وحي القلم/ذيل القصة وفلسفة المال

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ذيل القصة وفلسفة المال

ذيل القصة وفلسفة المال - وحي القلم

ذيل القصة وفلسفة المال ذهب الناس يميناً وشمالاً فيما كتبناه من خبر الإمام سعيد بن المسيب وتزويجه ابنته من طالب علم فقير، بعد إذ ضن بها أن تكون زوجاً لولي عهد أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ؛ وقد جعلت قلوب بعض النساء العصريات المتعلمات تصيح وتُوَلْوِل. . .وحدثنا أديب ظريف أن إحداهن سألت عن عنوان عبد الملك بن مروان !.أفتُراها ستكتب إليه أنها تقبل الزواج من ولي عهده ؟على أن للقصة ذيلاً، فإن الطبيعة الآدمية لا عصر لها، بل هي طبيعة كل عصر ؛ والفضيلة الإنسانية يبدأ تاريخها من الجنة، فهي هي لا تتجدد ولا تزال تلوح وتختفي ؛ أما الرذيلة فأول تاريخها من الطبيعة نفسها، فهي هي لا تتغير ولا تزال تظهر وتستسرّ.لما زوج الإمام ابنته من ابن أبي وداعة، أخذها بنفسه إليه في يوم زوّجها منه، ومشى بها في طريق حصاه عنده أفضل من الدر، وترابه أكرم من الذهب.طارت الحادثة في الناس، واستفاض لهم قول كثير: { فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } وقد قال جماعة منهم: تالله لئن انقطع الوحي، إن في معانيه بقية ما تزال تنزل على بعض القلوب التي تشبه في عظمتها قلوب الأنبياء ؛ وما هذه الحادثة على الدنيا إلا في معنى سورة من السور قد انشقت لها السماء، ونزل بها جبريل يخفُق على أفئدة المؤمنين خفقة إيمان.{ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ }.وقال أناس منهم: أما والله لو تهيأ لأحدنا أن يكون لصا يسرق أمير المؤمنين، أو ابن أمير المؤمنين، لركب رأسه في ذلك، ما يردّه عن السرقة شيء ؛ فكيف بمن تهيأ له الصهر والحسب، وجاءه الغنى يطرق بابه، ما باله يردّ كل ذلك ويخزي ابنته برجل فقير تعيش في داره بأسوأ حال ؛ وكيف تثقل همته وتبطؤ وتموت، إذا كان الدر والجوهر والذهب والخلافة، ثم ينبعث ويمضي لا يتلكأ عزمه، إذا كان العلم والفقر والدين والتقوى ؟وانتهى كلام الناس إلى الإمام العظيم، فلم يجئه إلا من الظن خفيّاً خفيّاً، كأنما هي أقوال حسبها ثقال عنه بعد خمسين وثلاثمائة وألف سنة 'في زمننا هذا' حين يكون هو في معاني السماء، ويكون القائلون في معاني التراب النجس الذي نفضته على الشرق نعال الأوروبيين ؟قال الراوي: ولم يستطع أحد من الناس أن يواجه الإمام بشفة أو بنت شفة، لا مضيقاً عليه من قلبه ولا موسعاً، حتى كان يوم من أيام الجمعة، وقد مال الناس بعد الصلاة إلى حلقة الشيخ، وتقصفوا بعضهم على بعض، فغص بهم المسجد، وكان إمامنا يفسر قوله تعالى: { وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }.قال الراوي: فكان فيما قاله الشيخ:إذا هُدي المرء سبيله كانت السبل الأخرى في الحياة إما عداء له، وإما معارضة، وإما ردّاً، فهو منها في الأذى، أو في معنى الأذى، أو عُرْضة للأذى.لقد وجد الطريق ولكنه أصاب العقبات أيضاً، وهذه حالة لا يمضي فيها الموفق إلى غايته، إلا إذا أعانه الله بطبيعتين: أولاهما العزم الثابت، وهذا هو التوكل على الله ؛ والأخرى اليقين المستبصر، وهذا هو الصبر على الأذى.ومتى عزم الإنسان ذلك العزم، وأيقن ذلك اليقين ؛ تحولت العقبات التي تصده عن غايته، فآل معناها أن تكون زيادة في عزمه ويقينه، بعد أن وُضعن ليكُنَّ نقصاً منهما ؛ فترجع العقبات بعد ذلك وإنها لوسائل تعين على الغاية.وبهذا يبسط المؤمن روحه على الطريق، فما بد أن يغلب على الطريق وما فيها، ينظر إلى الدنيا بنور الله فلا يجد الدنيا شيئاً - على سعتها وتناقضها - إلا سبيله وما حول سبيله، فهو ماضٍ قدماً لا يترادّ ولا يفتُر ولا يكل، وهذه حقيقة العزم وحقيقة الصبر جميعاً.ومن ثم لا تكون الحياة لهذا المؤمن مهما تقلبت واختلفت، إلا نفاذاً من طريق واحدة دون التخبط في الطرق الأخرى، ثم لا يكون العمر مهما طال إلا مدة صبر في رأي المؤمن.وعزيمة النفاذ وعزيمة الصبر، هما الضوء الروحاني القوي، الذي يكتسح ظُلُمات النفس، مما يسميه الناس خمولاً ودَعَة وتهاوناً وغفلة وضجراً ونحوها.قال: ولكن كيف يُعان المؤمن على هذه المعجزة النفسية ؟ هنا يتبين إعجاز الآية الكريمة ؛ فقد ذكر فيها التوكل ثلاث مرات، وافتتحت به وختمت ؛ والتوكل هو العزم الثابت كما أوضحنا.وذكرت في الآية بين ذلك هداية المرء سبيله ؛ وهذه الإضافة { سُبُلَنَا } تعين أنها هداية الإنسان إلى سبيل نفسه ؛ أي: سبيله الباطني الذي هو مناط سعادته في الشعور بالسعادة.ثم ذكر الصبر على أذى الناس، والأذى لا يقع إلا في حيوانية الإنسان، ولا يؤثر إلا فيها.فكأن الآية مصرحة أن نجاح المؤمن ونفاذه في الحياة لا يكونان أول الأشياء وآخرها إلا بثلاث: العزم الثابت، ثم العزم الثابت، ثم العزم الثابت، وأن الصبر ليس شيئاً يذكر، أو شيئاً يجدي، إن لم يكن صبراً على أذى الحيوانية في أفظع وحشيتها ؛ فالروح لا تؤذي الروح، ولكن الحيوان يؤذي الحيوان، وأن ما يقع من هذه الحيوانية فيسمى اعتداء من غيرك، ويسمى أذى لك، هو شيء ينبغي أن يجعله العزم فخراً لقوة الاحتمال فيك، كما جعله البطش فخراً للقدرة عند المعتدي.وبهذا يكون العزم قد فصل بين نفسك الروحية وبين شخصك الحيواني، ووهبك حقيقة الشعور، وصحح بمعاني روحيتك معاني حيوانيتك، وحينئذ ترى السعادة حق السعادة ما كان هداية لنفسك أو هداية بها، ولو انقلب في الشخص الحيواني منك أذًى وألماً.ذلك صبر أولي العزم من الرسل.قال الراوي: وعند ذلك صاح رجل كان في المجلس دسه عامل الخليفة، ليسأل الشيخ سؤالاً على ملأ الناس، يكون كالتشنيع عليه والتشهير به ؛ وقد مكر العامل فاختاره شيخاً كبيراً أعقف، ليرحم الناس رقة عظمه وكبر سنه فلا يعرضون له بأذى، ثم ليكون صوته كأنه صوت الدهر من بعيد.قال الصائح: ذلك أيها الشيخ صبر أولي العزم من الرسل، أو صبر ابنتك على مكاره العيش مع ابن أبي وداعة، لا يجد إلا رُمْقة يُمسك بها الرَّمَق عليها، وقد كانت النعمة لها معرضة، فدفعتها إليه - زعمت - لتهلك به شخصها الحيواني، وتوكلت على الله وألقيت ابنتك في اليم ؟فتربّد وجه الشيخ وأطرق هُنَيَّات، ثم رفع رأسه وقال: أين المتكلم آنفاً ؟فارتفع الصوت: ها أنا ذا.قال: ادن مني، فتقاعس الرجل كأنما تهيب ما فرَط منه.فاستدناه الثانية ؛ فقام يتخطى الناس حتى وقف بإزائه ثم جلس ؛ فقرأ الشيخ قوله تعالى: { وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ }.ثم قال: أيها الرجل، لا تسمعني بأذنك وحدها، أرأيتَك لو سمعتَ خبراً ليس في نفسك أصل من معناه، أو ورد عليك الخبر ونفسك عنه في شغل قد أهمها ؛ أفكنت تنشط له نشاطك للخبر احتفلت له نفسك أو أصاب هوى منك أو رأيته موضع اعتبار ؟قال: لا.قال الشيخ: فإذا سمعت بأذنك وحدها فإنما سمعت كلاماً يمر بأذنك مرّاً، وإذا أردت الكلام لنفسك سمعت بأذنك ونفسك معاً ؟قال: نعم.قال الشيخ: فكل ما لا تنفرد به حاسة واحدة، بل تشارك فيه الحواس كلها أو أكثرها، لا يكون إلا موضع اهتمام للنفس ؟قال: نعم.قال الشيخ: فمن هنا يكثر الفرح والحزن كلاهما إذا شاركت فيهما الحواس فيأتي كل منهما كثيراً مهما قل، وتزيد كل حاسة في اللذة لذة وفي الألم ألماً، فتعمل النفس في ذلك أعمالاً تسحر بها، فيكون الشيء لصاحبه غير ما هو للناس، كالصوت الباكي أو الضاحك في لسان طفلك، تسمعه أنت منه بكل حواسك، فإذا أنت سمعت الصوت عينه من لسان رجل في الناس رأيته غير ذاك أكذلك هو ؟قال: نعم.قال الشيخ: أفيكون السرور بالغاً عجيباً أكثر ما هو بالغ، حين يجد المال والغنى في الإنسان، أم حين يجد القوة النفسية وطبيعة المرح والرضى ؟قال: بل حين يجد في النفس. . .قال الشيخ: أرأيت الإنسان يكون سعيداً بما يتوهم الناس أنه به غني سعيد، أم بشعوره هو وإن كان بعد فيما لا يتوهم الناس فيه الغنى والسعادة ؟قال: بل بشعوره.قال الشيخ: أفلا توجد في الدنيا أشياء من النفس تكون فوق الدنيا وفوق الشهوات والمطامع ؛ كالطفل عند أمه، كل ما تعلق به من شيء وُزن به هو لا بغيره، وكان الاعتبار عليه لا على سواه، أتعرف أمّاً ترضى أن يُذبح ابنها في حجرها لِقاء أن يُملأ حجرها ذهباً وإن كانت فقيرة معدمة ؟ قال: لا.قال الشيخ: فإذا كانت النفس تشعر أكثر مما ترى ؛ أفيذهب ما تراه فيما تشعر به، ويكون شعورها هو وحده الذي يلبس ما حولها ويصوره ويصرفه ؟قال: نعم.قال الشيخ: أفتعرف أن لكل نفس قوية من هذا العالم الذي نعيش فيه عالماً آخر هو عالم أفكارها، وإحساسها، وفيه وحده لذات إحساسها وأفكارها ؟قال: نعم.قال الشيخ: أفرأيت المرأة إذا صح حبها أو فرحها أو عزمها، أرأيتها تكون إلا في عالم أفكارها ؟ أرأيت كل ما يتصل برغبتها حينئذ يكون إلا من أشياء قلبها لا من أشياء الدنيا ؟ أرأيتها لا تعيش في هذه الحالة إلا بالمعاملة مع قلبها الذي لا يأكل ولا يشرب ولا يلبس ولا يجمع المال ولا يريد إلا الشعور فقط ؟قال: نعم هو ذاك.قال الشيخ: أرأيت إذا كان الإيمان قد وُلد ونشأ وترعرع في قلب المرأة، ألا يكون هو طفل قلبها ؟قال: نعم.قال الشيخ: أرأيت إذا كانت الخمر عند مُدمنها شيئاً عظيماً، وكانت ضرورة من ضرورات وجوده الضعيف المختل، فلا يستقيم وجوده ولا سفه وجوده إلا بها ؛ أفيلزم من ذلك أن تكون الخمر من ضرورات صاحب الوجود القوي المنتظم ؟قال: لا.قال الشيخ: أفموقن أنت لا بد من آخِر لأيام الإنسان ولياليه في هذه الدنيا، فينقطع به العيش ؟قال: نعم.قال الشيخ: أفيؤرخ الإنسان يومئذ بتاريخ معدته وما حولها، أم بتاريخ نفسه وما فيها ؟قال: بل بتاريخ نفسه.قال الشيخ: فإذا كنتَ صاحب حرب، وكنت بطلاً من الأبطال، ومِسْعَراً من المساعير، وأيقنت الموت في المعركة ؛ أيكون الحقيقي عندك في هذه الساعة هو الموت أم الحياة ؟قال: بل الحياة عندئذ وهْم وباطل.قال الشيخ: فتفرّ في تلك الساعة إلى الحياة ولذاتها في خيالك، أم تفر منها ومن لذاتها ؟قال: بل الفرار منها، فإن خيالها يكون خَبَالاً.قال الشيخ: ففي تلك الساعة التي هي عمر نفسك، وعمل نفسك، ورجاء نفسك ؛ تستشعر اللذة في موتك بطلاً، أم تحس الكرب، والمقت من ذلك ؟قال: بل أستشعر اللذة.قال الشيخ: إذن فهي كبرياء الروح العظيمة على مادة التراب والطين في أي أشكالها ولو في الذهب.قال: هي تلك.قال الشيخ: إذن فبعض أشياء النفس تمحو في بعض الأحوال كل أشياء الدنيا، أو الأشياء الكثيرة من الدنيا.قال: نعم.قال الإمام: يرحمك الله ؛ كذلك مُحي عندنا أمير المؤمنين وابن أمير المؤمنين، ومحي المال والغنى، ولم يكن ذلك عندنا إلا سعادة ؛ ومن رحمة الله أن كل من هدي سبيله بالدين أو الحكمة، استطاع أن يصنع بنفسه لنفسه سعادتها في الدنيا، ولو لم يكن له إلا لقيمات ؛ فإن السعة سعة الخلق لا المال، وإن الفقر فقر الخُلُق لا العيش.قال الراوي: ثم إن الإمام العظيم التفت إلى الناس وقال: أما إني - علم الله - ما زوجتُ ابنتي رجلاً أعرفه فقيراً أو غنيّاً، بل رجلاً أعرفه بطلاً من أبطال الحياة، يملك أقوى أسلحته من الدين والفضيلة.وقد أيقنتُ حين زوجتها منه أنها ستعرف بفضيلة نفسها فضيلة نفسه، فيتجانس الطبع والطبع، ولا مَهْنَأ لرجل وامرأة إلا أن يجانس طبعه طبعها، وقد علمتُ وعلم الناس أن ليس في مال الدنيا ما يشتري هذه المجانسة، وأنها لا تكون إلا هدية قلب لقلب يأتلفان ويتحابَّان.ثم قال الإمام: وأنا فقد دخلتُ على أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأيتهن في دورهن يقاسين الحياة، ويعانين من الرزق ما شح دَرّه فلا يجيء إلا كالقطرة بعد القطرة، وهنّ على ذلك، ما واحدة منهن إلا هي ملكة من ملكات الآدمية كلها، وما فقرهن إلا كبرياء الجنة نظرتْ إلى الأرض فقالت: لا. . .!.يجاهدْنَ مجاهدة كل شريف عظيم النفس، همه أن يكون الشرف أو لا يكون شيء ؛ ويرى الغافل أن مثلهن هالكات في تعب الجهاد، ويعلمن من أنفسهن غير ما يري ذلك المسكين، يعلمن أن ذلك التعب هو لذة النصر بعينها.كانت أنوثتهن أبداً صاعدة متسامية فوق موضعها بهذه القناعة وبهذه التقوى، ولا تزال متسامية صاعدة، على حين تنزل المطامع بأنوثة المرأة دون موضعها، ولا تزال أنوثتها تنحدر ما بقيت المرأة تطمع ؛ ورب ملكة جعلتها مطامع الحياة في الدَّرك الأسفل، وهي باسمها في الوهم الأعلى !وقد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: 'اطَّلعتُ في الجنة فإذا أقل أهلها النساء، فقلت: أين النساء ؟ قال: شغَلَهن الأحمران: الذهب والزعفران' أي: الطمع في الغنى والعمل له، والميل إلى التبرج والحرص عليه.رأيت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيرات مقتوراً عليهن الرزق، غير أن كلا منهن تعيش بمعاني قلبها المؤمن القوي، في دار صغيرة فرشتها الأرض ولكنها من معاني ذلك القلب كأنها سماء صغيرة مختبئة بين أربعة جدران.إنهن لم يبتعدن عن الغنى إلا ليبعدن عن حماقة الدنيا التي لا تكون إلا في الغنى.أف أف ! أتريدون أن أزوج ابنتي من ابن أمير المؤمنين فيخزيها الله على يدي، وأدفعها إلى القصر وهو ذلك المكان الذي جمع كل أقذار النفس ودَنَس الأيام والليالي ؛ أَأُزوجها رجلاً تعرف من فضيلة نفسها سقوط نفسه، فتكون زوجة جسمه ومطلقة روحه في وقت معاً ؟ألا كم من قصر هو في معناه مقبرة، ليس فيها من هؤلاء الأغنياء رجالهم ونسائهم إلا جيف يبلي بعضها بعضاً !قال الراوي: وضج الناس لحمامة صغيرة قد جنحت من الهواء، فوقعت في حجر الشيخ لائذة به من مخافة، وجعلت تدف بجناحيها وتضطرب من الفزع، ومر الصقر على أثرها وقد أهوى لها، غير أنه تمطر ومرق في الهواء إذ رأى الناس.وتناولها الإمام في يده وهي في رجفتها من زلزلة الهواء، وكانت كالعروس مسرولة قد غابت ساقاها في الريش، وعلى جسمها من الألوان نمنمة وتحبير، ولها روح العروس الشابة يُهدونها إلى من تكره ويزفونها على قاتلها الذي يسمى زوجها.وأدناها الشيخ من قلبه، ومسح عليها بيده، ونظر في الهواء نظرة، وهو يقول: نجوتِ نجوتِ يا مسكينة !^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي