نهج البلاغة/ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم

ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم - نهج البلاغة

ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم

ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون. ولا يحصى نعماءه العادّون. ولا يؤدّى حقّه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن. الذي ليس لصفته حدٌّ محدود ولا نعت موجود. ولا وقت معدود ولا أجل ممدود. فطر الخلائق بقدرته. ونشر الرياح برحمته. ووتّد بالصخور ميدان أرضه. أوّل الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به. وكمال التصديق به توحيده. وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفيُ الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة. فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه. ومن قرنه فقد ثنّاه ومن تنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله. ومن جهله فقد أشار إليه. ومن أشار إليه فقد حدّه. ومن حدّه فقد عدّه. ومن قال فيم فقد ضمّنه. ومن قال علام فقد أخلى منه. كائن لا عن حدث موجود لا عن عدم. مع كلّ شئ لا بمقارنة. وغير كل شئ لا بمزايلة. فاعل لا بمعنى الحركات والآلة. بصير إذ لا منظور إليه من خلقه. متوحد إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده. أنشأ الخلق إنشاء. وابتدأه ابتداء. بلا رويّة أجالها. ولا تجربة استفادها. ولا حركة أحدثها. ولا همامة نفس اضطرب فيها. أحال الأشياء لأوقاتها. ولأم بين مختلفاتها. وغرّز غرائزها وألزمها أشباحها عالماً بها قبل ابتدائها محيطاً بحدودها وانتهائها. عارفاً بقرائنها وأحنائها. ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء وشقّ الأرجاء وسكائك الهواء. فأجرى فيها ماء متلاطماً تيّاره، متراً كماً زخّاره. حمله على متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة. فأمرها بردّه، وسلطها على شدّه، وقرنها إلى حدّه. الهواء من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق. ثم أنشأ سبحانه ريحاً اعتقم مهبّها وأدام مربّها. وأعصف مجراها، وأبعد منشاها. فأمرها بتصفيق الماء الزخّار، وإثارة موج البحار. فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء. ترد أوّله إلى آخره، وساجيه إلى مائره. حتى عبّ عبابه، ورمى بالزبد ركامه فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق. فسوّى منه سبع سموات جعل سفلاهنّ موجاً مكفوفاً وعلياهنّ سقفاً محفوظاً. وسمكاً مرفوعاً. بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينظمها. ثم زيّنها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب. وأجرى فيها سراجاً مستطيراً، وقمراً منيراً. في فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم مائر ثمّ فتق ما بين السموات العلا. فملأهنّ أطواراً من ملائكته منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافّون لا يتزايلون ومسبّحون لا يسأمون. لا يغشاهم نوم العين. ولا سهو العقول. ولا فترة الأبدان. ولا غفلة النسيان. ومنهم أمناء على وحيه، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره. ومنهم الحفظة لعباده والسدنة لأبواب جنانه. ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناكسة دونه أبصارهم. متلفّعون تحته بأجنحتهم. مضروبة بينهم وبين من دونهم العزة وأستار القدرة. لا يتوهّمون ربّهم بالتصوير. ولا يجرون عليه صفات المصنوعين. ولا يحدّونه بالأماكن. ولا يشيرون إليه بالنظائر.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي