نهج البلاغة/صفة خلق آدم

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

صفة خلق آدم

صفة خلق آدم - نهج البلاغة

صفة خلق آدم

عليه السلام

ثمّ جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها تربة سنّها بالماء حتى خلصت. ولاطها بالبلّة حتى لزبت. فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول وأعضاء وفصول. أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى صلصلت. لوقت معدود. وأمد معلوم. ثمّ نفخ فيها من روحه فمثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها. وفكر يتصرّف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلّبها. ومعرفة يفرق بها بين الحقّ والباطل والأذواق والمشامِّ والألوان والأجناس. معجوناً بطينة الألوان المختلفة، والأشباه المؤتلفة. والأضداد المتعادية والأخلاط المتباينة. من الحرِّ والبرد. والبلّة والجمود. واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم وعهد وصيّته إليهم. في الإذعان بالسجودله والخشوع لتكرمته. فقال سبحانه اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس اعترته الحميّة وغلبت عليه الشقوة وتعزّز بخلقة النار واستهون خلق الصلصال، فأعطاه الله النظرة استحقاقاً للسخطة واستتماما للبليّة. وإنجازاً للعدة. فقال إنّك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم. ثم أسكن سبحانه آدم دارا أرغد فيها عيشته، وآمن فيها محلّته، وحذّره إبليس وعداوته. فاغترّه عدوّه نفاسة عليه بدار المقام ومرافقة الأبرار. فباع اليقين بشكّه والعزيمة بوهنه. واستبدل بالجذل وجلاً. وبالاغترار ندماً. ثمّ بسط الله سبحانه له في توبته. ولقّاه كلمة رحمته، ووعده المرّد إلى جنّته. وأهبطه إلى دار البليّة، وتناسل الذرّيّة. واصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحى ميثاقهم، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم لمّا بدّل أكثر خلقه عهد الله إليهم فجهلوا حقّه، واتخّذوا الأنداد معه. واجتالتهم الشياطين عن معرفته، واقتطعتهم عن عبادته. فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته. ويذكّروهم منسيَّ نعمته. ويحتجّوا عليهم بالتبليغ. ويثيروا لهم دفائن العقول ويروهم الآيات المقدّرة من سقف فوقهم مرفوع، ومهاد تحتهم موضوع. ومعايش تحييهم وآجال تفنيهم. وأوصابٍ تهرمهم. وأحداث تتابع عليهم. ولم يخل سبحانه خلقه من نبيّ مرسل، أو كتاب منزل. أو حجّة لازمة، أو محجّةٍ قائمةٍ. رسل لا تقصِّر بهم قلّة عددهم. ولا كثرة المكذِّبين لهم. من سابق سمِّي له من بعده، أو غابر عرَّفه من قبله. على ذلك نسلت القرون. ومضت الدهور. وسلفت الآباء. وخلفت الأبناء. إلى أن بعث الله سبحانه محمّداً رسول الله صلى الله عليه وآله لإنجاز عدته، وتمام نبوّته. مأخوذاً على النبيّين ميثاقه، مشهورةً سماته، كريماً ميلاده. وأهل الأرض يومئذٍ ملل متفرّقةٌ. وأهواءٌ منتشرةٌ. وطوائف متشتتةٌ. بين مشبّه لله بخلقه أو ملحدٍ في اسمه أو مشيرٍ إلى غيره. فهداهم به من الضلالة. وأنقذهم بمكانه من الجهالة. ثمّ اختار سبحانه لمحمّد صلّى الله عليه وآله لقاءه. ورضى له ما عنده وأكرمه عن دار الدنيا ورغب به عن مقارنة البلوى. فقبضه إليه كريماً صلّى الله عليه وآله، وخلّف فيكم ما خلّفت الأنبياء في أممها إذ لم يتركوهم هملاً. بغير طريقٍ واضحٍ. ولا علمٍ قائمٍ: كتاب ربّكم فيكم مبيّناً حلاله وحرامه وفرائضه وفضائله وناسخه ومنسوخه. ورخصه وعرائمه. وخاصّه وعامّه. وعبره وأمثاله. ومرسله ومحدوده. ومحكمه ومتشابهه. مفسّراً مجمله ومبيّناً غوامضه. بين مأخوذ ميثاقٍ في علمه وموسّعٍ على العباد في جهله. وبين مثبتٍ في الكتاب فرضه، ومعلوم في السنّة نسخه، وواجب في السنّة أخذه، ومرخّص في الكتاب تركه. وبين واجب بوقته. وزائل في مستقبله. ومباينٌ بين محارمه من كبيرٍ أو عد عليه نيرانه. أو صغيرٍ أرصد له غفرانه. وبين مقبولٍ في أدناه موسّعٍ في أقصاه. منها ذكر الحج وفرض عليكم حجّ بيته الحرام الذي جعله قبلة للأنام يردونه ورود الأنعام ويألهون إليه ولوه الحمام جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته وإذعانهم لعزّته. واختار من خلقه سماعاً أجابوا إليه دعوته. وصدّقوا كلمته. ووقفوا مواقف أنبيائه. وتشبّهوا بملائكته. المطيفين بعرشه يحرزون الأرباح في متجر عبادته. ويتبادرون عند موعد مغفرته. جعله سبحانه وتعالى للإسلام علما والعائذين حرماً. فرض حجّه وأوجب حقّه وكتب عليكم وفادته فقال سبحان ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنيٌّ عن العالمين.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي