نهج البلاغة/من كتاب له عليه السلام إلى أهل مصر

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

من كتابٍ له عليه السلام إلى أهل مصر

من كتابٍ له عليه السلام إلى أهل مصر - نهج البلاغة

من كتابٍ له عليه السلام إلى أهل مصر

مع مالكٍ الأشتر لما ولاَّه إمارتها:

أمَّا بعد فإنَّ الله سبحانه بعث محمَّداً صلَّى الله عليه وآله نذيراً للعالمين ومهيمناً على المرسلين، فلمَّا مضى عليه السلام تنازع المسلمون الأمر من بعده، فوالله ما كان يلقي في روعي ولا يخطر ببالي أنَّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلَّى الله عليه وآله عن أهل بيته، ولا أنَّعم منحُّوه عنِّي من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس على فلانٍ يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمَّدٍ صلَّى الله عليه وآله، فخشيت إن لم لأنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنَّما هي متاع أيَّامٍ قلائل يزول السراب، أو كما يتقشَّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأنَّ الدين وتنهنه. ومنه إنَّي والله لو لقيتهم واحداً هو طلاع الأرض كلِّها ما باليت ولا استوحشت. وإنِّي من ضلالهم الذي هم فيه، والهدى الذي أنا عليه، لعلي بصيرةٍ من نفسي ويقينٍ من ربِّي. وإنِّي إلى لقاء الله وحسن ثوابه لمنتظرٌ راج. ولكنَّني آسي أن يلي أمر هذه الأمَّة سفهاؤها وفجَّارها، فيتَّخذوا مال الله دولاً، وعباده خولاً، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً، فإنَّ منهم الذي قد شرب فيكم الحرام، وجلد حدّاً في الإسلام وإنَّ منهم من لم يسلم حتى رضخت له على الإسلام الرضائخ، فلولا ذلك ما أكثرت تأليبكم وتأنيبكم، وجمعكم وتحريضكم، ولتركتكم إذ أبيتم وونيتم. ألا ترون إلى أطرافكم قد انتقصت، وإلى أمصاركم قد افتتحت، وإلى ممالككم تزوي، وإلى بلادكم تغزى. انفروا رحمكم الله إلى قتال عدوِّكم، ولا تثاقلوا إلى الأرض فتقرُّوا بالخسف وتبوءوا بالذِّل، ويكون نصيبكم الأخسَّ. وإنَّ أخا الحرب الأرق. ومن نام لم ينم عنه. والسلام. ومن كتابٍ له عليه السلام إلى أبي موسى الأشعري وهو عامله على الكوفة، وقد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج غليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل:من عبد الله أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيسٍ. أمَّا بعد فقد بلغني عنك قولٌ هو لك وعليك، فإذا قدم رسولي عليك فارفع ذيلك، واشدد مئزرك، واخرج من حجرك، واندب من معك، فإن حقَّقت فانفذ، وإن تفشَّلت فابعد. وأيم الله لتؤتينَّ حيث أنت، ولا تترك حتى يخلط زبدك بخائرك، وذائبك بجامدك، وحتى تعجل عن قعدتك، وتحذر من أمامك كحذرك من خلفك. وما هي بالهويني التي ترجو، ولكنَّها الداهية الكبرى، يركب جملها ويذلُّ صعبها، ويسهل جبلها. فاعقل عقلك، واملك أمرك وخذ نصيبك وحظَّك، فإن كرهت فتنحَّ إلى غير رحبٍ، ولا في نجاةٍ، فالبحريِّ لتكفينَّ وأنت نائمٌ حتى يقال أين فلانٌ. والله إنَّه لحقٌّ مع محقٍّ وما نبالي ما صنع الملحدون. والسلام.

من كتابٍ له عليه السلام إلى معاوية جواباً

أمَّا بعد فإنَّا كنَّا نحن وأنتم على ما ذكرت من الألفة والجماعة، ففرق بيننا وبينكم أمس أنَّا آمنَّا وكفرتم، واليوم أنَّا استقمنا وفتنتم. وما أسلم مسلمكم إلا كرهاً، وبعد أن كان أنف الإسلام كلُّه لرسول الله صلَّى الله عليه وآله حزباً. وذكرت أنِّي قتلت طلحة والزبير، وشرَّدت بعائشة ونزلت بين المصرين، وذلك أمرٌ غبت عنه فلا عليك ولا العذر فيه إليك. وذكرت انَّك زائري في المهاجرين والأنصار وقد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك، فإن كان فيك عجلٌ فاسترفه، فإنِّي إن أزرك فذلك جديرٌ أن يكون الله إنَّما بعثني للنقمة منك، وإن تزرني فكما قال أخو بني أسدٍ:

مُستقبِلينَ رياحَ الصيفِ تضرِبُهُم

بحاصِبٍ بينَ أغوارٍ وجُلمودِ

وعندي السيف الذي أعضضته بجدك وخالك وأخيك في مقامٍ واحدٍ. وإنَّك والله ما علمت. لأغلف القلب المقارب العقل، والأولى أن يقال لك إنَّك رقيت سلَّماً أطلعك مطلع سوءٍ عليك لا لك، لأنَّك نشدت غير ضالَّتك، ورعيت غير سائمتك، وطلبت أمراً لست من أهله ولا في معدنه، فما أبعد قولك من فعلك. وقريبٌ ما أشبهت من أعمامٍ وأخوالٍ حملتهم الشقاوة وتمنِّي الباطل على الجحود بمحمَّدٍ صلى الله عليه وآله، فصرعوا مصارعهم حيث علمت، لم يدفعوا عظيماً، ولم يمنعوا حريماً بوقع سيوفٍ ما خلا منها الوغى ولم تماشها الهويني. وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل غيه الناس ثمَّ حاكم القوم إليَّ أحملك وإيَّاهم على كتاب الله تعالى. وأمَّا تلك التي تريد فإنَّها خدعة الصبيِّ عن اللبن في أوَّل الفصال والسلام لأهله.

ومن كتابٍ له عليه السلام إليه أيضاً

أمَّا بعد فقد آن لك أن تنتفع باللمح الباصر من عيان الأمور، فقد سلكت مدارج أسلافك بادعائك الأباطيل، وإقحامك غرور المين والأكاذيب وبانتحالك ما قد علا عنك، وابتزازك لما اختزن دونك، فراراً من الحقِّ وجحوداً لما هو ألزم لك من لحمك ودمك، ممَّا قد وعاه سمعك، وملئ به صدرك، فماذا بعد الحقِّ إلا الضلال المبين، وبعد البيان إلا اللبس. فاحذر الشبهة واشتمالها على لبستها، فإنَّ الفتنة طالما أغدفت جلابيبها وأعشت الأبصار ظلمتها. وقد أتاني كتابٌ منك ذو أفانين من القول ضعفت قواها عن السلم وأساطير لم يحكها منك علمٌ ولا حلمٌ، أصبحت منها كالخائض في الدهاس، والخابط في الديماس وترقَّيت إلى مرقبةٍ بعيدة المرام، نازحة الأعلام تقصر دونها الأنواق، ويحاذي بها العيُّوق. وحاش لله أن تلي للمسلمين بعدي صدراً أو ورداً، أو أجري لك على أحد منهم عقداً أو عهداً، فمن الآن فتدارك نفسك وانظر لها، فإنَّك إن فرطت حتى ينهد إليك عباد الله أرتجت عليك الأمور ومنعت أمراً هو منك اليوم مقبولٌ. والسلام. ومن كتابٍ له عليه السلام إلى عبد اله بن العباس وقد تقدَّم ذكره بخلاف هذه الروايةأما بعد فإنَّ المرء ليفرح بالشيء الذي لم يكن ليفوته ويحزن على الشيء الذي لم يكن ليصيبه. فلا يكن أفضل ما نلت في نفسك من دنياك بلوغ لذَّةٍ أو شفاء غيظٍ، ولكن إطفاء باطلٍ أو إحياء حقٍّ. وليكن سرورك بما قدَّمت، وأسفك على ما خلَّفت، وهمُّك فيما بعد الموت.

من كتابٍ له عليه السلام إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة

أمَّا بعد فأقم للناس الحجَّ وذكرهم بأيَّام الله، واجلس لهم العصرين فأفت المستفتي وعلِّم الجاهل وذاكر العالم. ولا يكن لك إلى الناس سفيرٌ إلا لسانك، ولا حاجبٌ إلا وجهك. ولا تحجبنَّ ذا حاجةٍ عن لقائك بها، فإنَّها إن ذيدت عن أبوابك في أوَّل وردها لم تحمد فيما بعد على قضائها. وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة مصيباً به مواضع الفاقة والخلات، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا. ومن أهل مكة أن لا يأخذوا من ساكن أجراً فإنَّ الله سبحانه يقول: ' سواء العاكف فيه والباد ' فالعاكف المقيم به والبادي الذي يحجُّ إليه من غير أهله. وفَّقنا الله وإياكم لمحابِّه. والسلام.

من كتابٍ له عليه السلام إلى سلمان الفارسي رحمه الله قبل أيام خلافته

أمَّا بعد فإنَّما مثل الدنيا مثل الحيَّة ليِّنٌ مسُّها، قاتلٌ سمُّها، فأعرض عمَّا يعجبك فيها لقلَّة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها لما أيقنت من فراقها. وكن آنس ما تكون بها أحذر ما تكون منها. فإنَّ صاحبها كلما اطمأنَّ فيها إلى سرورٍ أشخصته عنه إلى مجذورٍ.

من كتابٍ له عليه السلام إلى الحارث الهمداني

وتمسَّك بحبل القرآن وانتصحه. وأحل حلاله وحرِّم حرامه، وصدِّق بمااسلف من الحقِّ. واعتبر بما مضى من الدنيا ما بقي منها فإنَّ بعضها يشبه بعضاً، وآخرها لاحقٌ بأوَّلها، وكلُّها حائلٌ مفارقٌ وعظِّم اسم الله أن تذكره إلا على حقٍّ، وأكثر ذكر الموت وما بعد الموت. ولا تتمنَّ الموت إلا بشرطٍ وثيقٍ. واحذر كلَّ عملٍ يرضاه صاحبه لنفسه ويكره لعامة المسلمين. واحذر كلَّ عملٍ يعمل به في السرِّ ويستحي منه في العلانية. واحذر كلَّ عملٍ إذا سئل عنه صاحبه أنكره أو اعتذر منه. ولا تجعل عرضك غرضاً لنبال القول، ولا تحدِّث الناس بكلِّ ما سمعت فكفى بذلك كذباً، ولا تردَّ على الناس كلَّ ما حدَّثوك به فكفى بذلك جهلاً. واكظم الغيظ وتجاوز عند المقدرة، واحلم عند الغضب، واصفح مع الدولة تكن لك العاقبة، واستصلح كلَّ نعمةٍ أنعمها الله عليك. ولا تضيعنَّ نعمةً من نعم الله عندك، وليرَ عليك أثر ما أنعم الله به عليك. واعلم أنَّ أفضل المؤمنين أفضلهم تقدمةً من نفسه وأهله وماله، فإنَّك ما تقدِّم من خيرٍ يبق لك ذخره وما تؤخِّر يكن لغيرك خيره. واحذر صحابة من يفيل رأيه وينكر عمله فإنَّ الصاحب معتبرٌ بصاحبه. أسكن الأمصار العظام فإنَّها جماع المسلمين. واحذر منازل الغفلة والجفاء وقلَّة الأعوان على طاعة الله. واقصر رأيك على ما يعينك، وإيَّاك ومقاعد الأسواق فإنَّها محاضر الشيطان ومعاريض الفتن. وأكثر أن تنظر إلى من فضلت عليه. فإنَّ ذلك من أبواب الشكر. ولا تسافر في يوم جمعةٍ حتى تشهد الصلاة إلا فاصلاًَ في سبيل الله، أو في أمرٍ تعذر به. وأطع الله في جميع أمورك فإنَّ طاعة الله فاضلةٌ على ما سواها. وخادع نفسك في العبادة، وارفق بها ولا تقهرها. وخذ عفوها ونشاطها إلا ما كان مكتوباً عليك من الفريضة فإنَّه لا بد من قضائها وتعاهدها عند محلِّها. وإيَّاك أن ينزل بك الموت وأنت آبقٌ من ربِّك في طلب الدنيا وإيَّاك ومصاحبة الفسَّاق فإنَّ الشرَّ بالشرِّ ملحقٌ. ووقِّر الله وأحبب أحباءه. واحذر الغضب فإنَّه جندٌ عظيمٌ من جنود إبليس. والسلام. ومن كتابٍ له عليه السلام إلى سهل بن حنيف الأنصاري وهو عامله على المدينة في معنى قومٍ من أهلها لحقوا بمعاوية. أمَّا بعد فقد بلغني أنَّ رجالاً ممَّن قبلك يتسلَّلون إلى معاوية فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم ويذهب عنك من مددهم. فكفى لم غيّاً ولك منهم شافياً فرارهم من الهدى والحقِّ وإيضاعهم إلى العمى والجهل، وإنَّما هم لأهل دنيا مقبلون عليها ومهطعون إليها، قد عرفوا العدل ورأوه وسمعوه ووعوه، وعلموا أنَّ الناس عنده في الحقِّ أسوةٌ فهربوا إلى الأثرة فبعداً لهم وسحقاً. إنَّهم والله لم ينفروا من جورٍ ولم يلحقوا بعدلٍ. وإنَّا لنطمع في هذا الأمر أن يذلِّل الله لنا صعبه ويسهِّل لنا حزنه إن شاء الله. والسلام.

من كتابٍ له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود العبديِّ وقد خان في بعض ما ولاه من أعماله:

أمَّا بعد فإنَّ صلاح أبيك غرَّني منك، وظننت أنَّك تتَّبع هديه وتسلك سبيله، فإذا أنت فيما رقِّيّ إليَّ عنك لا تدع لهواك انقياداً، ولا تبقي لآخرتك عتاداً، تعمر دنياك بخراب آخرتك، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك. ولئن كان ما بلغني عنك حقّاً لجمل أهلك وشسع نعلك خيرٌ منك. ومن كان بصفتك فليس بأهلٍ أن يسدَّ به ثغرٌ، أو ينفذ به أمرٌ، أو يعلى له قدرٌ أو يشرك في أمانةٍ، أو يؤمن على خيانةٍ فأقبل إليَّ حين يصلك كتابي هذا إن شاء الله. والمنذر هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام' إنَّه لنظَّارٌ في عطفيه مختالٌ في برديه تفَّالٌ في شراكيه '.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي