جمهرة الأمثال/ببقة صرم الأمر

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ببقة صرم الأمر

ببقة صرم الأمر - جمهرة الأمثال

يضرب مثلاً للمكروه سبق به القضاء، وليس لدفعه حيلة.وصرم، أي قطع وفرغ منه، والصريمة: العزيمة على الفعل. والمثل لقصير مولى جذيمة بن مالك الأبرش وكان أبرص، فكني عنه، فقيل: الأبرش، والوضاح ؛ على أن بعض العرب يتبرك بالبرص ويمدحه، قال ابن حبناء:

لا تحسبن بياضاً في منقصةً

إن اللهاميم في أقرابها بلق

وذكر أن جذيمة كان يفتخر بالبرص، ولو كان كذلك ما كني عنه بالبرش والوضح، وقال بعضهم:

يا كأس لا تستنكري نحولي

ووضحاً أوفى على خصيلي

فإن نعت الفرس الرحيل

يكمل بالغرة والتحجيل

وقال آخر:

أبرص فياض اليدين أكلف

والبرص أندى باللهى وأعرف

وقال غيره:

نفرت سودة عني أن رأت

صلع الرأس وفي الجلد وضح

قلت: يا سودة هذا والذي

يكشف الكربة عنا والترح

هو زين لي في الوجه كما

زين الطرف تحاسين القرح

وزعموا أن بلعاء بن قيس لما شاع في جلده البرص قيل له: ما هذا ؟ قال: سيف الله جلاه.وقال آخر:

ليس يضر الطرف توليع البلق

إذا جرى في حلبة الخيل سبق

وكان جذيمة على ثغر العرب من قبل أردشير بن بابك، فخطب الزباء بنت عمرو بن طريف، وكانت على الشام والجزيرة من قبل الروم، وكانت بنت على شاطئ الفرات قصوراً ومدائن لا يسلكها سالك، ولا يدركها طالب، وشققت في الفرات أنفاقاً تفزع إليها إذا خافت، فأجابت جذيمة، فهم بالرحيل إليها، واستخلف على ملكه ابن أخته عمرو بن عدي، فنهاه قصير عن ذلك فعصاه، وسار حتى كان بمكان يدعى بقة بين هيت والأنبار، فقال له قصير: ارجع ودمك في وجهك، فأبى وقال: لا يطاع لقصير أمر فسار مثلاً.وظعن جذيمة، فلما عاين الكتائب دونها هالته، فقال لقصير: ما الرأي ؟ فقال: تركت الرأي بثني بقة فسار مثلاً، قال: علي ذاك، قال: إن كان الذي تحب وإلا فأنا معرض لك العصا وهي فرس كانت لجذيمة لا تجارى فاركبها وانج، فلما أحاطوا به عرضها له، فلم ينتبه، فقال قصير: فسار مثلاً، وركبها قصير فنجا، فالتفت جذيمة فرآه عليها يشتد، فقال: يا ضل ما تجري به العصا !، فسار مثلاً، وأدخل جذيمة على الزباء، فكشفت له عن عورتها، فقالت: أشوار عروس ترى ! فأرسلتها مثلاً، وإذا هي قد عقدت شعر عانتها من وراء وركيها، وإذا هي لم تعذر، فقال جذيمة: بل شوار بظراء تفلة، فقالت: والله ما ذاك من عدم مواس، ولا من قلة أواس، ولكن شيمة ما أناس، ثم أمرت برواهشه وهي عروق اليد فقطعت، واستنزفته، حتى إذا ضعف ضرب بيده، فقطرت قطرة من دمه على دعامة رخام، فقالت: لا تضيعن من دمك شيئاً، فإنه شفاء من الخبل، فقال: ما يحزنك من دم ضيعه أهله، فسار مثلاً.وورد قصير على عمرو بن عدي، فلما رآه من بعيد قال: خير ما جاءت به العصا، فسار مثلاً، وأخبره الخبر، وقال: اطلب بثأرك.قال: كيف وهي أمنع من عقاب الجو !، فأرسلها مثلاً.فقال قصير: أما إذا أبيت فإني سأحتال فدعني وخلاك ذم فأرسلها مثلاً.فعمد إلى أنفه فجدعه، ثم أتى الزباء، وقال: اتهمني عمرو في مشورتي على خاله بإتيانك فجدعني، فلم تقر نفسي عنده، ولي بالعراق مال كثير، فأرسليني بعلة التجارة، حتى آتيك بطرائف العراق، ففعلت، فأطرقها فسرت، وفعل ذلك مراراً، وتلطف حتى عرف موضع الأنفاق، ثم أتى عمراً وقال: احمل الرجال في الصناديق على الإبل، فلما داناها نظرت إلى العير تقبل، فقالت: إنها لتحمل صخراً، وتطأ في وحل، وأنشدت:

أرى الجمال مشيها وئيدا

أجندلاً يحملن أم حديدا

أم صرفاناً تارزاً شديداً

أم الرجال جثماً قعودا

فلما توسطوا المدينة خرجوا مستلئمين، فشدوا عليها، فهربت تريد النفق، فاستقبلها قصير وعمرو فقتلاها، وقيل: بل كان لها خاتم فيه سم فمصته، وقالت: بيدي لا بيد عمرو فذهبت مثلاً، فقال المتلمس:

ومن حذر الأوتار ما حز أنفه

قصير ورام الموت بالسيف بيهس

وقال نهشل بن حري:

ومولىً عصاني واستبد برأيه

كما لم يطع بالبقتين قصير

فلما رأى ما غب أمري وأمره

وولت بأعجاز الأمور صدور

تمنى نئيشاً أن يكون أطاعني

وقد حدثت بعد الأمور أمور

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي