نهج البلاغة/ومن وصية له عليه السلام بما يعمل في أمواله

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ومن وصيةٍ له عليه السلام بما يعمل في أمواله

ومن وصيةٍ له عليه السلام بما يعمل في أمواله - نهج البلاغة

ومن وصيةٍ له عليه السلام بما يعمل في أمواله

كتبها بعد منصرفه من صفِّين:

هذا ما أمر به عبد الله عليُّ بن أبي طالبٍ في ماله ابتغاء وجه الله ليولجه به الجنَّة ويعطيه به الأمنة. منها وإنه يقوم بذلك الحسن بن عليٍّ يأكل منه بالمعروف وينفق في المعروف، فإن حدث بحسن حدثٌ وحسينٌ حيٌ قام بالأمر بعده وأصدره مصدره. وإنَّ لابني فاطمة من صدقة عليٍّ مثل الذي لبني عليٍّ، وإنِّي إنَّما جعلت القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه الله وقربة إلى رسول الله، وتكريماً لحرمته وتشريفاً لوصلته. ويشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على أصوله، وينفق من ثمره حيث أمر به وهدى له، وأن لا يبيع من أولاد نخل هذه القرى وديَّةً حتى تشكل أرضها غراساً. ومن كان من إمائي اللاتي أطوف عليهنَّ لها ولدٌ أو هي حاملٌ فتمسك على ولدها وهي من حظِّه، فإن مات ولدها وهي حيَّةٌ فهي عتيقةٌ قد أُفرج عنها الرق وحرَّرها العتق. قوله عليه السلام في هذه الوصيَّة: أن لا يبيع من نخلها وديَّةً. الوديَّة الفسيلة وجمعها وديٌّ. قوله عليه السلام حتى تشكل أرضها غراساً هو من أفصح الكلام. والمراد به أنَّ الأرض يكثر فيها غراس النخل حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها بها فيشكل عليه أمرها ويحبسها غيرها.

ومن وصيَّةٍ له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات وإنَّما ذكرنا هنا جملاً ليعلم بها أنه كان يقيم عماد الحقِّ ويشرع أمثلة العدل في صغير الأمور وكبيرها ودقيقها وجليلها.

انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له، ولا تروِّ عن مسلماً ولا تجتازنَّ عليه كارهاً، ولا تأخذنَّ منه أكثر من حقِّ الله في ماله، فإذا قدمت على الحيِّ فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثمَّ أمض إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم، ولا تخدج بالتحيَّة لهم، ثم تقول: عباد الله أرسلني إليكم وليُّ الله وخليفته لآخذ منكم حقَّ الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حقٍّ فتؤدوه إلى وليِّه فإن قال قائلٌ لا، فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعمٌ، فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه، فخذ ما أعطاك من ذهبٍ أو فضَّةٍ. فإن كان له ماشيةٌ أو إبلٌ فلا تدخلها إلا بإذنه، فإنَّ أكثرها له، فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلِّطٍ عليه ولا عنيفٍ به، ولا تنفِّرنَّ بهيمةً ولا تفزعها ولا تسوءنَّ صاحبها فيها، وأصدع المال صدعين ثمَّ خيِّره، فإذا اختار فلا تعرَّضنَّ لما اختاره. ثمَّ أصدع الباقي صدعين ثمَّ خيِّره، فإذا اختار فلا تعرَّضنَّ لما اختاره، فلا تزال كذلك حتى يبقى حق الله منه. فإن استقالك فأقله ثم أخلطها ثم اصنع مثل الذي صنعت أوَّلاً حتى تأخذ حقَّ الله في ماله. ولا تأخذنَّ عوداً ولا هرمةً ولا مكسورةً ولا مهلوسةً ولا ذات عوارٍ، ولا تأمننَّ عليها إلا من تثق بدينه رافقاً بمال المسلمين حتى يوصِّله إلى وليِّهم فيقسمه بينهم، ولا توكِّل بها إلا ناصحاً شفيقاً وأميناً حفيظاً، غير معنفٍ ولا مجحفٍ، ولا ملغبٍ ولا متعبٍ، ثم أحدر إلينا ما اجتمع عندك نصيِّره حيث أمر الله به. فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه ألا يحول بين ناقةٍ وبين فصيلها ولا يمصر لبنها فيضرَّ ذلك بوليدها، ولا يجهدنَّها ركوباً، وليعدل بين صواحباتها فيذلك وبينها، وليرفه على اللاغب. وليستأن بالنقيب والظالع. وليوردها ما تمرُّ به من الغدر ولا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جواد الطريق، وليروِّحها في الساعات وليمهلها عند النطاف والأعشاب حتى تأتينا بإذن الله بدناً منقياتٍ غير متعباتٍ ولا مجهوداتٍ، لنقسمها على كتاب الله وسنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وآله، فإن ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك إن شاء الله.

من كتابٍ له عليه السلام إلى بعض عمَّاله وقد بعثه على الصدقة:

آمره بتقوى الله في سرائر أمره وخفيَّات عمله، حيث لا شهيد غيره ولا وكيل دونه. وآخره أن لا يعمل بشيءٍ من طاعة الله فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسر، ومن لم يختلف سرُّه وعلانيته وفعله ومقالته فقد أدى الأمانة وأخلص العبادة. وآمره أن لا يجبههم ولا يعضههم، ولا يرغب عنهم تفضُّلاً بالإمارة عليهم، فإنهم الإخوان في الدين والأعوان على استخراج الحقوق. وإنَّ لك في هذه الصدقة نصيباً مفروضاً وحقَّاً معلوماً، وشركاء أهل مسكنةٍ وضعفاء ذوي فاقةٍ، وإنَّا موفُّوك حقَّك فوفِّهم حقوقهم، وإلا تفعل فإنَّك من أكثر الناس خصوماً يوم القيامة، وبؤساً لمن خصمه عند الله الفقراء والمساكين والسائلون والمدفوعون والغارم وابن السبيل. ومن استهان بالأمانة ورتع في الخيانة ولم ينزه نفسه ودينه عنها فقد أحلَّ بنفسه في الدنيا الخزي وهو في الآخرة أذلُّ وأخزى. وإنَّ أعظم الخيانة خيانة الأمَّة، وأفظع الغشِّ غشُّ الأئمة. والسلام.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي