نهج البلاغة/من خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

من خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام

من خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام - نهج البلاغة

من خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام

الحمد لله كلّما وقب الليل وغسق والحمد لله كلّما لاح نجمٌ وخفق. والحمد لله غير مفقود الإنعام ولا مكافإ الإفضال أمّا بعد فقد بعثت مقدّمتي. وأمرتهم بلزوم هذا الملطاط حتّى يأتيهم أمري. وقد أردت أن أقطع هذه النطفة إلى شرذمةٍ منكم موطنين أكناف دجلة فأنهضهم معكم إلى عدوّكم وأجعلهم من أمداد القوّة لكم. أقول يعن عليه السلام بالملطاط ها هنا السمت الذي أمرهم بلزومه وهو شاطئ الفرات. وقال ذلك أيضاً لشاطئ البحر، وأصله ما استوى من الأرض. ويعني بالنطفة ماء الفرات. وهو من غريب العبارات وعجيبها.

ومن كلام له عليه السلام

الحمد لله الذي بطن خفيّات الأمور. ودلّت عليه أعلام الظهور. وامتنع على عين البصير. فلا عين من لم يره تنكره. ولا قلب من أثبته يبصره. سبق في العلوّ فلا شىء أعلى منه. وقرب في الدنوّ فلا شىء أقرب منه. فلا استعلاؤه باعده عن شىءٍ من خلقه. ولا قربه ساواهم في المكان به. لم يطلع العقول على تحديد صفته. ولم يحجبها عن واجب معرفته. فهو الذي تشهد له أعلام الوجود. على إقرار قلب ذي الجحود تعالى الله عمّا يقول المشبّهون به والجاحدون له علوّاً كبيراً.

ومن كلام له عليه السلام

إنّما بدء وقوع الفتن أهواءٌ تتّبع. وأحكام تبتدع. يخالف فيها كتاب الله. ويتولّى عليها رجالٌ رجالاً على غير دين الله. فلو أنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين. ولو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل لانقطعت عنه ألسن المعاندين ولكن يؤخذ من هذا ضغثٌ ومن هذا ضغثٌ فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى.

ومن خطبة له عليه السلام

لمّا غلب أصحاب معاوية أصحابه عليه السلام على شريعة الفرات بصفّين ومنعوهم من الماءقد استطعموكم القتال فقرّوا على مذلّةٍ. وتأخير محلّةٍ. أو روّوا السيوف من الدماء ترووا من الماء فالموت في حياتكم مقهورين. والحياة في موتكم قاهرين. ألا وإنّ معاوية قاد لمّةً من الغواة. وعمس عليهم الخبر حتّى جعلوا نحورهم أغراض المنيّة.

ومن خطبة له عليه السلام

ألا وإنّ الدنيا قد تصرّمت وآذنت بوداعٍ وتنكّر معروفها وأدبرت حذّاء. فهي تحفز بالفناء سكّانها وتحدر بالموت جيرانها وقد أمرّ منها ما كان حلواً. وكدر منها ما كان صفواً. فلم يبق منها إلاّ سملةٌ كسملة الإداوة. أو جرعةٌ كجرعة المقلة، لو تمزّزها الصديان لم ينقع. فأزمعوا عباد الله الرحيل عن هذه الدار، المقدور على أهلها الزوال. ولا يغلبنّكم فيها الأمل ولا يطولنّ عليكم الأمد. فوالله لو حننتم حنين الوله العجال. ودعوتم بهديل الحمام وجأرتم جؤار متبتل الرهبان. وخرجتم إلى الله من الأموال والأولاد التماس القربة إليه في ارتفاع درجةٍ عنده أو غفران سيّئةٍ أحصتها كتبه، وحفظها رسله، لكان قليلاً فيما أرجو لكم من ثوابه وأخاف عليكم من عقابه، والله لو انماثت قلوبكم انمياثاً وسالت عيونكم من رغبةٍ إليه أو رهبةٍ منه دماً، ثمّ عمّرتم في الدنيا ما الدنيا باقيةٌ ما جزت أعماكم - ولو لم تبقوا شيئاً من جهدكم - أنعمه عليكم العظام وهداه إيّاكم للإيمان.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي