نهج البلاغة/من خطبة له وهي المعروفة بالشقشقية

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

من خطبة له وهي المعروفة بالشقشقية

من خطبة له وهي المعروفة بالشقشقية - نهج البلاغة

من خطبة له وهي المعروفة بالشقشقية

أما والله لقد تقمَّصها فلان وإنّه ليعلم أنّ محلِّي منها محلُّ القطب من الرحى. ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليَّ الطير، فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً. وطفقت أرتأي بين أصول بيدٍ جذّاء أو أصبر على طخيةٍ عمياء يهرم فيها الكبير. ويشيب فيها الصغير. ويكدح فيها مؤمنٌ حتّى يلقى ربّه فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذًى. وفي الحلق شجاً أرى تراثي نهباً حتى مضى الأوّل لسبيله فأدلى بها إلى فلانٍ بعده ثمّ تمثّل بقول الأعشى:

شتّان ما يومي على كورها

ويوم حيّان أخي جابر

فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشدَّ ما تشطّرا ضرعيها فصيّرها في حوزةٍ خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسّها. ويكثر العثار فيها. والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم. وإن أسلس لها تقحَّم فمنى الناس لعمر الله بخبطٍ وشماسٍ وتلوّنٍ واعتراضٍ. فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة. حتّى إذا مضى لسبيله. جعلها في جماعةٍ زعم أنّي أحدهم فيالله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكنّي أسففت إذ أسفُّوا وطرت إذ طاروا. فصغى رجلٌ منهم لضغنه ومال الآخر لصهره مع هنٍ وهنٍ إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضينه بين نثيله ومعتلفه. وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتله. وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته فما راعني إلاّ والناس كعرف الضبع إلىّ ينثالون عليّ من كل جانبٍ حتّى لقد وطىء الحسنان. وشقّ عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفةٌ ومرقت أخرى وقسط آخرون كأنّهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول. ' تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين' بلى والله لقد سمعوها ووعوها. ولكنّهم حليت الدّنيا في أعينهم وراقهم زبرجها. أما والذي فلق الحبّة. وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر. وما أخذ الله على العلماء أن يقارّوا على كظّة ظالمٍ ولا سغب مظلومٍ. لا لقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أوّلها. ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنزٍ قالوا وقام إليه رجلٌ من أهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتاباً فأقبل ينظر فيه. قال له ابن عبّاس رضي الله عنهما. يا أمير المؤمنين لو أطردت خطبتك من حيث أفضيت. فقال هيهات يا ابن عباس تلك شقشقةٌ هدرت ثمّ قرّت. قال ابن عبّاس فوالله ما أسفت على كلامٍ قطّ كأسفي على هذا الكلام أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام بلغ منه حيث أراد قوله كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحّم يريد أنّه إذا شدّد عليها في جذب الزمام وهي تنازعه رأسها خرم أنفها وإن أرخى لها شيئاً مع صعوبتها تقحّمت به فلم يملكها. يقال أشنق الناقة إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه وشنّقها أيضاً، ذكر ذلك ابن السكيت في إصلاح المنطق. وإنّما قال أشنق لها ولم يقل أشنقها لأنّه جعله في مقابلة قوله أسلس لها فكأنّه عليه السلام قال إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها.

ومن خطبة له عليه السلام

بنا اهتديتم في الظلماء. وتسنّمتم العلياء وبنا انفجرتم عن السرار. وقر سمعٌ لم يفقه الواعية وكيف يراعي النبأة من أصمته الصيحة. ربط جنانٌ لم يفارقه الخفقان ما زلت أنتظر بكم عواقب الغدر. وأتوا سّمكم بحلية المغترّين سترني عنكم جلباب الدين وبصّرنيكم صدق النيّة. أقمت لكم على سنن الحقّ في جوادّ المضلّة، حيث تلتقون ولا دليل. وتحتفرون ولا تميهون. اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان غرب رأى امرىءٍ تخلّف عنّي ما شككت في الحقّ مذ أريته. لم يوجس موسى عليه السلام خيفةً على نفسه أشفق من غلبة الجهّال ودول الضلال. اليوم تواقفنا على سبيل الحقّ والباطل من وثق بماءٍ لم يظمأ.

ومن خطبة له عليه السلام لمّا قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وخاطبه العبّاس وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة

أيّها الناس شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة. وعرّجوا عن طريق المنافرة وضعوا عن تيجان المفاخرة. أفلح من نهض بجناح. أو استسلم فأراح هذا ماءٌ آجنٌ. ولقمةٌ يغصُّ بها آكلها ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه فإن أقُل يقولوا حرص على الملك. وإن اسكت يقولوا جزع من الموت هيهات بعد اللتيا والتي والله لابن أبي طالبٍ آنسُ بالموت من الطفل بثدي أمِّه. بل اندمجت على مكنون علمٍ لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطويِّ البعيدة.

ومن كلام له لمّا أشير عليه بأن لا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال

والله لا أكون كالضبع تنام على الطول اللدم. حتّى يصِلَ إليها طالبها ويختلها راصدها. ولكنّي أضرب بالمقبل إلى الحقِّ المدبر عنه. وبالسامع المطيع العاصي المريب أبداً. حتّى يأتي عليَّ يومي فوالله مازلت مدفوعاً عن حقِّي مستأثراً عليَّ منذ قبض الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم حتّى يؤمّ الناس هذا. ومن خطبة له عليه السلاماتّخذوا الشيطان لأمرهم مِلاكاً، واتّخذوهم له أشراكاً. فباض وفرَّخَ في صدورهم. ودبَّ ودرج في حجورهم. فنظر بأعينهم ونطق بألسنتهم. فركب بهم الزلل وزيّن لهم الخطل فَعلَ من قد شرَّكه الشيطان في سلطانه ونطق بالباطل على لسانه. ومن كلامٍ له عليه السلام يعني به الزبير في حالٍ اقتضت ذلك يزعم أنّه قد بايع بيده ولم يبايع بقلبه. فقد أقرَّ بالبيعة وادعى الوليجة فليأت عليها بأمرٍ يُعرف. وإلا فليدخل فيما خرج منه. ومن كلامٍ له عليه السلاموقد أرعدوا وأبرقوا، ومع هذين الأمرين الفشل. ولسنا نرعد حتّى نوقع. ولانسيل حتّى نمطر. ومن خطبة له عليه السلامألا وإنّ الشيطان قد جمع جزبه. واستجلب خيله ورجله. وإنّ معي لبصيرتي ما لبست على نفسي ولا لبس عليَّ. وايم الله لا أفرطنَّ لهم حوضاً أنا ماتحه لا يصدرون عنه لا يعودون إليه.

ومن كلام له عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية لمّا أعطاه الراية يوم الجمل

تزول الجبال ولا تزل. عضّ على ناجذك. أعر الله جمجمتك. تد في الأرض قدمك. ارم ببصرك أقصى القوم. وغض بصرك واعلم أنّ النصر من عند الله سبحانه. ومن خطبة له عليه السلاملمّا أظفره الله بأصحاب الجمل وقد قال له بعض أصحابه وددت أنّ أخي فلاناً كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك. فقال له عليه السلام أهوى أخيك معنا ؟ فقال نعم، قال فقد شهدنا. ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوامٌ في أصلاب الرجال وأرحام النساء سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي