نهج البلاغة/باب المختار من كتبه ورسائله

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

باب المختار من كتبه ورسائله

باب المختار من كتبه ورسائله - نهج البلاغة

باب المختار من كتبه ورسائله

من كتب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ورسائله إلى أعدائه وأمراء بلاده. ويدخل في ذلك ما اختبر من عهوده إلى عماله ووصاياه لأهله وأصحابه وإن كان كلُّ كلامه رضي الله عنه مختاراً.

ومن كتابٍ له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيرته من المدينة إلى البصرة:من عبد الله عليٍّ أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار. وسنام العرب. أما بعد فغنِّي أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه إنَّ الناس طعنوا عليه، فكنت رجلاً من المهاجرين أكثر استعتابه وأقلُّ عتابه، وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف، وأرفق حدائما العنيف، وكان من عائشة فيه فلتة غضبٍ فأتيح له قومٌ فقتلوه. وبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين بل طائعين مخيَّرين. واعلموا أنَّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها، وجاشت جيش المرجل وقامت الفتنة على القطب، فأسرعوا إلى أميركم وبادروا جهاد عدوِّكم إن شاء الله. ومن كتابٍ له عليه السلام إليهم بعد فتح البصرةوجزاكم الله من أهل مصر عن أهل بيت نبيِّكم أحسن ما يجزي العاملين بطاعته والشاكرين لنعمته، فقد سمعتم وأطعتم، ودعيتم فأجبتم. ومن كتابٍ له عليه السلام كتبه لشريح بن الحارث قاضيه:روِيَ أنَ شريح بن الحارث قاضي أمير المؤمنين عليه السلام اشترى على عهده داراً بثمانين ديناراً فبلغه ذلك فاستدعاه وقال له: بلغني أنَّك ابتعت داراً بثمانين ديناراً وكتبت كتاباً وأشهدت فيه شهوداُ، فقال شريحٌ: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين. قال فنظر إليه نظر مغضِبٍ ثمَّ قال له: يا شريح أما إنَّه سيأتيك من لا ينظر في كتابك، ولا يسألك عن بيِّنتك حتى يخرجك منها شاخصاً، ويسلمك إلى قبرك خالصاً. فانظر يا شريح لا تكون منها ابتعت هذه الدار من غير مالك، أو نقدت الثمن من غير حلالك فإذا أنت قد خسرت دار الدنيا ودار الآخرة. أما إنَّك لو أتيتني عند شرائك ما اشتريت لكتبت لك كتاباً على هذه النسخة فلم ترغب في شراء هذه الدار بدرهم فما فوق. والنسخة: ' هذا ما اشترى عبدٌ ذليلٌ من عبدٍ قد أُزعج للرحيل، اشترى منه داراً من دار الغرور من جانب الفانين، وخطَّة الهالكين، ويجمع هذه الدار حدود أربعةٌ: الحدُّ الأوَّل ينتهي إلى دواعي الآفات، والحدُّ الثاني ينتهي إلى دواعي المصيبات، والحدُّ الثالث ينتهي إلى الهوى المردي، والحدُّ الرابع إلى الشيطان المغوي، وفيه يشرع باب هذه الدار. اشترى هذا المغترُّ بالأمل من هذا المزعج بالأجل هذه الدار بالخروج من عِزِّ القناعة والدخول في ذلِّ الطلب والضراعة، فما أدرك هذا المشتري فيما اشترى من دركٍ فعلى مبلبل أجسام الملوك، وسالب نفوس الجبابرة، ومزيل ملك الفراعنة، مثل كسرى وقيصر، وتبَّع وحمير، ومن جمع المال على المال فأكثر، وبنى وشيَّد وزخرف، ونجَّد وادَّخر، واعتقد ونظر بزعمه للولد - إشخاصهم جميعاً إلى موقف العرض والحساب، وموضع الثواب والعقاب. إذا وقع الأمر بفصل القضاء ' وخسر هنالك المبطلون ' شهد على ذلك العقل إذا خرج من اسر الهوى وسلم من علائق الدنيا '. ومن كتابٍ له عليه السلام إلى بعض أمراء جيشه:فإن عادوا إلى ظلِّ الطاعة فذاك الذي نحبُّ، وإن توافت الأمور بالقوم إلى الشقاق والعصيان فانهد بمن أطاعك إلى من عصاك، واستعن بمن انقاد معك عمَّن تقاعس عنك فإنَّ المتكاره مغيبه خير من شهوده، وقعوده أغنى من نهوضه. ومن كتابٍ له عليه السلام إلى الأشعث بن قيسٍ عامل أذربيجانوإنَّ عملك ليس لك بطعمةٍ ولكنه في عنقك أمانةٌ، وأنت مسترعى لمن فوقك. ليس لك أن تفتات في رعيةٍ ولا تخاطر إلا بوثيقةٍ، وفي يديك مالٌ من مال الله عزَّ وجلَّ وأنت من خزَّانه حتى تسلمه إليَّ، ولعلِّي أن أكون شرَّ ولاتك لك والسلام. ومن كتابٍ له عليه السلام إلى معاوية:إنَّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكرٍ وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يردَّ، وإنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجلٍ وسمَّوه إماماً كان ذلك لله رضي، فإن خرج من أمرهم خارج بطعنٍ أو بدعةٍ ردُّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على إتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولَّى. ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنِّي أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمنَّ أني كنت في عزلةٍ عنه إلا أن تتجنَّى فقل ما بدالك والسلام. ومن كتابٍ له عليه السلام إليه أيضاً:أمَّا بعد فقد أتتني منك موعظةٌ موصَّلةٌ، ورسالةٌ محيِّرةٌ نمَّقتها بضلالك، وأمضيتها بسوء رأيك، وكتاب امرئٍ ليس له بصرٌ يهديه ولا قائدٌ يرشده، قد دعاه الهوى فأجابه، وقاده الضلال فاتَّبعه فهجر لاغطاً وضلَّ خابص. منه لأنَّها بيعةٌ واحدةٌ لا يثنَّى فيها النظر ولا يستأنف فيها الخيار. الخراج منها طاعنٌ، والمروِّي فيها مداهنٌ. ومن كتابٍ له عليه السلام إلى جرير بن عبد الله البجلي لما أرسله إلى معاويةأمَّا بعد فإذا أتاك كتابي فاحمل معاوية على الفصل، وخذه بالأمر الجزم، ثمَّ خيِّره بين حربٍ مجليةٍ أو سلمٍ مخزيةٍ، فإن اختار الحرب فانبذ إليه، وإن اختار السلم فخذ ببعته والسلام. ومن كتابٍ له عليه السلام إلى معاوية:فأراد قومنا قتل نبيِّنا واجتياح أصلنا، وهمُّوا بنا الهموم وفعلوا بنا الأفاعيل، ومنعونا العذب، وأحلسونا الخوف، واضطرُّونا إلى جبلٍ وعرٍ، وأوقدوا لنا نار الحرب، فعزم الله لنا على الذبِّ عن حوزته، والرمي من وراء حرمته. مؤمننا يبغي بذلك الأجر، وكافرنا يحامي عن الأصل. ومن أسلم من قريشٍ خلوٌ ممَّا نحن فيه بحلفٍ يمنعه أو عشيرةٍ تقوم دونه، فهو من القتل بمكان أمنٍ. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا احمرَّ البأس وأحجم الناس قدَّم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حرَّ السيوف والأسنة. فقُتِل عبيدة بن الحارث يوم بدرٍ، وقُتِل حمزةٌ يوم أحدٍ، وقُتِل جعفرٌ يوم مؤتة. وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة، ولكن آجالهم عُجِّلت ومنيته أجِّلت. فيا عجباً للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي، ولم تكن له كسابقتي التي لا يدلي أحدٌ بمثلها إلا أن يدعي مدَّعٍ ما لا أعرف، ولا ظنَّ الله يعرفه والحمد لله على كلِّ حالٍ. وأمَّا ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك فإنّي نظرت في هذا الأمر فلم أره يسعني دفعهم إليك ولا إلى غيرك، ولعمري لئن لم تنزع عن غيِّك وشقاقك لتعرفنَّهم عن قليل يطلبونك، لا يكلفونك طلبهم في برٍ ولا بحرٍ ولا جبلٍ ولا سهلٍ، إلا أنَّه طلبٌ يسوءك وجدانه، وزورٌ لا يسرك لقيانه والسلام لأهله. ومن كتابٍ له عليه السلام إليه أيضاً:وكيف أنت صانعٌ إذا تكشَّفت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا قد تبهَّجت بزينتها وخدعت بلذتها دعتك فأجبتها، وقادتك فاتّبعتها، وأمرتك فأطعتها. وإنَّه يوشك أن يقفك واقفٌ على ما لا ينجيك منه مجنٌّ. فاقعس عن هذا الأمر، وخذ أهبة الحساب، وشمِّر لما قد نزل بك، ولا تمكن الغواة من سمعك، وإلا تفعل أعلمك أغفلت من نفسك، فإنَّك مترفٌ قد أخذ الشيطان منك مأخذه وبلغ فيك أمله، وجرى منك مجرى الروح والدم. ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعية وولاة أمر الأمة بغير قدمٍ سابقٍ ولا شرفٍ باسقٍ، ونعوذ بالله من لزوم سوابق الشقاء وأحذرك أن تكون متمادياً في غرَّة الأمنية مختلف العلانية والسريرة. وقد دعوت إلى الحرب فدع الناس جانباً واخرج إليَّ وأعف الفريقين من القتال ليعلم أيُّنا المرين على قلبه والمغطى على بصره. فأنا أبو حسنٍ قاتل جدك وخالك وأخيك شدخاً يوم بدرٍ، وذلك السيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوي، ما استبدلت ديناً، ولا استحدثت نبياً. وإنَّي لعلى المنهاج الذي تركتموه طائعين ودخلتم فيه مكرهين. وزعمت أنَّك جئت ثائراً بعثمان. ولقد علمت حيث وقع دم عثمان فاطلبه من هناك إن كنت طالباً، فكأني قد رأيتك تضجُّ من الحرب إذا عضَّتك ضجيج الجمال بالأثقال وكأنَّي بجماعتك تدعوني - جزعاً من الضرب المتتابع والقضاء الواقع ومصارع بعد مصارع - إلى كتاب الله، وهي كافرةٌ جاحدةٌ، أو مبايعةٌ حائدةٌ.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي