هل تسمحين لي أن أصطاف

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة هل تسمحين لي أن أصطاف لـ نزار قباني

-1-
أيتها المرأة التي تستوطن جهازي العصبي ..
هل تسمحين لي أن أصطاف كما يصطاف الآخرون ؟
وأتمتع بأيام الجبل ..
كما يتمتع الآخرون ..
الجبل مروحة حرير اسبانية
وأنت مرسومة عليها ..
وعصافير عينيك ..
تأتي أفواجاً أفواجاً من جهة البحر ..
كما تطير الكلمات من أوراق دفتر أزرق ..
هل تسمحين لذاكرتي أن تكسر حصار رائحتك ؟
وتشم رائحة الحبق , والوزال , والزعتر البري
هل تسمحين لي ..
أن أجلس على الشرفة الصيفية دقيقة واحدة ؟
دون أن يتسلق صوتك كعريشة زرقاء
على درابزين بيتنا ..
ودون أن أحبك في قهوتي الصباحية ؟
-2-
لقد اشتغلت تسعة شهور ..
عند نهديك المتغطرسين !!..
ولي الحق - ككل عمال العالم -
أن أنال إجازتي السنوية ..
كان أجري قليلاً ..
وحظي قليلاً ..
وراحتاي مشققتين ..
من كثرة الشغل في مناجم الذهب
حتى في أول أيار ..
ذهبت إلى عملي كبقية الأيام
وحرست نهديك النائمين ..
كبقية الأيام ..
حتى القروش القليلة التي ادخرتها
اشتريت بها لهما ..
فطائر اللوز والعسل ..
ولكن نهديك ..
- ككل أولاد العائلات الإقطاعية -
إعتبرتني مملوكاً لهما ..
من عهد أول ملك من ملوك الأسرة النهدية ..
وجلداني تسعين جلدة على ظهري ..
وتسعين جلدة على صدري ..
حتى أسقطت دعواي عنهما ..
وعدن إلى العمل ....
-3-
علقتك في خزانة ثيابي في بيروت ..
وأخذت المفتاح معي ..
خبأت وجهك تحت قمصاني ومناديلي ..
وخرجت على أطراف أصابعي ..
قبل أن تستيقظي ..
...................
..... واليوم .. وأنا أتمشى على طرقات الجبل ..
رأيتك تتكئين على سنبلة قمح ..
وتتسابقين مع عصفور صباحي ..
وتربطين شعرك بغمامة برتقالية ..
ماذا تفعلين هنا ؟
ومن أعطاك عنواني في الجبل ؟
أيتها الواحدة التي اصطدمت بعشقي ..
فصارت امرأة ..
واصطدمت بطقس نهديها الاستوائيين ..
فعرفت حجم رجولتي ..
منحتك البركة والتكاثر ..
وجعلتك كماء البحر .. واحدة .. ومتعددة ..
ووضعت يدي على بياض فخذيك ..
فأصبحت قبيله ..
ماذا تفعلين هنا ؟
حتى الغابة ..
تذكرني كيف كنت تمشطين شعرك ..
فأبكي ..
حتى القمة ..
تذكرني بارتفاع نهديك عن سطح البحر ..
فأدوخ ..
-4-
هل بوسع رجل يحبك مثلي ..
أن يصطاف اصطيافاً طبيعياً ؟
هل بوسعي أن أنفصل عن المجموعة الشمسية
التي تدور منذ ملايين السنين حول عينيك
وأصطاف في إقليم آخر ..
لا يخضع لسلطانك ؟
هل يمكنني أن أمارس هذا الاختيار الصعب ؟
فأجلس كالمجاذيب على كرسي هزاز ..
أقرأ القصص البوليسية ...
وأشرب المياه المعدنية ....
وأمتحن ثقافتي بالكلمات المتقاطعة ..
الاصطياف زمن مسطح ..
وأن مرتبك بزمانك رغم كثرة نتوئاته ..
والاصطياف فراغ .. وأنا ممتلىء بك ..
والاصطياف تغيير ..
وأنا لا أريد أن أغبرك ..
بكنوز الدنيا ..
قولي لي ..
من هو الأبله الذي اخترع كلمة الاصطياف ؟
فرماك كخاتم الذهب على رمال بيروت ..
وفرض علي الإقامة الجبرية
تحت شجرة النوم ..
ربما كان لا يعرف أن الشجرة ..
تبقى ألف سنة على رأس الجبل
ولا تصبح امرأة ..
في حين أنك في اللحظة التي
تدخلين فيه إقليم صدري ..
تصبحين شجرة ..

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي