يا أيها الروح يهفو حوله الفرح
أبيات قصيدة يا أيها الروح يهفو حوله الفرح لـ علي محمود طه

يا أيها الروحُ يهفو حوله الفرَح
تحيّة أيهذا الصادحُ المَرِح
من أمّةِ الطير هذا اللحن ما سمعت
بمثله الأرض لا روضٌ ولا صدَح
أنت الذي من سماء الروح منهلُه
خمرٌ إليهةٌ لم تحوِها قدَحُ
يفيضُ قلبُك ألحانا يسلسلها
فنّ طليقٌ من الوجدانِ مسرِح
وعالياً عاليا لا زلت منطلقاً
عن الثرى تصل الآفاق آمادا
مثل السحابة من نار مسعّرَة
والبرق مؤتلقا والنجم وقّادا
يهفو جناحاكَ في أعماقِ زرقتها
وأنت تضرب في الآفاقِ مرتادا
تشدو فَتُمعن في أجوازها صعدا
فإن علوت بها أمعنت إنشادا
ومائج ذهبيّ النتور قد غرقت
في ذوبِه الشمس عبر العالم الثاني
توَهِّج السحب البيضاء حمرتهُ
فتستحيل عليها ذات ألوان
أشعةٌ ذات أمواج غدَوتَ بها
تطفو وترسب في لجيّها القاني
كأنما أنت جذلانا تراوحنا
روحٌ من الطرب العلويّ نوراني
تذوب حولك إما طرتَ في أفقٍ
غلالةُ الأرجوان الشاحب الساجي
كنجمةٍ في سماء الليل خافقة
تذوب في فلَقٍ للصبح وهّاج
يا من تطرّبني ألحان غبطَتهِ
وما رأيت له طيفا بعراج
ألا أراك فإني سامعٌ نغما
يهفو إليّ بإطرابٍ وإبهاج
وصاعدا في مضاء السهم أرسلَهُ
قوسٌ من الكوكب الفضيّ منزعه
ينأى فيخبو رويدا وهج شعلَتهِ
حتى يلاشى كأن الفجر يتبعه
ونرسل العين نرعاه هنا وهنا
وما يبين لنا من أين مطلع
حتى إذا عزّنا المرأى وأجهدنا
دلّ الشعور على أن ذاك موضعه
هذي السماء بموسيقاك مائجةٌ
والأرضُ يغمرُها من صوتك الطرَب
وصفحة الليلِ أصفى ما يكون سوى
غمامة خّلتها وحدها السحُب
وقد بدا القمرُ الوضاح يمطرها
إرسالَ ضوء على الآفاقِ ينسَكِب
يرمي السموات سيل من أشعّتها
تكاد تسبحُ في طوفانهِ الشهُب
من أنت يا من يجوب الليل منفردا
ولم تقع لي عليه بعد عينان
أي الخليقة قل لي أنت تشبهه
وأيها منك في أوصافه داني
وهذه السحبُ أصباغاً مشكّلةً
في رائعٍ من فريدِ اللون فتّانِ
لا ينزلُ الغيثُ منها مثلما نزلت
شتّى أغانيكَ في سحريّ ألحانِ
كشاعرٍ في سماء الفكر مختبىءٍ
دلّ الوجود عليه لحنُه العالي
ألحان أغنيةٍ أمسى يُرتّلها
كمرسلٍ من نشيد الخلدِ سيّال
أسلنَ بالعالم السالي خوالجَه
حتى استحال شجوناً قلبه الخالي
يعثن من ألم فيه ومن أمل
ما لم يكن منه في يوم على بال
كأن حوريةً في ظلّ شاهقةٍ
من البروج تقضّي العيشَ في خلس
لم يغمضِ النوم عينيها ولا خمدت
نيران قلب لها في فحمَةِ العلس
باتت تلطّفق آلاما تساورها
في عزلة بنشيد ساحر الجرسِ
تطوف ألحانُ موسيقاه مخدعها
كأنه الحبّ في إيقاعه السلسِ
كأن بين الربا التفّت خمائلُها
فراشةٌ من سبيك التبر جلواء
يا حسن أجنحةٍ منها مذهبةٍ
قد رقّثتها من الأسحارِ أنداء
تُري السماء صفاءً فهي إن خطرت
فللسماء بهذا اللّون إغراء
تجلو الأزاهر والأعشابَ طلعتُها
إذا بدت ولها فيهنَ إخفاء
كزهرة الحقل في غيناء سرحتها
لم يملأ النور من أجفانها حدقا
حتى إذا لفَحَتها الريح هاجرةً
زكت وأربت على أملودها ورقا
وأرّجَ الحقلَ من أنفاسها عبقٌ
يشوق كل جناحٍ نحوها خفَفا
تهفو إليها من الأنسام أجنحةٌ
من كل منطلق من عطرها سرقا
ووقعُ لحنك في الأسحارِ أرخمُ من
وقعِ الندى فوق أعشاب البساتين
قد نقّط الزهرَ المنضور سلسلُه
وجاد بالطلّ أفوافَ السرياحين
يا من على صوته في الأفق منسجماً
تصحو الأزاهرُ في أفنانها العين
كل البدائع مهما افتنّ مبدعُها
لم تعد لحنك في صوغ وتلحين
قل لي أمن ملَكوتِ الروح منطلقٌ
أم طائرٌ أنت في الآفاقِ هيمان
أيّ الخواطرِ من حسنٍ ومن بهَجٍ
يشيعها منك في الأرواحِ وجدان
لم تشرئبّ قلوبٌ من أضالعها
لغير صوتك أو تنصبّ آذانُ
حديث حب وخمر بات يسكبهُ
من جانب اللَه أنغامٌ وألحانُ
من أين تلك الأغاني أنت ترسلها
من أيّ مطّردِ الينبوع منسجمِ
من أيّ ثائرةِ الأمواجِ زاخرةٍ
أي السهولةِ والأغوارِ والقمَمِ
من أيّ ضاحية الآفاقِ صاحيةٍ
أي السهولة والأغوارِ والفمَمِ
وأيّ حبٍّ أليف منك أو وطنٍ
وأيّ جهل لما نلقاه من ألم
وفي منامكَ والآفاقُ حالمةٌ
وفي نتباهك والظلماءُ إصغاء
لا بدّ من نباءٍ للموت تعرفهُ
وفي فؤادكَ عنه اليوم أشياءُ
لأنتَ أعمق فكراً في حقائقه
مما نراه ونحن اليوم أحياء
أو لا فكيف انسجام اللحن مطّرداً
يجريه من رائق البللور لألاء
إنا نفكّرُ في ماضٍ بلا أثَرٍ
ومقبل من حياة كلها غيبُ
ومستحيل نرجّي برق ديمتِهِ
وكل ما نرتجيه منه مختلب
وكم لنا ضحكاتٌ غير صادقةٍ
ما لم يشب صفوها التبريح والوصبُ
وإن أشهى الأغاني في مسامعنا
ما سالَ وهو حزينُ اللحنِ مكتئب
هبنا على رغمِ هذا ليس يجمعُها
بالحقد أو كبرياء النفسِ أوهاق
فلا القلوب لدى البأساء جازعةٌ
ولا بهنّ إذا روعن إشفاق
فكيف كنا إذا نلقاك في فرحٍ
أو يغمر الروح لحن منه رقراق
يا أعذب الطير موسيقى وأروعَها
من كل رائق أنغام وألحان
ويا أعزّ لنا من كل ما جمعت
نفائسُ الكتب من دريّ تبيان
يا ما أحقّ اقتدار منك قدرته
بشاعر لبقِ التصورِ فنّان
أنت المبرّأ في حبّ وعاطفةٍ
يا من تعاليتَ عن أرضٍ وإنسانِ
أما تعلّمني مما يفيضُ به
غناؤكَ العذبُ تطرابا وتحنانا
ذاك الحنون الذي يهدي توافقهُ
إليّ من صدحات الخلد ألحانا
ألستَ تلهمني وحيا يفيضُ به
فمي فأملا قلب الكون إيمانا
أشدو فيلقي إليّ الكون مسمعه
يصغي إليّ كما أصغي لك الآنا
شرح ومعاني كلمات قصيدة يا أيها الروح يهفو حوله الفرح
قصيدة يا أيها الروح يهفو حوله الفرح لـ علي محمود طه وعدد أبياتها خمسة و سبعون.
عن علي محمود طه
علي محمود طه المهندس. شاعر مصري كثير النظم، ولد بالمنصورة، وتخرج بمدرسة الهندسة التطبيقية، وخدم في الأعمال الحكومية إلى أن كان وكيلاً لدار الكتب المصرية وتوفي بالقاهرة ودفن بالمنصورة. له دواوين شعرية، طبع منها (الملّاح التائه) ، (وليالي الملاح التائه) و (أرواح شاردة) و (أرواح وأشباه) و (زهر وخمر) و (شرق وغرب) و (الشوق المائد) و (أغنية الرياح الأربع) وهو صاحب (الجندول) أغنية كانت من أسباب شهرته.[١]
تعريف علي محمود طه في ويكيبيديا
علي محمود طه المهندس (1901-1949) شاعر مصري من وضح الرومانسية العربية لشعره بجانب جبران خليل جبران، البياتي، السياب وأمل دنقل وأحمد زكي أبو شادي.[٢]
- ↑ معجم الشعراء العرب
- ↑ علي محمود طه - ويكيبيديا