ما قيل في السهم:
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: 'إن الله عز وجل ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفرٍ الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به والممد به'. وقال صلى الله عليه وسلم: 'ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا'. وعنه صلى الله عليه وسلم وقد مر على نفر من أسلم ينتضلون فقال: 'ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً وأنا مع بني فلان'، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'ما لكم لا ترمون' ؛ فقالوا: كيف نرمي وأنت معهم ! قال: 'ارموا وأنا معكم كلكم. وعن حمزة بن أبي أسيد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدرٍ حين صففنا لقريش وصفوا لنا: 'إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل'. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: 'من تعلم الرمي ثم تركه فهو نعمةٌ تركها'. ومما يدل على تعظيم قدر الرامي ما ورد عن عبد الله بن شداد قال: سمعت علياً يقول: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفدّي رجلاً بعد سعد، سمعته يقول: 'ارم فداك أبي وأمي'. وسعد هذا هو سعد بن مالك. وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم له كان في يوم أحد.
وللسهم أسماء وصفات ونعوت نطقت بها العرب:
منها: 'أقذّ' والأقذ: الذي لا ريش عليه.'أهزع' وهو السهم الذي يبقى في الكنانة وحده لأنه أردأ ما فيها، ويقال: هو أجودها وأفضلها ؛ ويقال: ما في جفيره أهزع، قال العجاج:
لا تك كالرامي بغير أهزعا
وقال آخر:
فأرسل سهماً له أهزعا
فشك نواهقه والفما
'أفوق' هو المكسور الفوق.'أمرط' هو الذي سقط قذذه.'أغضف' وهو الغليظ الريش.'أصمع' وهو الرقيق.'ثجرٌ' وهي سهام غلاظ.'ثلثٌ' وهو سهم من ثلاثة، ومثله ثليثٌ وسبيع وسديس وخميس.'جباعٌ' وهو الذي بغير نصل.'جماع' سهم مدور الرأس يتعلم به الصبي الرمي.'حشرٌ' يقال: سهم حشرٌ، وسهام حشرٌ أي دقاق.'حابٍ' وهو الذي يزحف في الأرض ثم يصيب الهدف.'حابضٌ' وهو الذي يقع بين يدي راميه.'حظاءٌ' هي سهام صغار، والواحدة: حظوةٌ، وتجمع على حظوات، وتصغيرها: حظيات.'حسبانٌ' سهام صغار يرمى بها عن القسي الفارسية، والواحدة حسبانة.'خارقٌ' وهو السهم الذي يصيب القرطاس.'خشيبٌ' وهو حين يبرى البري الأول.'خلطٌ' وهو السهم الذي ينبت عوده على عوجٍ فلا يزال يتعوج وإن قوم.'دالفٌ' وهو الذي يصيب ما دون الغرض ثم ينبو عن موضعه، والجمع دلف.'دابرٌ' وهو الذي يخرج من الهدف.'رقميات' سهام تنسب إلى موضع بالمدينة.'زالجٌ' وهو الذي يتزلج من القوس أي يسرع، وكل سريع زالج.'زاحفٌ' وهو الذي يقع دون الغرض ثم يزحف إليه.'زمخرٌ' وهو النشاب واحدته زمخرة، ويقال: هو الطويل منه.'سهم سندريٌ' نوع من السهام منسوب إلى السندرة وهي شجرة.'سروة' سهم صغير، والجمع سراء.'شارفٌ' سهم طويل دقيق، وقيل الذي طال عهده.'شاخصٌ' أي جاز الغرض من أعلاه.'شارمٌ' وهو الذي يشرم جانب الغرض.'صادرٌ' هو النافذ.'صنيعٌ'.'عبرٌ' هو الموفور الريش.'عموجٌ' هو الذي يتلوى في ذهابه وهو الاعوجاج في السير.'عصلٌ' السهام المعوجة.'عفر'.'عائر' وهو السهم الذي لا يدرى من أين أقبل.'غربٌ' يقال: سهمٌ غربٌ، وهو الذي يأتي ولا يعلم المصاب به من أين يأتي.'فالجٌ' هو السهم الفائز.'قطع' هو السهم العريض.'قدحٌ' قبل أن يراش ويركب نصله.'قطبةٌ' سهم صغير يرمى به.'قطيعٌ' قبل أن يبرى حين يكون قضيباً، والجمع قطع.'قترةٌ' سهم صغير لا حديد فيه.'كتابٌ' سهم صغير مدور الرأس مثل 'جماح'.'كثاب' سهم صغير ؛ قال الشاعر:
رمت عن كثبٍ قلبي
ولم ترم بكثاب
'لأمٌ' وهو السهم.'معبرٌ' وهو السهم الموفور الريش.'منزعٌ' هو السهم مطلقاً، ويقال: المنزع: الذي يرمى أبعد ما يكون ؛ قال الأعشى:
فهو كالمنزع المريش من الشو
حط غالت به يمين المغالي
'مريشٌ' ذو الريش.'مخلقٌ' هو المصلح.'مصرادٌ' هو النافذ.'مقتعلٌ' هو الذي لم يبر برياً جيداً ؛ قال لبيد:
فرميت القوم رشقاً صائباً
ليس بالعصل ولا بالمقتعل
'مطحرٌ' هو البعيد الذهاب ؛ قال أبو ذؤيب:
فرمى فألحق صاعدياً مطحراً
بالكشح فاشتملت عليه الأضلع
'مرماةٌ' سهم صغير.'منجابٌ' هو الذي لا ريش عليه ولا نصل.'مغلقٌ' اسم لكل سهم.'مريخٌ' سهم طويل له أربع قدذٍ.'منجوفٌ' هو السهم العريض.'مراطٌ' التي تمرط ريشها.'مقزعٌ' الذي ريش بريش صغار.'مرتدعٌ' الذي إذا أصاب الهدف انفضح عوده.'معراضٌ' ذو ريش يمضي عرضاً، وقيل: سهم طويل له أربع قذذٍ دقاق فإذا رمي به اعترض.'متصمعٌ' هو المنضم الريش من الدم، وقيل: الملطخ بالدم.'مشقصٌ' سهم له نصل عريض.'معقصٌ' الذي ينكسر نصله ويبقى سنخه في السهم.'نكسٌ' هو الذي انكسر فوقه فجعل أسفله أعلاه.'نواقر' هي السهام التي تصيب.'نشاب'.'نجيفٌ' هو العريض النصل، والجمع نجف ؛ قال الهذلي:
نجفٌ بذلت لها خوافي ناهض
حشر القوادم كاللفاع الأطحل
'هزاع' هو الذي يبقى في الكنانة وحده مثل الأهزع.
أسماء النصل
فمنها: 'رهبٌ' وهو النصل الرقيق، والجمع رهاب.'رهيشٌ' مثله.'قطعٌ' هو النصل العريض، وجمعه أقطاع، وقيل: نصلٌ صغير، وقيل: السهم الصغير.'قطبة' نصل الهدف.'مرماة' هو النصل المدور.'معبلةٌ' نصلٌ طويل عريض، وقيل: حديدة مصفحة لا عير لها.'نضيٌّ' هو نصل السهم.'وقيعٌ' هو النصل المحدد ؛ قال عنترة:
وآخر منهم أجررت رمحي
وفي البجلي معبلةٌ وقيع
فهذه أسماء السهم والنصل.
وإذا أصاب السهم يقال:
'ارتز السهم' إذا ثبت في القرطاس.'أصاب'.'أقصد' إذا قتل مكانه ؛ قال أخطل:
فإن كنت قد أقصدتني إذ رميتني
بسهميك فالرامي يصيب ولا يدري
'بصر' إذا طلى رأسه بالبصيرة وهي الدم.'تاز' يقال: تاز السهم إذا أصاب الرمية فاهتز بها.'خزق' إذا أصاب.'خسق' مثله.'خصل' إذا وقع بلزق القرطاس، وقيل: الخصل الإصابة ؛ ويقال: تخاصل القوم إذا تراهنوا في الرمي، وأحرز فلان خصل فلان إذا غلب.'دبر' إذا خرج عن الهدف.'شظف' إذا دخل بين الجلد واللحم.'صرد' يقال: صرد السهم من الرمية إذا نفذ منها.'صاف' مثل 'ضاف' و'طاش' إذا لم يصب.'عصل' إذا التوى في الرمي.'عظعظ' إذا لم يقصد الرمية.'قحز' إذا وقع بين يدي الرامي.'مرق' إذا نفذ من الرمية.'نصل' إذا ثبت نصله في الشيء فلم يخرج.'نضا' بمعنى ذهب.'نفذ' أي من الرمية.
وأما ما يضاف إلى الرامي:
يقال: 'أذلق' عبارة عن سرعة الرمي.'أشخص' إذا مر سهمه برأس الغرض.'انتضل' يقال: انتضل القوم وتناضلوا إذا تراموا للسبق.'تيمم' إذا قصد نحو جهةٍ بالسهم.'تنعير' إذا أدار السهم على ظفره ليعرف قوامه من عوجه.'تنفيز' مثله.'رمى' معروف.'رشقٌ' إذا رمى القوم بأجمعهم في جهةٍ واحدة.'زلخ' الزلخ رفع اليد في السهم إلى أقصى ما يقدر عليه.'سعر' إذا رمى.'عقى' بالسهم إذا رمى به في الهواء وارتفع في طيرانه.'غلا' إذا رمى أقصى الغاية.'لعط' إذا رمى فأصاب.'لتأ' يقال: لتأ بالسهم إذا رمى به.'ناشبٌ' والناشب هو الرامي.'ندب' إذا رمى في جهة واحدة.'نجف' إذا برى السهم.
وأما أوعية السهام:
'جعبةٌ' وجمعها جعاب.'جفيرٌ' وهو أوسع من 'الكنانة'.'ظفرة' إذا كانت ممتلئة.'عيبةٌ' مثل جعبة.'قرنٌ'.'نثل' يقال: نثلت كنانتي إذا استخرجت ما فيها.
وأما ما وصف به القوس والسهم من النظم والنثر.
قال عتاب بن ورقاء:
وحط عن منكبه شريانةً
مما اصطفى باري القسي وانتقى
أم بناتٍ عدها صانعها
ستين في كتابه مما برى
ذات رءوسٍ كالمصابيح لها
أسافلٌ مثل عراقيب القطا
إن حركت حنت إلى أولادها
كحنة الواله من فقد الطلا
حتى إذا ما قرنت ببعضها
لانت ومال طرفاها وانثنى
وقالوا: أجود ما شبه به فوق السهم قول الشاعر:
أفواقها حشو الجفير كأنها
أفواه أفرخةٍ من النغران
ومن إنشاء المولى القاضي شهاب الدين محمود الحلبي الكاتب: خطبةٌ عملها الرامي نشاب، وهي:الحمد لله الذي جعل سهم الجهاد إلى مقاتل أعداء دينه مسددا، وحكم الجلاد بإصابة الغرض في سبيله مؤيدا، وسيف الاجتهاد في نكاية من كفر به وبرسوله على الأمد مجردا، وركن الإيمان بإعداد القوة وهي الرمي فيما ورد عن نبيه على كر الجديدين مجددا ؛ الذي أعاد رداء الجهاد في مواطن الصبر بالنصر معلماً، وأباد أهل الإلحاد بأن جعل لحماة دينه في أرواحهم أقساما وفي مقاتلهم أسهما، وأزال بأيدي القسي من معاقل أهل الكفر حكم كماتهم الذين ارتقوا منها خشية الموت سلما، وأفاء على الإسلام من النصر ما فاء به كل دينٍ له خاضعاً وآل إليه مستسلما، وأبان حكم الأدب في تجرد العبد من القوة إلا به بقوله عز من قائل: 'وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى'. نحمده على نعمه التي لم يزل بها قدح الدين فائزاً وسهمه مصيبا، ومننه التي ما برح بها جد الكفر مدبراً فلا يجد له في إصابة نصلٍ أو نصرٍ نصيبا، وآلائه التي لا تنفك بها سوام السهام ترد من وريد الشرك منهلاً عذباً وترود من حب القلوب مرعىً خصيبا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تدني النصر وإن بعد مداه، وتدمي النصل الذي على راميه إرساله إلى المقاتل وعلى الله هداه، وتسمي القدر لمن ناضل عليها فيفوز في الدنيا والآخرة بما قدمت يداه ؛ ونشهد أن محمداً عبده الذي نصر بالرعب على من كفر، ورسوله الذي رمى جيش الشرك بقبضةٍ من تراب فكان فيها الظفر، ونبيه الذي نفر إلى أهل بدرٍ بنفرٍ من أصحابه فجمع الله النصر والفخر لأولئك النفر ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين آمنوا بما أنزل عليه وجاهدوا بين يديهن واختصوا بالذب عنه بمزايا القرب حتى سعد سعدٌ بما جمع له، حين أمره بالرمي، في التفدية بين أبويه، وخص بعموم الرضوان عمه العباس الذي أقر الله بإسلامه ناظريهن وبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم باستخلاف بنيه في الأرض فيما أسر به إليه. وبعد، فإن الرمي أفضل ما أعد للعدا، وأكمل ما أفيض به على أهل الكفر رداء الردى ؛ وأبلغ ما يبعث إلى المقاتل من رسل المنون، وأنفع ما يقتضى به في الوغى من أعداء الدين الديون، وأسرع ما تبلغ به المقاصد فيما يرى قريباً وهو أبعد ما يكون ؛ وأنكى ما تقذف به عن الأهلة شهب الحتوف، وأسبق ما تدرك به الأغراض قبل أن تعرف بها الرماح أو تشعر بمكانها السيوف، ما طلع في سماء النقع قوسه إلا سح وبل النبل، ولا استبقت الآجال وسهمه إلا كان في بلوغها السبق من بعد والسبق من قبل. ومن شرف قدره الذي دل عليه كلام النبوة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على أنه المراد بقوله تعالى: 'وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ'. ومن أسباب فضله الذي أصبح به قدره ساميا، وفخره ناميا، وقطره في أفق النصر هاميا، ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم لفتيةٍ ممن أسلم من أسلم: 'ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا'. ومما عظمت به على الأمة المنة، وغدت فيه نفوس أرباب الجهاد بالفوز في الدنيا والآخرة مطمئنة، قوله صلى الله عليه وسلم: 'تعلموا الرمي فإنه ما بين الغرضين روضةٌ من رياض الجنة'زومن فضل الرمي الذي لا يعرف التأويل، ما نقل من قوله صلى الله عليه وسلم: 'من رمى بسهم في سبيل الله أخطأ أو أصاب فكأنما أعتق رقبةً من ولد إسماعيل'زومما يرفع قدر السهم ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: ' إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفرٍ الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير وراميه ومنبله'. ومما حضهم به على الرمي ليجتهدوا فيه ويدأبوا: قوله صلى الله عليه وسلم: 'ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا'. ومن خصائص السهم أنه ذو خطوة في الهواء وحكمٍ نافذٍ في الماء، وتصرفٍ حتى في الوحش السانح في الأرض والطير المحلق في السماء ؛ يكلم بلسانٍ من حديد، ويبطش عن باعٍ مديد ؛ إن رام غرضاً طار إليه بأجنحة النسور، وإن حمى معلما أصاب الحدق وصان الثغور ؛ يوجد بصره حيث فقد، وإذا انفصل عن أمه لم يسر من كبدٍ إلا إلى كبد ؛ أنجز فعله على ما فيه من إخلاف الطباع، وشرفت أجناسه بكونها أولى أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع. ومن خصائص القوس أنها عقيمٌ ذات بنين، صامتةٌ وهي ظاهرة الأنين ؛ لها كبدٌ وهي غير مجوفة، ويدٌ لا تملك شيئا وهي في الأرواح متصرفة ؛ ورجلٌ ما نقلت قدما، وقبضةٌ ما عرفت إثراءً ولا عدما ؛ فهي نونٌ ما ألف الماء، وهلالٌ ما سكن السماء، وقاتلةٌ ما باشرت الدماء. ولما كان أهل هذه الفضيلة يتفاوتون في مواهبها، ويتباينون في مذاهبها ؛ ويبلغ أحدهم بصنعته ما يبلغه الآخر بقواه، ويصل بإتقانه إلى ما لا يدركه من وجود التساوي سواه ؛ وكان فلان ممن له هذا الشأن الباع المديد والساعد الشديد، والإتقان الذي يتصرف به في الرمي كيف يشاء ويضع به السهم حيث يريد ؛ كأنما سهمه بذرع الفضاء موكل، أو للجمع بين طرفي الأرض مؤهل، أو لسبق البروق معدٌ إذا لمعت في حواشي السحاب المفوفة وخطرت في هداب الدمقس المفتل. وله المواقف التي تشق سهامه فيها الشعر، وتبلغ بها من الأغراض المتباعدة ما يشق إدراكه على النظر ؛ فمنها أنه لما كان في اليوم الفلاني فعل كذا وكذا. ووصف ما فعله. هذا شيء مما قيل في السلاح فلنذكر الجنن.