نهاية الأرب في فنون الأدب/تبوك

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

تبوك

كانت غزوة في شهر رجب سنة تسع من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم، وجذام، وعاملة، وغسان، وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى الخووج، وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم، وذلك في جر شديد، وأمرهم بالصدقة، فحملوا صدقات كثيرة، وقووا في سبيل الله. قال ابن هشام: أنفق عثمان بن عفان رضى الله عنه في جيش العسرة في غزوة ألف دينار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'اللهم آرض عن عثمان فإني عنه راض.'وجاء البكاءون وهم سبعة: سالم بن عمير، وهرمى بن عبد الله أخو بني واقف، وعلبة بن زيد أخو بني حارثة، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب المازني، وعمرو بن عنمة، وسلمة بن صخر، والعرباض بن سارية الفزاري. قال: وفي بعض الرواة من يقول: إن فيهم عبد الله بن مغفل المزني، ومعقل ابن يسار، وبعضهم يقول: البكاءون بنو مقرن السبعة، وهم من مزينة، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحملونه، فقال: 'لا أجد ما أحملكم عليه ؛ ' فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون، فعذرهم الله تعالى. قال: وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي، يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم، ففعل طلحة، فآقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت، فآنكسرت رجله، وآقتحم أصحابه فأفلتوا، فقال الضحاك في ذلك:

كادت وبيت الله نار محمد

يشيط بها الضحاك وآبن أبيرق

فظلت وقد طبقت كبس سويلم

أنوء على رجلى كسيرا ومرفقى

سلام عليكم لا أعود لمثلها

أخاف، ومن تشمل به النار يحرق

وجاء ناس من المنافقين يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخلف من غير علة، فأذن لهم، وهم بضعة وثمانون رجلا. وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم، فآعتذروا إليه، فلم يعذرهم، وهم آثنان وثمانون رجلا ؛ ذكر أنهم نفر من بني غفار، وكان عبد الله بن أبى بن سلول قد عسكر على ثنية الوداع في حلفائه من اليهود والمنافقين، فكان يقال: ليس عسكره بأقل العسكرين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف على عسكره أبا بكر الصديق رضى الله عنه، فصلى بالناس، وآستخلف على المدينة محمد بن مسلمة، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عبد الله بن أبى، ومن كان معه، وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا آرتياب، منهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وأبو خيثمة مالك بن قيس السالمي، وأبو ذر الغفاري ؛ وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء أو راية، ومضى صلى الله عليه وسلم لوجهه يسير بأصحابه حتى قدم في ثلاثين ألفا من الناس، والخيل عشرة آلاف فرس، فأقام بها عشرين ليلة يصلي ركعتبن ركعتين، ولحقه بها أبو خيثمة وأبو ذر. قال محمد بن إسحاق في سبب مسير أبى خيثمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه جاء يوما إلى أهله بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما في يوم حار، فوجد آمرأتين له في عريشين لهما في حائطه، قد رشت كل واحدة منها عريشها وبردت له فيه ماء، وهيأت طعاما، فلما دخل قام على باب العريش، فنظر إلى آمرأتيه وما صنعتا له، فقال: رسول الله في الضح والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد، وطعام مهيأ، وآمرأة حسناء، في ماله مقيم، ما هذا بالنصف ! ؛ ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهيئا لي زادا، ففعلتا، ثم قدم ناضحه فآرتحله، ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل . قال: ولما دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'كن أبا خيثمة، ' قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو خثيمة ؛ فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: 'أولى لك يا أبا خثيمة ! '، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال: خيرا ودعا له. وأما أبو ذر الغفاري، فإنه أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء الطريق، وكان بعيره قد أبطأ عليه، فحمل متاعه على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده' فكان كذلك. قال: وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهرقل يومئذ بحمص، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي