جمهرة الأمثال/الجواد يعثر

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الجواد يعثر

الجواد يعثر - جمهرة الأمثال

يضرب مثلاً للرجل الصالح يسقط السقطة، ويقولون: لكل حسام نبوة، ولكل جواد كبوة، ولكل حليم هفوة، ولكل كريم صبوة.سمعت بعض الشيوخ يقولون: أول من قال: لكل جواد كبوة ابن القرية، ولا اعرف ما صحة ذلك ! ولعله ألم بقول ابن القرية فقال ذلك ؛ وهو الذي أخبرنا به أبو أحمد، قال: أخبرنا أبي، عن عسل بن ذكوان، عن رجل من قريش، قال: دخل ابن القرية على الحجاج، فقال: يا عدو الله، خرجت علي مع ابن الأشعث ! قال: أصلح الله الأمير ! كيف مقالة الأسير المقهور الضرير، المغلول حده، التعس جده، ليس له من ظالمه نصير، ولا في أمره مشير، ولا له ملجأ ولا عشير، إني لما وصفتك لهم بالعلاء، وخصصتك بالحمد والثناء شددت بالوثاق، وضيق علي الخناق، وتلألأت فوقي السيوف، وتعرضت لي الحتوف، فإن لم يجد الأمير لي عذراً فليحل بي عقابه، وليبسط علي عذابه، فقال: كذبن يا بن اللخناء، الفنج النوكاء، بل كان قلبك منافقاً، ولسانك مماذقاً، وأردت إخفاء ما الله مظهره من غدرك، وإسرار ما الله معلنه من أمرك.ثم قال: نعم السمير أنت يا بن القرية ! لولا تصديرك الكتب لعبد الرحمن بن الأشعث، فصر إلى هند، فأبلغها عني طلاقها، الكلمتين لا تزد عليهما، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم فصار إليها، فقال: إن الأمير يقول لك: كنت فبنت، فقالت: والله ما فرحنا به إذ كان، ولا حزنا عليه إذ بان، قال: وقد أمر لك بمائة ألف درهم متاعاً، قالت: هي لك بشرى.ثم انصرف، فقال له الحجاج: أعد لي خطبةً أخطب بها، فأعدها، قال: وتقدمني إلى المسجد لتنظر ما يكون لي فيها.ولما انصرف قال: كيف رأيتني ؟ قال: رأيت الأمير خطيباً مصعقاً، قال: لتخبرني، قال: رأيت الأمير يشير باليد، ويكثر بالرد، ويستعين بأما بعد.قال: ثم دعا بالنطع، فقال ابن القرية: إن رأيت أن تأذن لي بكلمات أتكلم بهن يكن بعدي مثلاً، قال: هاتهن، قال: أيها الأمير، لكل جواد كبوة، ولكل شجاع نبوة، ولكل كريم هفوة، ثم أنشأ يقول:

أقلني أقلني لا عدمتك عثرتي

فكل جواد لا محالةً يعثر

لعمري لقد حذرتني ونعيتني

وبصرتني لو أنني كنت أبصر

ليالي سهامي في اليدين صحيحة

ألا كل سهم مرةً يتكسر

وأحسن ما يأتي امرؤ من فعاله

تجاوزه عن مذنب حين يقدر

قال الحجاج: هيهات يا بن القرية، ليس ذا بحين مزاح، وأنشأ يقول:

لتركك تغرير وقتلك راحة

ومالي والتغرير والقلب يعصر !

وتالله لاستعليت في القوم سادراً

تحرض أقواماً علي وتهمر

ويروى أعدائي وهو أجود، ثم وضع الحربة في نحره، فأشخب أوداجه.وفي معنى المثل قول الشاعر:

فإن الغمام الغر يخلف ودقه

وإن الحسام العضب تنبو مضاربه

وقول غيره:

والسيف ينكل وهو بادي الرونق

وقريب منه قولهم: من لك بأخيك كله ونظمه أبو تمام فقال:

ما غبن المغبون مثل عقله

من لك يوماً بأخيك كله

وروي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أخبرنا أبو أحمد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا بن أبي طاهر، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'لا حليم إلا ذو أناة، ولا عليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة'.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي