نهج البلاغة/في ذكر المكاييل والموازين

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

في ذكر المكاييل والموازين

في ذكر المكاييل والموازين - نهج البلاغة

في ذكر المكاييل والموازين

عباد الله، إنّكم - وما تأملون من هذه الدنيا أثوياء. مؤجّلون ومدينون مقتضون. أجلٌ منقوصٌ وعملٌ محفوظٌ. فربّ دائبٍ مضيعٌ، وربّ كادحٍ خاسرٌ. وقد أصبحتم في زمنٍ لا يزداد الخير فيه إلاّ إدباراً، ولا الشرّ إلاّ إقبالاً، ولا الشيطان في هلاك الناس إلاّ طمعاً. فهذا أوانٌ قويت عدّته، وعمّت مكيدته، وأمكنت فريسته. اضرب بطرفك حيث شئت من الناس فهل تبصر إلاّ فقيراً يكابد فقراً، أو غنيّاً بدّل نعمة الله كفراً، أو بخيلاً اتّخذ البخل بحقّ الله وفراً، أو متمرّداً كأنّ بأذنه عن سمع المواعظ وقراً. أين خياركم وصلحاؤكم وأين أحراركم وسمحاؤكم وأين المتورّعون في مكاسبهم، والمتنزّهون في مذاهبهم. أليس قد ظعنوا جميعاً عن هذه الدنيا الدنيّة والعاجلة المنّغصة. وهل خلقتم إلاّ في حثالةٍ لا تلتقي بذمتّهم الشفتان، استصغاراً لقدرهم، وذهاباً عن ذكرهم، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. ظهر الفساد فلا منكر مغيّرٌ، ولا زاجرٌ مزدجرٌ. أفبهذا تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه، وتكونوا أعزّ أوليائه عنده ؟ هيهات لا يخدع الله عن جنّته، ولا تنال مرضاته إلاّ بطاعته. لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به.

ومن كلام له عليه السلام لأبي ذرٍ رحمه الله لمّا خرج إلى الربذة

يا أبا ذرٍّ، إنّك غضبت لله فارجُ من غضبت له، إنّ القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه واهرب منهم بما خفتهم عليه. فما أحوجهم إلى ما منعتهم وما أغناك عمّا منعوك. وستعلم من الرابح غداً، والأكثر حُسّداً. ولو أنّ السموات والأرضين كانتا على عبدٍ رتقاً ثمّ اتّقى الله لجعل الله منهما مخرجاً، ولا يؤنسنّك إلاّ الحقّ، ولا يوحشنّك إلاّ الباطل. فلو قبلت دنياهم لأحبوك، ولو قرضت منها لأمنوك. ومن كلام له عليه السلامأيّتها النفوس المختلفة والقلوب المتشتّتة. الشاهدة أبدانهم، والغائبة عنهم عقولهم، أظأركم على الحقّ وأنتم تنفرون عنه نفور المعزى من وعوعة الأسد، هيهات أن أطلع بكم سرار العدل، أو أقيم اعوجاج الحقّ. اللهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسةً في سلطانٍ ولا التماس شيءٍ من فضول الحطام، ولكن لنردّ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك. فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطّلة من حدودك. اللهمّ إنّي أوّل من أناب وسمع وأجاب، لم يسبقني إلاّ رسول الله عليه وآله وسلّم بالصلاة وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الخائف للدول فيتّخذ قوماً دون قومٍ، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنّة فيهلك الأمّة.

ومن خطبة له عليه السلام

نحمده على ما أخذ وأعطى، وعلى ما أبلى وابتلى. الباطن لكلّ خفيّةٍ. الحاضر لكلّ سريرةٍ. العالم بما تكنّ الصدور وما تخون العيون. ونشهد أن لا إله غيره، وأنّ محمّداً نجيبه وبعيثه شهادةً يوافق فيها السرّ الإعلان والقلب اللسان منها فإنّه والله الجدّ لا اللعب، والحقّ لا الكذب. وما هو إلاّ الموت أسمع داعيه وأعجل حاديه. فلا يغرّنّك سواد الناس من نفسك، فقد رأيت من كان قبلك ممّن جمع المال. وحذر الإقلال وأمن العواقب، طول أملٍ واستبعاد أجلٍ، كيف نزل به الموت فأزعجه عن وطنه، وأخذه من مأمنه، محمولاً على أعواد المنايا، يتعاطى به الرجال الرجال، حملاً على المناكب وإمساكاً بالأنامل. أما رأيتم الذين يأملون بعيداً ويبنون مشيداً ويجمعون كثيراً، أصبحت بيوتهم قبوراً، وما جمعوا بوراً. وصارت أموالهم للوارثين، وأزواجهم لقومٍ آخرين، لا في حسنةٍ يزيدون، ولا من سيّئةٍ يستعتبون. فمن أشعر التقوى قلبه برّز مهله وفاز عمله. فاهتبلوا هبلها، واعملوا للجنّة عملها. فإنّ الدنيا لم تخلق لكم دار مقامٍ، بل خلقت لكم مجازاً لتزوّدوا منها الأعمال إلى دار القرار. فكونوا منها على أوفازٍ. وقرّبوا الظهور للزيّال.

ومن خطبة له عليه السلام

وانقادت له الدنيا والآخرة بأزمتّها، وقذفت إليه السموات والأرضون مقاليدها، وسجدت له بالغدوّ والآصال الأشجار الناضرة. وقدحت له من قضبانها النيران المضيئة، وآتت أكلها بكلماته الثمار اليانعة منها وكتاب الله بين أظهركم ناطقٌ لا يعي لسانه، وبيتٌ لا تهدم أركانه، وعزٌّ لا تهزم أعوانه منها أرسله على حين فترةٍ من الرسل وتنازع من الألسن، فقفّى به الرسل، وختم به الوحي، فجاهد في الله المدبرين عنه والعادلين به منها وإنّما الدنيا منتهى بصر الأعمى، لا يبصر ممّا وراءها شيئاً، والبصير ينفذها بصره ويعلم أنّ الدار وراءها. فالبصير منها شاخصٌ، والأعمى إليها شاخصٌ. والبصير منها متزوّدٌ، والأعمى لها متزوّد. منها واعلموا أنّه ليس من شيء إلاّ ويكاد صاحبه يشبع منه ويملّه إلاّ الحياة فإنّه لا يجد له في الموت راحة. وإنّما ذلك بمنزلة الحكمة التي هي حياة للقلب الميت، وبصرٌ للعين العمياء، وسمعٌ للأذن الصمّاء، وريٌّ للظمآن وفيها الغنى كلّه والسلامة. كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به وينطق بعضه ببعضٍ، لا يختلف في الله، ولا يخالف بصاحبه عن الله. قد اصطلحتم على الغلّ فيما بينكم، ونبت المرعى على دمنكم. وتصافيتم على حبّ الآمال، وتعاديتم في كسب الأموال. لقد استهان بكم الخبيث، وتاه بكم الغرور، والله المستعان على نفسي وأنفسكم.

ومن كلام له عليه السلام

وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج إلى غزو الروم بنفسه وقد توكّل الله لأهل هذا الدين بإعزاز الحوزة، وستر العورة والذي نصرهم وهم قليا لا ينتصرون، ومنعهم وهم قليلٌ لا يمتنعون: حيٌّ لايموتإنّك متى تسِر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم بشخصك فتنكب لا تكن للمسلمين كانفةٌ دون أقصى بلادهم. ليس بعدك مرجعٌ يرجعون إليه. فابعث إليهم رجلاً محرباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحبّ، وإن تكن الأخرى كنت ردءاً للناس ومثابةً للمسلمين.

ومن كلام له عليه السلام

وقد وقعت مشاجرةٌ بينه وبين عثمان فقال المغيرة بن الأخنس لعثمان أنا أكفيكه فقال عليٌّ كرم الله وجهه للمغيرة:يا بن اللعين الأبتر، والشجرة التي لا أصل لها ولا فرع، أنت تكفيني ؟ والله ما أعزّ الله من أنت ناصره، ولا قام من أنت منهضه. اخرج عنّا أبعد الله نواك، ثمّ أبلغ جهدك فلا أبقى الله عليك إن أبقيت.

ومن كلام له عليه السلام

لم تكن بيعتكم إيّاي فلتةً، ليس أمري وأمركم واحداً. إنّي أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم. أيّها الناس أعينوني على أنفسكم، وايم الله لأنصفنّ المظلوم من ظالمه، ولأقودنّ الظالم بخزامته، حتّى أورده منهل الحقّ وإن كان كارهاً. ومن كلام له عليه السلام في معنى طلحة والزبيروالله ما أنكروا عليّ منكراً، ولا جعلوا بيني وبينهم نصفاً. وإنّهم ليطلبون حقّاً هم تركوه، ودماً هم سفكوه. فإن كنت شريكهم فيه فإنّ لهم نصيبهم منه، وإن كانوا ولوه دوني فما الطلبة إلاّ قبلهم. وإنّ عدلهم للحكم على أنفسهم. إنّ معي لبصيرتي ما لبست ولا لبس عليّ. وإنّها للفئة الباغية فيها الحما والحمة، والشبهة المغدفة. وإنّ الأمر لواضحٌ. وقد زاح الباطل عن نصابه، وانقطع لسانه عن شغبه وايم الله لأفرطنّ لهم حوضاً أنا ماتحه لا يصدرون عنه بريٍّ، ولا يعبّون بعده في حسيٍ. منه فأقبلتم إليّ إقبال العوذ المطافيل على أولادها، تقولون البيعة البيعة. قبضت كفيّ فبسطتموها، ونازعتكم يدي فحاذبتموها اللهمّ إنّهما قطعاني وظلماني، ونكثا بيعتي، وألّا الناس عليّ. فاحلل ما عقدا، ولا تحكم لهما ما أبرما، وأرهما المساءة فيما أمّلا وعملا. ولقد استثبتهما قبل القتال، واستأنيت بهما أمام الوقاع، فغمطا النعمة وردّا العافية.

ومن خطبة له عليه السلام يومي فيها إلى ذكر اللاحم

يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي. منها حتّى تقوم الحرب بكم على ساقٍ بادياً نواجذها، مملوءةً أخلافها، حلواً رضاعها، علقماً عاقبتها. ألا وفي غدٍ - وسيأتي غدٌ بما لا تعرفون - يأخذ الوالي من غيرها عمّالها على مساوي أعمالها وتخرج له الأرض أفاليذ كبدها، وتلقي إليه سِلماً مقاليدها. فيريكم كيف عدل السيرة. ويحيي ميّت الكتاب والسنّة. منها كأنّي به قد نعق بالشام وفحص براياته في ضواحي كوفان، فعطف عليها عطف الضروس، وفرش الأرض بالرؤوس. قد فغرت فاغرته، وثقلت في الأرض وطأته. بعيد الجولة، عظيم الصولة. والله ليشردنّكم في أطراف الأرض حتّى لايبقى منكم إلاّ قليلٌ كالكحل في العين، فلا تزالون كذلك حتّى تؤوب إلى العرب عوازب أحلامها. فالزموا السنن القائمة والآثار البيّنة والعهد القريب الذي عليه باقي النبوّة. واعلموا أنّ الشيطان إنّما يُسنّي لكم طرقه لتتّبعوا عقبه.

ومن كلام له عليه السلام

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي