نهاية الأرب في فنون الأدب/ما قيل في الهجاء من النظم

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ما قيل في الهجاء من النظم

فمن ذلك قول جرير وهو أهجى بيت قالته العرب:

فغض الطرف إنك من نميرٍ

فلا كعباً بلغت ولا كلابا

ولو وضعت فقاح بني نميرٍ

على خبث الحديد إذاً لذابا

وقال عبد الملك بن مروان يوما لجلسائه: هل تعلمون أهل بيت قيل فيهم شعرٌ ودوا افتدوا منه بأموالهم، وشعرٌ لهم يسرهم به حمر النعم فقال أسماء بن خارجة: نحن يا أمير المؤمنين ! قال: وما قيل فيكم: قول الحارث بن ظالم

وما قومي بثعلبة بن سعد

ولا بفزارة الشعر الرقابا

فوالله يا أمير المؤمنين ! إني لألبس العمامة الصفيقة فيخيل إلي أن شعر قفاي قد بدا منها، وقول قيس بن الخطيم:

هممنا بالإقامة يوما سرنا

مسير حذيفة الخير بن بدر

فما يسرنا أن لنا بها أوبه حمر النعم، فقال هانيء بن قبيصة النميري: أولئك نحن يا أمير المؤمنين ! قال: ما قيل فيكم ؟ قال قول جرير:

فغض الطرف إنك من نميرٍ

والله لوددنا أننا افتدينا بأملاكنا، وقول زياد الأعجم:

لعمرك ما رماح بني نميرٍ

بطائشة الصدور ولا قصار

فوالله ما يسرنا به حمر النعم. قال العسكري وذكر أن جريرا لما قال:

والتغلبي إذا تنحنح للقرى

حك استه وتمثل الأمثالا

قال: قلت فيهم بيتا لو طعن أحدهم في استه لم يحكها ! وقالوا: مرت امرأة ببني نمير فتغامزوا إليها فقالت: يا بني نمير ! لم تعملوا بقول الله ولا بقول الشاعر، يقول الله تعالى: 'قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم'.ويقول الشاعر:

فغض الطرف إنك من نميرٍ

فخجلوا، وكان النميري إذا قيل له: ممن أنت ؟ قال: من نمير، فصار يقول: من بني عامر بن صعصعة. قال العسكري: ولو قيل إن أهجي بيت قالته العرب قول الفرزدق لم يبعد وهو:

ولو ترمي بلؤم بني كليبٍ

نجوم الليل ما وضحت لساري

ولو يرمي بلؤمهم نهار

لدنس لؤمهم وضح النهار

وما يغدو عزيز بني كليبٍ

ليطلب حاجةً إلا بجار

ومثله قول الآخر:

ولو أن عبد القيس ترمي بلؤمها

على الليل لم تبد النجوم لمن يسري

وقالوا: أهجي بيت قالته العرب قول الأعشى:

تبيتون في المشتا ملاءً بطونكم

وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا

وهذا البيت من أبيات ولها سبب نذكره الآن في هذا الموضع وإن كان خارجا عن مكانه وذلك: أن عامر بن الطفيل بن مالك وعلقمة بن علاثة تنازعا الزعامة فقال عامر: أنا أفضل منك ! وهي لعمي ولم يمت، وعمه عامر بن مالك بن جعفر ابن كلاب وكان قد أهتر وسقط، وقال علقمة: أنا أفضل منك ! أنا عفيف، وأنت عاهر، وأنا وفيٌ وأنت غادر، وأنا ولود وأنت عاقر، وأنا أدنى إلى ربيعة، فتداعيا إلى هرم بن قطنة، ليحكم بينهما فرحلا إليه ومع كل واحد منهما ثلثمائة من الإبل، مائة يطعمها من تبعه، ومائة يعطيه للحاكم، ومائة تعقر إذا حكم، فأبي هرم بن قطنة أن يحكم بينهما مخافة الشر وأبيا أن يرتحلا، فجلا هرم بعلقمة وقال له: أترجو أن ينفرك رجل من العرب على عامرٍ فارس مضر، أندى الناس كفاً، وأشجعهم لقاءً، لسنان رمح عامر أذكر في العرب من الأحوص، وعمه ملاعب الأسنة، وأمه كبشة بنت عروة الرحال، وجدته أم البنين بنت عمرو بن عامر فارس الضحياء، وأمك من النخع، وكانت أمه مهيرة، وأم علاثة أخيذة من النخع، ثم خلا بعامر فقال له: أعلى علقمة تفخر ؟ أنت تناوئه، أعلى بن عوف بن الأحوص، أعف بني عامر وأيمنهم نقيبة، وأحلمهم وأسودهم وأنت اعور عاقر مشئوم ! أما كان لك رأي يزعك عن هذا ! أكنت تظن أن أحدا من العرب ينفرك عليه ؟ فلما اجتمعا وحضر الناس للقضاء قال: أنتما كركبتي الجمل فتراجعا راضيين. قال العسكري: والصحيح أنه توارى عنهما ولم يقل شيئا فيهما ولو قال: أنتما كركبتي الجمل لقال كل واحد منهما: أنا اليمني، فكان الشر حاضرا، قال وسأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد ذلك بحين: لمن كنت حاكما لو حكمت ؟ فقال: أعفني يا أمير المؤمنين ! فلو قلتها لعادت جذعةً.فقال عمر: صدقت ! مثلك فليحكم. قال فارتحلوا عن هرم لما أعياهم نحو عكاظ فلقيهم الأعشى منحدرا من اليمن، وكان لما أرادها قال لعلقمة: اعقد لي حبلا، فقال: أعقد لك من بني عامر ! قال: لا يغني عني قال: فمن قيس ! قال: لا، قال: فما أنا بزائدك، فأتى عامر بن الطفيل فأجاره من أهل السماء والأرض فقيل له: كيف تجيره من أهل السماء ؟ قال: إن مات وديته، فقال الأعشى لعامر: أظهر أنكما حكمتماني ففعل، فقام الأعشى فرفع عقيرته أي صوته في الناس فقال:

حكمتموه فقضي بينكم

أبلج مثل القمر الزاهر

لا يأخذ الرشوة في حكمه

ولا يبالي خسر الخاسر

علقم لا لست إلى عامر ال

ناقض الأوتار والواتر

واللابس الخيل بخيلٍ إذا

ثار عجاج الكبة الثائر

إن تسدا الحوص فلم تعدهم

وعامرٌ ساد بني عامر

ساد وألفي رهطه سادةً

وكابراً سادوك عن كابر

قال وشد القوم في أعراض الإبل المائة فعقروها وقالوا: نفر عامر، وذهبت بها الغوغاء، وجهد علقمة أن يردها فلم يقدر على ذلك، فجعل يتهدد الأعشى فقال:

أتاني وعيد الحوص من آل عامر

فيا عبد عمرو لو نهيت الأحارصا

فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم

وبحرك ساجٍ لا يواري الدعامصا

كلا أبويكم كان فرعا دعامةٍ

ولكنهم زادوا وأصبحت ناقضا

تبيتون في المشتا ملاء بطونكم

وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا

يراقبن من جوع خلال مخافةٍ

نجوم العشاء العاتمات الغوامصا

رمى بك في أخراهم تركك الندى

وفضل أقواما عليك مراهصا

فعض حديد الأرض إن كنت ساخطا

بفيك وأحجار الكلاب الرواهصا

قال فبكى علقمة لما بلغه هذا الشعر وكان بكاؤه زيادة عليه في العار، والعرب تعير بالبكاء، قال مهلهل:

يبكي علينا ولا نبكي على أحد

ونحن أغلظ أكبادا من الإبل

وقال جرير:

بكى دوبلٌ لا يرقى الله دمعه

ألا إنما يبكي من الذل دوبل

قال عبد الملك بن مروان لأمية: مالك وللشاعرإذ يقول:

إذا هتف العصفور طار فؤاده

وليثٌ حديد الناب عند الشدائد

فقال: أصابه حد من حدود الله فأقمته عليه قال: فهلا درأته عنه بالشهبات ؟ قال: كان أهون علي من أن أعطل حدا من حدود الله فقال: يا بني أمية ! أحسابكم أحسابكم، أنسابكم أنسابكم، لا تعرضوا للفصحاء فإن الشعر مواسم لا يزيدها الليل والنهار إلا جدة، والله ما يسرني أني هجيت ببيت الأعشى حيث يقول: تبيتون في المشتا الخ ولي الدنيا بحذافيرها ولو أن رجلا خرج من عرض الدنيا كان قد أخذ عوضا لقول ابن حرثان:

على مكثريهم حق من يعتريهم

وعند المقلين السماحة والبذل

وهذا البيت لزهير:وقالوا أهجي ببيت قالته العرب قول الحطيئة في الزبرقان بن بدر:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

ولهذا الشعر حكاية نذكرها في أخبار الحطيئة في البخلاء، وقيل: اتفق جماعة من الشعراء على أن أهجي بيت قالته العرب، قول الفرزدق في جرير:

أنتم قرارة كل معدن سوءة

ولكل سائلة تسيل قرار

أخذه أبو تمام فقال:

وكانت زفرة ثم اطمأنت

كذاك لكل سائلة قرارٌ

وقالوا أهجي بيت قالته العرب قول الأخطل لجرير:

ما زال فينا الخيل معلمة

وفي كليبٍ رباط اللؤم والعار

قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم

قالوا لأمهم: بولي على النار

قالت بنو تميم: ما هجينا بشيء، هو أشد علينا من هذا البيت، وهو يتضمن وجوها شتًى من الذم: جعلهم بخلاء بالقرى، وجعل أمهم خادمهم، يأمرونها بكشف فرجها، وجعلهم يبخلون بالماء أن يطفئوا به النار، وجعل نارهم من قلتها تطفى ببولة، وأغرى بينهم وبين المجوس، لتعظيم المجوس النار، وإهانتهم لها إلى غير ذلك. وقالوا أهجى بيت قالته العرب قول الطرماح:

تميمٌ بطرق اللؤم أهدى من القطا

ولو سلكت طرق المكارم ضلت

وقيل أهجى بيت قالته العرب قول الأعرابي:

اللؤم أكرم من وبرٍ ووالده

واللؤم أكرم من وبر وما ولدا

قوم إذا ما جنى جانيهم أمنوا

من لؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا

وقال مسلم بن الوليد يهجو دعبل الخزاعي:

أما الهجاء فدق عرضك دونه

والمدح عنك كما علمت جليل

فاذهب فأنت طليق عرضك إنه

عرضٌ عززت به وأنت ذليل

وكان سبب ذلك أنه كان بخراسان عند الفضل بن سهل، فبلغ دعبل ما هو فيه من الحظوة عنده، فصار إلى مرو، وكتب إلى الفضل بن سهل:

لا تعبأن بابن الوليد فإنه

يرميك بعد ثلاثمة بملال

إن الملوك إذا تقادم عهده

كانت مودته كفىء ضلال

فدع الفضل الرقعة إلى مسلم، فلما قرأها قال: هل عرفت لقب دعبل وهو غلام أمرد يفسق به ؟ فقال: لا، قال: كان يلقب بمياس، وكتب إليه:

مياس قل لي

أين أنت من الورى

لا أنت معلوم ولا مجهول

أما الهجاء الخ، ومنه أخذ إبراهيم بن العباس فقال:

فكن كيف شئت وقل ما تشاء

وأبرق يمينا وأرعد شمالا

نجا بك لؤمك منجا الذباب

حمته مقاذيره أن ينالا

وأنشد الجاحظ:

ووثقت أنك لا تسب

حماك لؤمك أن تنالا

وقال الآخر:

بذلة والديك كسيت عزاً

وباللؤم اجترأت على الجواب

وقال آخر:

دناءة عرضك حصنٌ منيع

يقيك إذا ساء منك الصنيع

فقل لعدوك ما تشتهي

فأنت المنيع الرفيع الوضيع

وقال أبو نواس:

ما كان لو لم أهجه غالبٌ

قام له هجوي مقام الشرف

يقول: قد أسرف في هجونا

وإنما ساد بذاك السرف

غالب لا تسع لتبني العلا

بلغت مجدا بهجائي فقف

قد كنت مجهولا ولكنني

نوهت بالمجهول حتى عرف

وقال أبو هلال العسكري:

أهنت هجائني يا بن عروة فانتحي

على ملام الناس في البعد والقرب

وقالوا: أتهجو مثله في سقوطه

فقلت لهم جربت سيفي في كلب

وقال ابن لنكك:

وعصبةٍ لما توسطهم

صارت على الأرض كالخاتم

كأنهم من سوء أفهامهم

لم يخرجوا بعد إلى العالم

يضحك إبليس سرورا بهم

لأنهم عارٌ على آدم

وقالوا أهجي بيت قاله محدث قول الآخر:

قبحت مناظرهم فحين خبرتهم

حسنت مناظرهم لقبح المخبر

وقال العسكري: ولست أعرف في الهجاء أبلغ من قول الأول:

إن يفجروا أو يغدروا

أو يبخلوا لم يحفلوا

وغدوا عليك مرجلي

ن كأنهم لم يفعلوا

ومن البليغ قول حسان:

أبناء حار فلن تلقى لهم شبها

إلا التيوس على أكتافها الشعر

إن نافروا نفروا أو كاثروا كثروا

أوقامر والربح عن أحسابهم قمروا

كأن ريحهم في الناس إن خرجوا

ريح الكلاب إذا ما مسها المطر

وقال أيضا:

أبوك أبو سوء وخالك مثله

ولست بخيرٍ من أبيك وخالكا

وإن أحق الناس أن لا تلومه

على اللؤم من ألفى أباه كذلكا

وقال الآخر:

سل الله ذا المن من فضله

ولا تسألن أبا واثله

فما سأل الله عبدٌ له

فخاب ولو كان من باهله

وقال آخر:

ولو قيل للكلب: يا باهلي

لأعول من قبح هذا النسب

وقال زياد: ما هجيت ببيتٍ قط أشد علي من قول الشاعر:

فكر ففي ذاك إن فكرت معتبر

هل نلت مكرمةٍ إلا بتأمير

عاشت سمية ما عاشت وما علمت

أن ابنها من قريش في الجماهير

وقال إبراهيم بن العباس:

ولما رأيتك لا فاسقا

تهاب ولا أنت بالزاهد

وليس عدوك بالمتقي

وليس صديقك بالحامد

أتيت بك السوق سوق الهوان

فناديت هل فيك من زائد

على رجلٍ غادر بالصديق

كفورٍ لنعمائه جاحد

فما جاءني رجلٌ واحد

يزيد على درهم واحد

سوى رجلٍ حان منه الشقاء

وحلت به دعوة الوالد

فبعتك منه بلا شاهدٍ

مخافة ردك بالشاهد

وأبت إلى منزلي سالما

وحل البلاء على الناقد

وقال العسكري:

إن كان شكلك غير متفقٍ

فكذا خلالك غير مؤتلفه

صورت من نطفٍ قد اختلفت

فأتت خلالك وهي مختلفه

من عصبةٍ شتى إذا اجتمعوا

شبهت داركم بهم عرفه

فورثت من ذا قبح منظره

وورثت ذاك خناه أو صلفه

وقال الحسن بن مطران شاعر اليتيمة:

كم غصت في مدحك فكرا على

در نفيس غير مثقوب

ولم يغص رأيك يوما على

برى ولا أريٌ لمكذوب

إن كان موعودك في الجود لي

أكذب من موعود عرقوب

فإن أخبارك في مدحتي

أكذب من ذئب ابن يعقوب

وقال أحمد بن محمد بن حامد شاعر الخريدة:

بليت بقومٍ ما لهم في العلايدٌ

ولا قدمٌ تسعى لبذل الصنائع

إذا نظرت عيني إليهم تنجست

برؤيتهم طهرتها بالمدامع

وقال المتنبي:

إن أوحشتك المعالي

فإنها دار غربه

أو آنستك المخازي

فإنها بك أشبه

وقال أبو عبد الله الحسن بن محمد بن الحجاج:

ولقد عهدتك تشتهي

قربي وتستدعي حضوري

وأرى الجفا بعد الوفا

مثل الفسا بعد البخور

يا خرية العدس الصح

يح النيىء والخبز الفطير

في جوف منحل الطبي

عة والقوى شيخٍ كبير

يخرى فيخرج سرمه

شبرين من وجع الزحير

يا فسوةً بعد العشا

بالبيض واللبن الكثير

وفطائرٍ عجنت بلا ال

ملح الجريش ولا الخمير

يا نتن رائحة الطبي

خ إذا تغير في القدور

يا عش بيض القمل ف

رخ في السوالف والشعور

يا بول صبيان الفطا

م ويا خراهم في الحجور

يا بعض تدخين الحشا

في الصوم من تخم السحور

يا حر قولنج البطو

ن وبرد أعصاب الظهور

يا ذلة المظلوم أص

بح وهو معدوم النصير

يا سوء عاقبة التف

قد عند تشبيه الأمور

يا كل شيء متعبٍ

متعقدٍ صعبٍ عسير

يا حيرة الشيخ الأص

م وحسرة الحدث الضرير

يا قعدةً في دجلة

والريح تلعب بالجسور

يا قرحة السل التي

هدت شراسيف الصدور

يا أربعاء لا تدو

ربه مخافات الشهور

يا هدة الحيطان تن

قض بالمعاول والمرور

يا قرحةً في ناظرٍ

غلظوا عليها بالذرور

فتسلخت مع ما يلي

ها في الجفون من البثور

يا خيبة الأمل الذي

أمسى يعلل بالغرور

يا غلمة المتخدرا

ت وراء أبواب القصور

يا وحشة الموتى إذا

صاروا إلى ظلم القبور

يا ضجرة المحموم بال

غدوات من ماء الشعير

يا شؤم إقبال الشتا

ء أضر بالشيخ الفقير

يا دولة الحسن التي

خسفت بأيام السرور

يا ضجة الضجر المص

دع بالتنازع والشرور

يا عثرة القلم المرش

ش بين أثناء السطور

يا ليلة العريان غ

ب عشية اليوم المطير

يا نومةً في شمس آ

ب على التراب بلا حصير

يا فجأة المكروه في ال

يوم العبوس القمطرير

يا نهمة الكلب الرضي

ع ونكهة الليث الهصور

يا عيش عان موثقٍ

في القيد مغلولٍ أسير

يا حدة الرمد الذي

لا يستفيق من القطور

يا عيشة الكناس من

شم الذرائر والعبير

يا حيرة العطشان وق

ت الظهر في وسط الهبير

من لي بأن تلقاك خي

ل بني كلاب بلاخفير

وأرى بعيني لحمك المطب

وخ في حر الهجير

في الأرض ما بين السبا

ع وفي السما بين النسور

وقال المتنبي:

يمشي بأربعة على أعقابه

تحت العلوج ومن وراء يلجم

وجفونه ما تستقر كأنها

مطروفةٌ أوفت فيها حصرم

وتراه أصغر ما تراه ناطقا

ويكون أكذب ما يكون ويقسم

وإذا أشار مكلما فكأنه

قردٌ يقهقه أو عجوزٌ تلطم

يقلى مفارقة الأكف قذاله

حتى يكاد على يدٍ يتعمم

ومما يذم به الرجل أن يكون ثقيلا، فأبلغ ما قيل في ذلك قول بعضهم:

وثقيل أشد من غصص المو

ت ومن زفرة العذاب الأليم

لو عصت ربها الجحيم لما كا

ن سواه عقوبةً للجحيم

وأبلغ ما قيل في هذا المعنى قول بشار:

ولقد قلت حيت وتد في الأر

ض ثقيلٌ ارتبي على ثهلان

كيف لم تحمل الأمانة أرضٌ

حملت فوقها أبا سفيان

ومما هجى به أهل الوقت على الإطلاق.فمن ذلك قول أبي هلال العسكري:

كم حاجةٍ أنزلتها

بكريم قومٍ أو لئيم

فإذا الكريم من اللئي

م أو اللئيم من الكريم

سبحان رب قادرٍ

قد البرية من أديم

فشريفهم ووضيعهم

سيان في سفهٍ ولوم

قد قل خير غنيهم

فغنيهم مثل العديم

وإذا اختبرت حميدهم

ألفيته مثل الذميم

ومما قيل في هجاء بعض العشيرة ومدح بعضهم، فمن ذلك قول أبي عيينة ليهجو خالد بن يزيد المهلبي ويمدح أباه:

أبوك لنا غيثٌ نعيش بفضله

وأنت جرادٌ ليس يبقى ولا يذر

له أثرٌ في المكرمات يسرنا

وأنت تعفي دائبا ذلك الأثر

لقد قنعت قحطان خزياً بخالدٍ

فهل لك فيه يخزك الله يا مضر

وله في قبيصة بن روح، يفضل عليه ابن عمه داود بن يزيد بن حاتم

أقبيص لست وإن جهدت ببالغ

سعى ابن عمك ذى الندى داود

شتان بينك يا قبيص وبينه

إن المذمم ليس كالمحمود

داود محمودٌ وأنت مذممٌ

عجباً لذاك وأنتما من عود

ولرب عودٍ قد يشق لمسجدٍ

نصفاً وسائره لحش يهودي

وقال حسان في أبي سفيان بن الحارث:

أبوك أبٌ حرٌ وأمك حرةٌ

وقد يلد الحران غير نجيب

فلا تعجبن الناس منك ومنهما

فما خبثٌ منفضةٍ بعجيب

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي