالت الشجرة: يا خاطئ ابن الخاطئ لا تأخذ مني شيئاً.فتعجب، وإذا بحيال الشجرة قوم يتراكضون، بأيديهم سيوف مسلولة، يتناوش بعضهم بعضاً بالطعن والضرب.فلما رأوا طافوا به وأحدقوا من ورائه وهموا به سوءاً، فذكر اسم الله فهابوه وعجبوا منه وأغمدوا سيوفهم وقالوا بأجمعهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله.ثم قالوا له: من أنت يا عبد الله ؟ قال: أنا من بني آدم اسمي .قالوا: نعرف آدم ولا نعرفك فما أوقعك إلينا ؟ قال: إني خرجت في طلب نبي يسمى محمداً وإنني قد ضللت عن الطريق الذي أردته فرأيت من الأهوال كذا وكذا.قالوا: يا نحن من الجن مؤمنون، ونحن مع ملائكة الله في السماء، ثم نزلنا إلى الأرض وقاتلنا كفرة الجن ونحن هاهنا مقيمون نغزوهم ونجاهدهم إلى يوم القيامة، ولسنا نموت إلى يوم القيامة وأنت لا تصبر معنا.فقال لملك الجن: يا صخرة أخبرني عن خلق الجن كيف كان ؟ قال: لما خلق الله جهنم خلق لها سبعة أبواب وسبعة ألسن، وخلق منها خلقين: خلق في سمائه سماه حيليت، وخلق في أرضه سماه تمليت.فأما حيليت فإنه خلق على صورة أسد، وتمليت في صورة ذئب، وجعل الأسد ذكراً والذئب أنثى، وجعل طول كل واحد منهما مسيرة خمسمائة عام، وجعل ذنب الذئب بمنزلة ذنب العقرب، وذنب الأسد بمنزلة الحية، وأمرهما أن ينتفضا في النار انتفاضة ففعلا، فسقط من ذنب الذئب عقارب، ومن ذنب الأسد حيات.فعقارب جهنم وحياتها من ذلك.ثم أمرهما أن يتناكحا ففعلاً، فحمل الذئب من الأسد فولد سبعة بنين وسبع بنات.فأوحى الله تعالى إليهم أن يزوج البنات من البنين كما أمر آدم، فستة بنين أطاعوا وواحد لم يطع ولم يتزوج فلعنه أبوه وهو إبليس.وكان اسمه الحارث، وكنيته أبو مرة ؛ فهذا أول خلق الجن.ثم قال له: يا إن دوابنا لا تثبت مع الإنس ولكن أجلل فرسي وأبرقعه حتى لا يعرف راكبه، فأركب عليه على اسم الله تعالى ؛ فإذا انتهيت إلى أقصى أعمالي على ساحل بحر كذا وإذا شيخ وشاب ومشايخ معهما فإنك ستلقاهما هناك فادفع الفرس إليهما وامض في حفظ الله راشداً.فجاء على الفرس حتى انتهى إليهم فسلم على الشيخ والشاب ونزل عن الفرس ودفعه إليهما.وكان قد فصل من عند ملك الجن عند صلاة الغداة ووصل إليهما نصف النهار.فقالا ل: مذ كم فارقت الملك ؟ قال: فارقته غدوة.فقالا له: ما أسرع ما جئت ! قد أتعبت فرسنا.فقال : والله ما مددت إليه يداً ولا حركت عليه رجلاً ولم أركضه عنفاً.قالا: صدقت ولكن فرسنا أحسن بك وبمنزلتك، فطار ما بين السماء والأرض ليريح نفسه منك، فكم تراه جاء بك ؟ قال: خمسة فراسخ أو أقل أو أكثر.قالا: بل جاء بك مسيرة مائة وعشرين سنة، وكان يطير بك بين السماء والأرض حول الدنيا دون قاف وأنت لا تعلم.فحولوا عنه السرج واللجام والبرقع وإذا العرق يقطر من كل شعرة منه، وله جناحان انقضا من كثر الطيران.فقال : هذا والله العجب.فقالوا: يا عجائب الله لا تنقضي.ثم سلم عليهم ومضى فركب اليم.فبينما هو يسير إذ رأى ملكاً إحدى يديه بالمشرق والأخرى بالمغرب وهو يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.فسلم عليه ، فقال له الملك من أنت أيها الخلق المخلوق ؟ فقال: أنا وأنا من بني إسرائيل من ولد آدم.ثم قال له: أيها الملك ما اسمك ؟ قال: اسمي يوحاييل وأنا موكل بضوء النهار وظلمة الليل.فقال: فما بال يدك مبسوطتين ؟ فقال له: في يدي اليمنى ضوء النهار، وفي يدي اليسرى ظلمة الليل، ولو سبق النهار الليل لأضاءت السموات والأرضون.ولم يكن الليل أبداً، ولو سبقت الظلمة النور لأظلمت السماء والأرض ولم يكن ضوء أبداً.وبين يديه لوح معلق في سطران سطر أبيض وسطر أسود، فإذا رأيت السواد ينتقص نقصت الظلمة، وإذا رأيت السواد يزيد زدت الظلمة، وإذا رأيت السطر الأبيض يزداد زدت في البياض والنور، وإذا انتقص نقصت ؛ فلذلك الليل في الشتاء أطول و النهار أقصر ؛ وفي الصيف النهار أطول والليل أقصر.ثم سلم ومضى، فإذا هو بملك قائم يده اليمن في السماء ويده اليسراى في الأرض في الماء تحت الثرى وهو يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.فسلم عليه ، فقال له: من أنت وما اسمك ؟ قال اسمي وأنا من بني إسرائيل من ولد آدم.قال له : أيها الملك ما اسمك ؟ قال: اسمي ميخائيل.قال: فما لي أراك يمينك في السماء وشمالك في الماء ؟ قال: أحبس الريح بيمني والماء بشمالي، ولو رفعت شمالي عن الماء لزخرت البحار كلها في ساعة واحدة ولطمت بإذن الله تعالى، ويدي اليمنى في الهواء أحبس الريح عن بني آدم لأن في السماء ريحاً يقال لها الهائمة لو أرسلنها لقتلت من في السماء ومن في الأرض من بردها.فسلم عليه ومضى، وإذا بأربعة من الملائكة، أحدهم رأسه كرأس الثور، والآخر رأسه كرأس النسر، والثالث رأسه كرأس الأسد ؛ والرابع رأسه كرأس الإنسان.فالذي رأسه كرأس الثور يقول: اللهم ارفع العذاب عن البهائم، وارفع عنهم برد الشتاء وحر الصيف، واجعل لهم في قلوب بني آدم الرأفة والرحمة كيلا يكرهن ولا يكلفوهن فوق طاقتهن.واجعلني من أهل شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.وأما الذي رأسه كرأس النسر فيقول: اللهم ارحم الطيور ولا تعذبها، وادفع عنها برد الشتاء وحر الصيف، واجعلني من أهل شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.وأما الذي رأسه كرأس الأسد فإنه يقول: اللهم ارحم السباع ولا تعذبها وادفع عنها برد الشتاء وحر الصيف، واجعلني من أهل شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.وأما الذي رأسه كرأس الإنسان فإنه يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم ارحم المسلمين ولا تعذبهم وادفع عنهم حر النار، واجعلني من أهل شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.فسلم عليهم ومضى حتى أتى على جبل قاف وإذا هو بملك قائم على قاف، وهو جبل محيط بالدنيا من ياقوت خضراء.فسلم على الملك، فقال له: من أنت ؟ فقال: أنا وأنا من بني إسرائيل من ولد آدم فقال الملك: وأين تريد ؟ قال: خرجت في طلب من يسمى محمداً، ولست أرى أمره ولا أدري في أي بلاد أنا.فقال الملك: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قد أمرنا بالصلاة على محمد.قال : أيها الملك، ما اسمك ؟ قال: اسمي حزقاييل.قال: وما تصنع هنا ؟ قال: أنا أمين الله على قاف، وإذا في يده وتر مرة يعقده ومرة يحله، وعروق الأرض كلها مشدودة عيه والوتر في كف الملك قال: فإذا أراد الله أن يضيق على عباده أمرني أن أمد الوتر وأعقده وأرتق عروق الأرض فتضيق الدنيا على العباد والبلاد.وإذا أراد الله أن يوسع عليهم أمرني أن أرخي الوتر وأفتق عروق الأرض فتتسع الدنيا على العباد والبلاد.وإذا أراد أن يخوف قوماً أمرني أن أحرك عروق تلك الأرض، فمن أجل ذلك موضع يهتز وموضع لا يهتز، وموضع يتزلزل وموضعتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة، سنة ثمان من الهجرة منصرفة من الجعرانة، فلما دنا منها قالت: أعوذ بالله منك، فقالت: 'لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك' فكانت إذا استأذنت على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: أنا الشقية إنما خدعت.ودلهت وذهب عقلها، وماتت سنة ستين.وروى عن ابن إسحق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها بعد وفاة ابنته زينب، وخيرها حين أنزلت آية التخيير فاختارت الدنيا ففارقها، فكانت بعد تلقط البعر، وتقول: أنا الشقية أخترت الدنيا.قال أبو عمر بن عبد البر: وهذا عندي غير صحيح ؛ لأن ابن شهاب يروي عن أبي سلمة وعروة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خير أواجه بدأ بها فاختارت الله ورسوله قالت وتتابع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، قال قتادة وعكرمة: كان عنده حين خيرهن تسع نسوة وهن الواتي توفي عنهن، قال الشيخ أبو محمد عبد المؤمن: وقيل إنما طلقها لبياض كان بها.وقيل: إنما فارقها لأنه كان إذا خرج طلعت إلى المسجد.وقيل: إن الضحاك عرض ابنته فاطمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنها لم تصدع قط، فقال: 'لا حاجة لي بها'.وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم سناء بنت سفيان بن عوف بن كعب ابن أبي بكر بن كلاب.ومنهن:جبريل عسى أن يقدر على فتحه.فدعا ، فأمر الله تعالى جبريل فنزل عليه وفتح الباب، ثم قال: يا بن آدم ما أجرأك على الله ! ثم جاز حتى انتهى إلى بحرين: بحر مالح وبحر عذب.فلما وصل إليهما رأى بينهما حاجزاً، وفي البحر المالح جبل من ذهب، وفي البحر العذب جبل من فضة، وبينهما ملك على صورة النمل ومعه ملائكة على تلك الصورة.فسلم عليهم فردوا - ع - وقالوا له: من أنت ؟ فأخبرهم بقصته.ثم قال : من أنتم ؟ قالوا: نحن أمناء الله تعالى على هذين البحرين لا يلتقينان ولا يبغيان.فقال لهم : ما هذا الجبل الأحمر ؟ قالوا: هذا كنز الله في الأرض وكل ذهب في الأرض إنما هو من نصاب هذا الجبل، وكل ما في الدنيا من ماء عذب هو من هذا البحر.وهذا البحر إنما يجيء من تحت العرش من قبل أن خلق الله تعالى الملائكة ؛ وكل ما يجري من ماء مالح فهو من ذلك البحر الملح.وهذا الجبل الأبيض هو من فضة وهو كنز الله تعالى ؛ وكل كنز في الدنيا وكل معدن فضة فهو من عروق هذا الجبل.فسلم عليهم ومضى حتى انتهى إلى بحر عظيم، فإذا هو بحيتان كثيرة عظيمة وقد اجتمعت وبينها حوت عظيم يقضي بين الحيتان.فلما نظر إلى قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله.فسلم وأخبره بحال النبي صلى الله عليه وسلم وأنه خرج في طلبه، فرد السلام ثم قال: يا ، إن لقيت محمداً فأقرئه مني السلام.فقال: نعم إن شاء الله.ثم قال: أيتها الحيتان إني جائع عطشان وماء البحر ملح وما أجد ما آكل.فقال الحوت الأعظم: يا سأطعمك طعاماً تسير أربعين سنة لا تعيا ولا تجوع ولا تعطش، قال: فأطعمه ذلك الحوت قرصاً أبيض، فأكله ومضى حتى بلغ العمران.قال: ومن قبل أن يبلغ العمران رأى شاباً يجري على الماء كأنه البدر.فقال له : من أنت ؟ قال: سل الذي خلفي.فسار يوماً وليلة فإذا هو بآخر يمر على الماء ضوءه كضوء النجوم.فقال له : يا فتى، من أنت ؟ قال: سل الذي خلفي.فسار يوماً وليلة، فإذا هو بشاب كأنه القمر يلوح في آخر الشمس، فقال : أنشدك الله إلا وقفت.قال: فوقف وقال: لماذا استحلفتني ؟ قال: خشيت أن تفوتني مثل أصحابك الماضين، فمن كان الأول ؟ قال: إسرافيل صاحب الصور، والثاني ميكائيل صاحب المطر، والثالث جبرائيل أمي رب العالمين.فقال : ماذا تصنعون في اليم ؟ قال جبريل: حية من حيات البحر قد آذت سكانه، فدعوا الله عليها فاستجاب الله دعاءهم وأمرنا أن نسوقها إلى جهنم ليعذب الله بها الكفار يوم القيامة.قال : كم طولها وكم عرضها ؟ قال: طولها مسيرة ثلاثين سنة، وعرضها مسيرة عشرين سنة.فقال : يا جبريل، أيكون في جهنم مثل هذه أو أكبر منها ؟ فقال جبريل: إن في جهنم من الحيات ما تدخل هذه في أنف إحداهن ولا تشعر بها من عظم خلقتها، فسلم عليه ومضى إلى جزيرة أخرى، وإذا هو بغلام أمرد بين قبرين، فسلم عليه وقال: يا شاب، من أنت وما اسمك ؟ قال: اسمي صالح.قال: فما هذان القبران ؟ قال: أحدهما أبي والآخر أمي، كانا سائحين فماتا هاهنا، وأنا عند قبريهما حتى أموت.فسلم ومضى حتى انتهى إلى جزيرة، فإذا هو بشجرة عظيمة عليها طائر رأسه من ذهب، وعيناه من ياقوت، ومنقاره من لؤلؤ، وبدنه من زعفران، وقوائمه من زمرد، وإذا مائدة موضوعة تحت الشجرة وعليها طعام وحوت مشوي.فسلم عليه بولقيا فرد عليه الطائر السلام.فقال : أيها الطائر من أنت ؟ قال: أنا من طيور الجنة، وأن الله تعالى بعثني إلى آدم بهذه المائدة لما هبط من الجنة وكنت معه حتى لقي حواء، وأنا هاهنا من ذلك الوقت، وكل غريب وعابر سبيل يمر بها ويأكل منها، وأنا أمين الله عليها إلى يوم القيامة.فقال : ولا تتغير ولا تنقص ! قال: طعام الجنة لا يتغير ولا ينقص.فقال ل: كل فأكل حاجته، ثم قال: أيها الطائر، هل معك أحد ؟ قال: معي أبو العباس يأتيني أحياناً.قال: ومن أبو العباس ؟ قال: الخضر.فلما ذكر اسمه إذا هو بالخضر - ع - قد أقبل عليه ثياب بيض.قال: فما خطا خطوة إلا نبت الحشيش تحت قدميه.فسلم عليه وسأله عن حاله.قال : قد طالت غيبتي وأريد أن أرجع إلى أمي.قال الخضر: بينك وبينها مسيرة خمسمائة سنة، أنا أردك في مسيرة خمسمائة شهر.قال الطائر: إن كان بينك وبين أمك مسيرة خمسمائة سنة أنا أردك مسيرة خمسمائة يوم.قال الخضر: أنا أردك إليها في ساعة ثم قال: غمض عينيك فغمضهما ثم قال له: افتحهما ففتحهما، وإذا هو عند أمه جالس.فسألها: من جاء بي ؟ فقالت: جئت على متن طائر أبيض يطير بين السماء والأرض فوضعك قدامي.قال: ثم إن حدث بني إسرائيل بما رأى من العجائب والأخبار، فأثبتوها وكتبوها إلى يومنا هذا.فهذا ما كان من حديث .والله أعلم. ^
الباب الخامس من القسم الثالث من الفن الخامس