نهاية الأرب في فنون الأدب/يوم ذي قار

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

يوم ذي قار

قال أبو عبيدة: هو يوم الحنو، ويوم قراقر، ويوم الجبابات، ويوم ذات العجرم، ويوم بطحاء ذي قار، وكلها حول ذي قار. قال أبو عبيدة: لم يكن هانئ بن مسعود المستودع حلقة النعمان، وإنما هو ابن ابنه، واسمه هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود، لأن وقعة ذي قار كانت وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وخبر أصحابه بها فقال: اليوم أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا. ولما قتل النعمان كتب كسرى إلى إياس بن قبيصة يأمره أن يضم ما كان للنعمان، فأبى هانئ بن قبيصة أن يسلم ذلك إليه، فغضب كسرى وأراد استئصال بكر بن وائل، فقدم عليه النعمان بن زرعة التغلبي فقال: يا خير الملوك، ألا أدلك على غرة بكر بن وائل، قال نعم، قال: أقرها واظهر الإضراب عنها حتى يجليها القيظ ويدنيها منك، فأقرهم، حتى إذا قاظوا نزلت بكر حنو ذي قار، فأرسل إليهم كسرى النعمان بن زرعة يخيرهم بين ثلاث خصال: إما أن يسلموا الحلقة، وإما أن يعروا الديار، وإما أن يأذنوا بحرب.فتنازعت بكر بينها، فهم هانئ بن قبيصة بركوب الفلاة، وأشار به على بكر وقال: لا طاقة لكم لجموع الملك، فلم تر من هانئ سقطة قبلها. وقال حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي: لاأرى غير القتال فإن إن ركبنا الفلاة لمتنا عطشاً، وإن أعطينا بأيدينا نقتل مقائتنا وتسبى ذرارينا، فراسلت بكر عنها وتوافت بذي قار، ولم يشهدها أحد من بني حنيفة، ورؤساء بكر يومئذ ثلاثة نفر: هانئ بن قبيصة الشيباني، ويزيد بن مسهر الشيباني، وحنظلة بن ثعلبة العجلي. فقال حنظلة بن ثعلبة لهانئ بن قبيصة: يا أبا أمامة.إن ذمتكم ذمتنا عامة، وإنه لن يوصل إليك حتى تفنى أرواحنا، فاخرج هذه الحلقة ففرقها بين قومك، فإن تظفر فسترد عليك، وإن تهلك فأهون مفقود، ففرقها فيهم.وقال للنعمان: لولا أنك رسول ما أبت إلى قومك سالماً. قال: فعقد كسرى للنعمان بن زرعة على تغلب والنمر.وعقد لخالد بن يزيد البهراني على قضاعة وغياد.وعقد لإياس بن قبيصة على جميع العرب، ومعه كتيبتاه: الشهباء ودوسر.وعقد للهامرز التستري على ألف من الأساورة، وكتب إلى قيس بن مسعود بن خالد ذي الجدين - وكان عامله على طف سفوان - يامره أن يوافي إياس بن قبيصة، فسار إليه. وسار إياس بمن معه من الجند وغيرهم، فلما دنوا من بكر أقبل قيس بن مسعود إلى قومه ليلاً، فأمرهم بالصبر ثم رجع. فلما التقى الزحفان وتقرب القوم، قام حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي فقال: يا معشر بكر، إن نشاب الأعاجم يفرقكم، فعاجلوهم إلى اللقاء وابدءوهم بالشدة، وقال هانئ بن مسعود: ياقوم، مهلك مقدور، خير من منجي مغرور. إن الجزع لا يرد القدر، وإن الصبر من أسباب الظفر، المنية خير من الدنية، واستقبال المنية خير من استدبارها، فالجد الجد، فما من الموت بد. ثم قام حنظلة بن ثعلبة فقطع وضن النساء فسقطن إلى الأرض وقال: ليقاتل كل رجل عن حليلته، فسمى مقطع الوضن. قال: وقطع يومئذ سبعمائة من بني شيبان أيدي أقبيتهم من مناكبها لتخف أيديهم لضرب السيوف فتجالد القوم، وقتل يزيد بن حارثة اليشكري الهامرز مبارزة، ثم قتل يزيد بعد ذلك.فضرب الله وجوه الفرس فانهزموا، واتبعتهم بكر حتى دخلوا السواد في طلبهم، وأسر النعمان بن زرعة التغلبي.ونجا إياس بن قبيصة على فرسه الحمامة، فكان أول من انصرف إلى كسرى بالهزيمة هو.وكان لا يأتيه أحد بهزيمة جيش إلا نزع كتفيه.فلما أتاه إياس بن قبيصة سأله عن الجيش فقال: هزمنا بكر بن وائل وأتيناك ببناتهم.فأعجب ذلك كسرى وأمر له بكسوة، ثم استأذنه إياس فقال: أخي قيس بن قبيصة مريض بعين التمر، فأردت أن آتيه، فأذن له. ثم أتى كسرى رجل من أهل الحيرة وهو بالخورنق فسال: هل دخل على الملك أحد ؟ فقال: إياس، فظن أنه قد حدثه الخبر، فدخل عليه وأخبره بهزيمة القوم وقتلهم، فأمر به فنزعت كتفاه.وقد أكثرت الشعراء في .فمن ذلك ما قاله أعشى بكر من قصيدة له:

لو أن كل معد كان شاركنا

في ما أخطاهم الشرف

لما أمالوا إلى النشاب أيديهم

ملنا يبيض لمثل الهام تختطف

يطارق وبنو ملك مرازية

من لأعاجم في آذانها النطف

كأنما الآل في حافات جمعهم

والبيض برق بدا في عارض يكف

ما في الخدود صدود عن سيوفهم

ولا عن الطعن في اللبات منحرف

وقال الأعشى يلوم قيساً من أبيات:

أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد

وأنت امرؤ ترجو شبابك وائل

رحلت ولم تنظر وأنت عميدهم

فلا يبلغني عنك ما أنت فاعل

فعريت من أهل ومال جمعته

كما عريت مما تعر المغازل

شفى النفس قتلي لم توسد خدودها

وساداً ولم تعضض عليها الأنامل

لعلك يوم الحنو إذ صبحتهم

كتائب لم تعصك بهن العواذل

قال: ولما بلغ كسرى خبر قيس بن مسعود بما فعل مع قومه حبسه حتى مات في حبسه، ففيه قال الأعشى:

وعريت من أهل ومال جمعته

^

القسم الخامس من الفن الخامس

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي