نهج البلاغة/من كتاب له عليه السلام إلى عقيل بن أبي طالب

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

من كتابٍ له عليه السلام إلى عقيل بن أبي طالبٍ

من كتابٍ له عليه السلام إلى عقيل بن أبي طالبٍ - نهج البلاغة

من كتابٍ له عليه السلام إلى عقيل بن أبي طالبٍ

في ذكر جيشٍ أنفذه إلى بعض الأعداء، وهو جواب كتابٍ كتبه إليه عقيل

فسرَّحت إليه جيشاً كثيفاً من المسلمين، فلمَّا بلغه ذلك شمَّر هارباً ونكص نادماً، فلحقوه ببعض الطريق وقد طفَّلت الشمس للإياب فاقتتلوا شيئاً كلا ولا، فما كان إلا كموقف ساعةٍ حتى نجا جريصاً بعد ما اخذ منه بالمخنَّق ولم يبق منه غير الرمق. فلأياً بلأيٍ ما نجا. فدع عنك قريشاً وتركاضهم في الضلال، وتجوالهم في الشقاق، وجماحهم في التيه. فإنَّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله قبلي، فجزت قريشاً عنِّي الجوازي، فقد قطعوا رحمي، وسلبوني سلطان ابن أمي. وأمَّا ما سألت عنه من رأيي في القتال فإنَّ رأيي في قتال المحلِّين حتى ألقى الله لا يزيدني كثرة الناس حولي عزَّةً، ولا تفرُّقهم عنِّي وحشةً. ولا تحسبنَّ ابن أبيك - ولو أسلمه الناس - متضرِّعاً متخشِّعاً، ولا مقرّاً للضيم واهناً، ولا سلس الزمام للقائد، ولا وطئ الظهر للراكب المتقعِّد، ولكنه كما قال أخو بني سليمٍ:

فَإن تسأليني كيف أنتَ فإنَّني

صَبورٌ على ريبِ الزَّمَانِ صليبُ

يَعِزُّ عَليَّ أن تُرَى بِي كَآبَةٌ

فيَشمت عادٍ أو يُساءَ حَبِيبُ

من كتابٍ له عليه السلام إلى معاوية

فسبحان الله ما أشدَّ لزومك للأهواء المبتدعة والحيرة المتبعة، مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق التي هي لله طلبةٌ، وعلى عباده حجَّةٌ، فأمَّا إكثارك الحجاج في عثمان وقتلته فإنَّك إنَّما نصرت عثمان حيث كان النصر لك، وخذلته حيث كانالنصر له. والسلام. ومن كتابٍ له عليه السلام إلى أهل مصر لمَّا ولَّي عليهم الأشتر رحمه اللهمن عبد الله عليٍّ أمير المؤمنين إلى القوم الذين غضبوا لله حين عُصِيَ في أرضه وذهب بحقِّه، فضرب الجور سرادقه على البرِّ والفاجر والمقيم والظاعن، فلا معروف يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه. أمَّا بعد فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله لا ينام أيّضام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروع. أشدَّ على الفجار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو مذحجٍ، فاسمعوا وأطيعوا أمره فيما طابق الحقَّ فإنه سيفٌ من سيوف الله لا كليل الظبة ولا نابي الضريبة، فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنَّه لا يقدم ولا يحجم ولا يؤخِّر ولا يقدِّم إلا عن أمري، وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم وشدَّة شكيمته على عدوِّكم. ومن كتابٍ له عليه السلام إلى عمر بن العاص:فإنَّك جعلت دينك تبعاً لدنيا امرئٍ ظاهرٍ غيُّه مهتوكٍ ستره، يشين الكريم بمجلسه ويسفِّه الحليم بخلطته، فاتَّبعت أثره وطلبت فضله إتِّباع الكلب للضرغام يلوذ إلى مخالبه وينتظر ما يلقي إليه من فضل فريسته، فأذهبت دنياك وآخرتك، ولو بالحقِّ أخذت أدركت ما طلبت. فإن يمكنِّي الله منك ومن ابن أبي سفيان أجزكما بما قدَّمتما، وإن تعجزا وتبقيا فما أمامكما شرٌّ لكما.

من كتابٍ له عليه السلام إلى بعض عمِّاله:

أمَّا بعد فقد بلغني عنك أمرٌ إن كنت فعلته فقد أسخطت ربَّك وعصيت إمامك وأخزيت أمانتك. بلغني أنَّك جرَّدت الأرض فأخذت ما تحت قدميك وأكلت ما تحت يديك، فارفع إليَّ حسابك، واعلم أنَّ حساب الله أعظم من حساب الناس.

من كتابٍ له عليه السلام إلى بعض عمِّاله:

أمَّا بعد فإنِّي كنت أشركتك في أمانتي، وجعلتك شعاري وبطانتي، ولم يكن رجلٌ من أهلي أوثق منك في نفسي لمواساتي وموازرتي، وأداء الأمانة إليَّ. فلما رأيت الزمان على ابن عمِّك قد كَلِبَ، والعدوَّ قد حَرِبَ، وأمانة الناس قد خزيت، وهذه الأمَّة قد فنكت وشغرت قلبت لابن عمِّك ظهر المجنِّ ففارقته مع المفارقين، وخذلته مع الخاذلين، وخنته مع الخائنين. فلا ابن عمِّك آسيت، ولا الأمانة أدَّيت. وكأنَّك لم تكن الله تريد بجهادك. وكأنَّك لم تكن على بينةٍ من ربِّك. وكأنَّك إنَّما كنت تكيد هذه الأمَّة عن دنياهم وتنوي غرَّتهم عن فيئهم. فلمَّا أمكنتك الشدَّة في خيانة الأمَّة أسرعت الكرَّة، وعاجلت الوثبة، واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم اختطاف الذئب الأزلِّ دامية المعزى الكسيرة، فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثِّمٍ من أخذه كأنَّك - لا أبا لغيرك - حدرت إلى أهلك تراثاً من أبيك وأمِّك. فسبحان الله ! أما تؤمن بالمعاد ؟ أو تخاف نقاش الحساب ؟ ايُّها المعدود كان عندنا من ذوي الألباب كيف تسيغ شراباً وطعاماً وأنت تعلم أنَّك تأكل حراماً وتشرب حراماً ؟ وتبتاع الإماء وتنكح النساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال وأحرز بهم هذه البلاد. فاتَّق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنَّك إن لم تفعل ثمَّ أمكنني الله منك لعذرنَّ إلى الله فيك، ولأضربنَّك بسيفي الذي ما ضربت به أحداً إلا دخل النار. والله لو أنَّ الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادةٌ ولا ظفرا منِّي بإرادة حتى آخذ الحقَّ منهما وأُزيح الباطل من مظلمتهما. وأقسم بالله ربِّ العالمين ما يسرُّني أنَّ ما أخذت من أموالهم حلالٌ لي اتركه ميراثاً لمن بعدي. فضحِّ رويداً فكأنَّك قد بلغت المدى ودفنت تحت الثرى وعرضت عليك أعمالك بالمحلِّ الذي ينادى الظالم فيه بالحسرة. ويتمنى المضيِّع الرجعة ولات حين مناصٍ.

ومن كتابٍ له عليه السلام إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي وكان عامله على البحرين فعزله واستعمل النعمان بن عجلان الزرقي مكانه:

أمَّا بعد فإنِّي قد وليت النعمان بن عجلان الزرقي على البحرين، ونزعت يدك بلا ذمٍ لك ولا تثريب عليك. فلقد أحسنت الولاية وأدين الأمانة. فأقبل غير ظنينٍ ولا ملومٍ ولا متهمٍ ولا مأثومٍ. فقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشام وأحببت أن تشهد معي فإنَّك ممَّن استظهر به على جهاد العدوِّ وإقامة عمود الدين إن شاء الله. ومن كتابٍ له عليه السلام إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني وهو عامله على أردشير خرَّهبلغني عنك أمرٌ إن كنت فعلته فقد أسخطت إلهك وأغضبت إمامك: أنَّك تقسم فيء المسلمين الذي حازته رماحهم وخيولهم وأريقت عليه دماؤهم فيمن اعتامك من أعراب قومك. فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لئن كان ذلك حقَّاً لتجدَّن بك على هواناً، ولتخفَّنَّ عندي ميزاناً. فلا تستهن بحقِّ ربِّك، ولا تصلح دنياك بمحق دينك فتكون من الأخسرين أعمالاً. إلا وإنَّ حقَّ من قبلك وقبلنا من المسلمين في قسمة هذا الفيء سواءٌ يردون عندي عليه ويصدرون عنه.

من كتابٍ له عليه السلام إلى زياد بن أبيه وقد بلغه أنَّ معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه:

وقد عرفت أنَّ معاوية كتب إليك يستزلُّ لبَّك ويستلُّ غربك، فاحذره فإنَّما هو الشيطان يأتي المؤمن من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ليقتحم غفلته ويستلب غرَّته. وقد كان من أبي سفيان في زمن عمر فلتةٌ من حديث النفس ونزعةٌ من نزعات الشيطان لا يثبت بها نسبٌ ولا يستحقُّ بها إرثٌ، والمتعلِّق بها كالواغل المدفَّع والنوط المذبذب. فلمَّا قرأ زيادٌ الكتاب قال شهد بها وربِّ الكعبة، ولم يزل في نفسه حتى ادعاه معاويةقوله عليه السلام: الوغل، هو الذي يهجم على الشرَّب ليشرب معهم وليس منهم فلا يزال مدفَّعاً محاجزاً. والنوط المذبذب هو ما يناط برحل الراكب من قعبٍ أو قدحٍ أو ما شابه ذلك، فهو أبداً يتقلقل إذا حثَّ ظهره واستعجل سيره

من كتابٍ له عليه السلام إلى عثمان بن حنيفٍ الأنصاري وهو عامله على البصرة وقد بلغه أنَّه دُعِيَ إلى وليمة قومٍ من أهلها فمضى إليها:

أمَّا بعد يا ابن حنيفٍ فقد بلغني أنَّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك ألوان وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنَّك تجيب إلى طعام قومٍ عائلهم مجفوٌّ. وغنيُّهم مدعوٌّ. فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه. ألا وإنَّ لكلِّ مأمومٍ إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه. ألا وإنَّكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورعٍ واجتهادٍ، وعفَّةٍ وسدادٍ. فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً، ولا ادَّخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً. بلى كانت في أيدينا فدكٌ من كلِّ ما أظلته السماء، فشحَّت عليها نفوس قومٍ وسخت عنها نفوس آخرين. ونعم الحكم الله. وما أصنع بفدكٍ وغير فدكٍ والنفس مظانُّها في غدٍ جدثٌ تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرةٌ لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر، وسدَّ فرجها التراب المتراكم، وإنَّما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنةً يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق. ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القزِّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخيُّر الأطعمة. ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطاناً وحولي بطونٌ غرثى وأكبادٌ حرَّى ؟ أو أكون كما قال القائل:

وحَسبُك داءً أن تَبيتَ بِبِطنَة

وَحَولَكَ أكبادٌ تَحِنُّ إلى القِدِّ

أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوةٌ لهم في جشوبة العيش. فما خلقت ليشغلني أمل الطيِّبات كالبهيمة المربوطة همُّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمُّمُها، تكترش من أعلافها وتلهو عمَّا يراد بها، أو أترك سدىً أو أهمل عابثاً، أو أجرَّ حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة. وكأنِّي بقائلكم يقول إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشجعان. ألا وإنَّ الشجرة البرية أصلب عوداً، والروائع الخضرة أرقُّ جلوداً، والنباتات البدويَّة أقوى وقوداً وأبطأ خموداً، وأنا من رسول الله كالصنو من الصنو والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولَّيت عنها، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها، وسأجهد في أن أطهِّر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس حتى تخرج المدرة من بين حبِّ الحصيد. إليك عنِّي يا دنيا فحبلك على غاربك، قد انسللت من مخالبك، وأفلت من حبائلك، واجتنبت الذهاب في مداحضك. أين القرون الذين غررتهم بمداعبك أين الأمم الذين فتنتهم بزخارفك ها هم رهائن القبور ومضامين اللحود. والله لو كنت شخصاً مرئياً وقالباً حسياً لأقمت عليك حدود اله في عبادٍ غررتهم بالأماني وأممٍ ألقيتهم في المهاوي، وملوكٍ أسلمتهم إلى التلف وأوردتهم موارد البلاء إذ لا ورد ولا صدر. هيهات من وطئ دحضك زلق، ومن ركب لججك غرق، ومن أزورَّ عن حبائلك وفِّق. والسلم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه والدنيا عنده كيومٍ حان انسلاخه. اعزبى عنِّي. فوالله لا أذل لك فتستذلِّيني، ولا اسلس لك فتقوديني. وأيم الله يميناً أستثني فيها بمشيئة الله لأروضنَّ نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً، ولأدعنَّ مقلتي كعين ماءٍ نضب معينها مستفرغة دموعها. أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك، وتشبع الربيضة من عشبها فتربض ويأكل عليٌّ من زاده فيهجع قرَّت إذاً عينه إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة والسائمة المرعية. طوبى لنفسٍ أدَّت إلى ربِّها فرضها، وعركت بجنبها بؤسها. وهجرت في الليل غمضها حتى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها وتوسَّدت كفَّها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم. وهمهمت بذكر ربِّهم شفاههم، وتقشَّعت بطول استغفارهم ذنوبهم ' أولئك حزب الله إلا إنَّ حزب الله هم المفلحون '. فاتَّق الله يا ابن حنيفٍ ولتكفك أقراصك ليكون من النار خلاصك. ومن كتابٍ له عليه السلام إلى بعض عمِّالهإمَّا بعد فإنَّك ممَّن استظهر به على إقامة الدين وأقمع به نخوة الأثيم، وأسدُّ به لهاة الثغر المخوف. فاستعن بالله على ما أهمَّك، واخلط الشدَّة بضغثٍ من اللين. وارفق ما كان الرفق أرفق. واعتزم بالشدَّة حين لا يغني عنك إلا الشدَّة. واخفض للرعية جناحك، وألن لهم جانبك. وآس بينهم في اللحظة والنظرة، والإشارة والتحيَّة، حتى لا يطمع العظماء في حيفك، ولا ييأس الضعفاء من عدلك. والسلام. ^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي