ديوان المعاني/أجود ما قيل في الصباح من شعر الأعراب

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أجود ما قيل في الصباح من شعر الأعراب

أجود ما قيل في الصباح من شعر الأعراب - ديوان المعاني

أجود ما قيل في الصباح من شعر الأعراب

أخبرنا أبو أحمد، أخبرنا أبو بكر ابن دريد، عن أبي حاتم عن الأصمعي، قال:نزلت بقوم من غنى وقد جاوروا قبائل من بني عامر بن صعصعة، فحضرت ناديهم وهناك شيخ طويل الصمت عالم بالشعر، قد جعل الناس يأتونه من كل ناحية، فيجلسون إليه وينشدون أشعارهم، فإذا سمع الشعر الجيد قرع الأرض بمحجنة، فينفذ حكمه على من حضر منهم بشاة، إذا كان ذا غنم، وابن مخاض إن كان ذا إبل، فذبح أو نحر لأهل الوادي فقال حضرتهم يوماً والشيخ جالس فأنشده بعضهم يصف القطا:

غدَتْ في رعيل ذي أداوَى منوطةٍ

بلباتها مربوعة لم تُمَرَّخ

إذا سَرْبَخٌ عطت مجال سرائه

تمطعتْ فحطتْ بينَ أرجاءِ سربخ

فقرع الشيخ الأرض بمحجنة وهو صامت. ثم أنشده آخر يصف ليلة:

كأنَّ شميطَ الصبح في أخرياتها

مُلاةٌ ينقي من طيالسةٍ خُضرِ

تخال بقاياها التي أسأر الدُّجى

تمدُّ وشيعاً فوق أردية الفجرِ

فقام الشيخ كالمجنون، مصلتاً سيفه، حتى خالط البرك فجعل يضرب يميناً وشمالاً. وهو يقول:

لا تُفرغنْ في أذنيَّ بعدها

ما يستفزٌّ فأريك فقدها

إني إذا السيفُ تولى ندَّها

لا أستطيعُ بعد ذاك ردَّها

قال أبو هلال رحمه الله تعالى:وهذا دليل على أن علم الشعر، والتمييز بين جيده ورديئه، كان غزيزاً عند أهل البوادي، وهم أصوله ومنبعه ومعدته، وكان فعل هذا الشيخ، واستفزاز جيد الشعر له قريباً، مما روي عن محمد الأمين، أنه قال: إني لأطرب على حسن الشعر كما أطرب على حسن الغناء. ومن غريب ما قيل في الصبح، من الشعر القديم قول ذي الرمة، وقد أجمع الناس على أنه أحسن العرب تشبيهاً:

وقد لاحَ للساري الذي كمل السُّرى

على أخرياتِ الليلِ فتقٌ مُشَهَّرُ

كلونِ الحصانِ الأنبطِ البطن قائماً

تمايلَ عنهُ الجلُّ واللونُ أشقرُ

وهذا أحسن تشبيه أكمله، الأنبط: الأبيض البطن، شبه بياض الصبح تحت حمرته ببياض بطن فرس أشقر. أخذه ابن المعتز فقال:

وما راعنا إلاّ الصباحُ كأنهُ

جلالُ قباطيّ على فرسٍ ورد

وقال أو قال غيره:

بدا والصبحُ تحتَ الليلِ بادٍ

كمهرٍ أشقرٍ مُرخى الجلالِ

ومن أغرب ما قاله محدث فيه قول ابن المعتز:

وقد رفعَ الفجرُ الظلامَ كأنَّهُ

ظليمٌ على بيضٍ تكشفَ جانبه

وقد أبدع أيضاً في قوله:

قد اغتدى والليلُ في جلبابه

كالحبشيِّ فَرَّ من أصحابِهْ

والصبحُ قد كشفَ عن أنيابه

كأنما يضحكُ من ذهابه

وقال أبو نواس:

فقمتُ والليلُ يجلوهُ الصباحُ كما

جلا التبسمُ عن غُرِّ الثنياتِ

وفي ألفاظ هذا البيت زيادة على معناه. وقال:

لما تبدى الصبحُ من حجابه

كطلعةِ الأشمطِ من جلبابه

وهذا من قول الآخر:

كطلعة الأشمط من برد سمل

وقال ابن المعتز:

وقد قفوت الغيثَ ينطفُ دجنُه

والصبحُ ملتبِسٌ كعينِ الأشهلِ

وقلت:

باكرتُها والخيلُ في البكورِ

والصبحُ بالليلِ مكوث النورِ

كما خلطت المسكَ بالكافور

وقال ابن المعتز:

أما ترى الصبحَ تحتَ ليلته

كموقدٍ باتَ ينفخُ الفحما

وقال:

والليل قد رقَّ وأصفى نجمهُ

واستوفز الصبحُ ولما ينتقب

معترِضاً بفجرهِ في ليلةٍ

كفَرسٍ بيضاءَ دهماءَ اللّبب

وقال العلوي وأجاد المعنى:

والصبحُ في صفحِ الهواءِ موَرَّدٌ

مثلُ المدامةِ في الزُّجاجِ تشعشعُ

وقلت:

إلى أن طوينا اليومَ إلاّ بقيةٌ

يضلُّ ضياءُ الشمسِ عنها فيزلقُ

وجلّلِ وجهَ الشمسِ بُردٌ ممسكٌ

وقابلهُ للغربِ بُردٌ ممشّقُ

فلاح لنا من مَشرق الشمسِ مغربٌ

وبان لنا من مغرب الشمسِ مَشرِقُ

ومدَّ علينا الليلُ ثوباً منمّقاً

وأشعلَ فيه الفجر فهو يحرق

وصبحنا صبحٌ كأنَّ ضياءَهُ

تعلمُ منّا كيف يبهى ويُشرقُ

وقلت:

ركبت أعجاز ليالٍ مظلمة

مطرزاتٍ بالصباح معلمه

أخطرُ في بردتها المسهمه

والرَّوضُ في حلته المنمنه

قد نثر الليلُ عليه أنجمه

والنبتُ قد دَنَّرَهُ ودرهمه

وقد وشى رداءُه ورقمه

وقال بعض الأعراب:

والليلُ يطردُهُ النهارُ ولا أرى

كالليلِ يطردُه النهارُ طريدا

وتراهُ مثل البيتِ مالَ رواقهُ

هتك المقوض ستره الممدودا

وهذا شعر مطبوع. وقال أبو نواس:

قد اغتدى والليلُ في حريمه

معسكر في العزِّ من نجومِهْ

والصبحُ قد نسم في أديمه

يدعه بطرفي حيزومه

دع الوصي في قفا يتيمه

ومن الاستعارة المصيبة في صفة الصبح قول سالم بن وابصة:

على حين أثنى القومُ خيراً على السرَى

وطارَ بأخرى الليل أجنحة الفجرِ

والنصف الأول من قول الآخر:

عند الصباح يحمد القوم السرى

وقال العلوي الأصفهاني:

وليل نصرتُ الغيَّ فيه على الرُّشد

وأعديتُ فيه الهزلَ مني على الجدِّ

وضيعتُ فيه من عناقِ معانقي

فظنَّ وشاتي أنني نائمٌ وحدي

إلى أن تجلى الصبحُ من خلل الدُّجى

كما انخرطَ السيفُ اليماني من الغمدِ

وقلت:

حتى أزالَ الصبحُ فاضلَ ذيله

كالنيل يخطرُ في نوادي يعربِ

وقد أحسن ابن المعتز في صفة النجم يبدو في حمرة الفجر حيث يقول:

قد اغتدى على الجيادِ الضمر

والصبحُ قد أسفرَ أو لم يسفرْ

كأنه غرَّةُ مهرٍ أشقر

حتى بدا في ثوبهِ المعصفرِ

ونجمهُ مثل السِّراج الأزهرِ

وقال الشمردل بن شريك:

ولاحَ ضوءُ الصبحِ فاستبينا

كما أرتْنا المفرق الدهينا

وقال التنوخي:

والثريا كَلواءٍ

خافق من فوقِ مرقبِ

وبدا الفجرُ كسيفٍ

في يدِ الجوزاءِ مذهب

وقلت:

أديرا عليّ الكأسَ والليلُ راحلُ

وفي إثره للصبح بلقٌ شوائلُ

ترفع عنه منكبُ الليل فانجلى

كما ابتسمتْ لمياءُ والسترُ مائل

وقال التنوخي:

وبدا الصبح كالحسام علاه

علق فوقَ شفرتيهِ متاع

وقال:

أسامره والليل أسود أورق

إلى أن جلا الإصباح عن أشقر وردِ

تبسم محمرّاً خلال سواده

تبسمَ وردِ الخدِّ في الصدغ الجعد

ومن حسن الاستعارة في الشفق قول ابن المعتز:

ساروا وقد خضعتْ شمس الأصيلِ لهم

حتى توقَّدَ في جنح الدُّجى الشفقُ

لحاجةٍ لم أضاجع دونها وَسَناً

وربما جرَّ أسبابَ الكرى الأرقُ

وأبرع بيت قيل في الصبح من شعر المحدثين قول ابن المعتز

والصبحُ يتلو المشتري فكأنه

عُريانُ يمشي في الدجَّى بسراجِ

والناس يظنون أنه ابتدأه وابتكره، وإنما أخذه من قول ابن هرمة في وصف السحاب والبرق:

تؤام الودْق كالزَّاح

ف يزجى خلفَ اطلاحِ

صدوق البرقِ كالسكرا

ن يمشي خلفه الصاحي

كأنَّ العازفَ الحنى

أوْ أصواتَ نواح

على أرجائهِ والبر

ق يهديه بمصباح

وهذا البيت مضطرب الرصف مضمن لا خير فيه والمعنى بارد. ومن أطرف ما قيل في الليالي الطيبة قول ابن المعتز:

تلتقطُ الأنفاسُ بردَ الندى

فيهِ فتهديهِ لحرِّ الهمومِ

وقلت:

وقد غَدوْتُ وصبغُ الليلِ منتقصٌ

وغرَّة الصبحِ مصقولٌ حواشيها

وغربت أنجمُ الظلماء وانحَدرَتْ

فشالَ أرجلها وأنحطَّ أيديها

فأما أجود ما قيل في الشمس مما أنشدناه أبو القاسم، عن عبد الوهاب، عن العقدي، عن أبي جعفر، عن ابن الأعرابي، قديماً في صفة الشمس فقال وهو أحسن وأتم ما قالته العرب فيها:

مخبأةٌ أما إذا الليلُ جنّها

فتخفى وأما بالنهارِ فتظهرُ

إذا انشقَّ عنها ساطعُ الفجرِ فانجلى

دُجى الليل وانجابَ الحجابُ المستر

وألبس عرضَ الأرضِ لوناً كأنه

على الأفق الشرقيِّ ثوبٌ معصفرٌ

ولونِ كدرعِ الزَّعفرانِ مشبه

شعاع يلوحُ فهو أزهرُ أصفرُ

إلى أن علتْ وابيضَّ عنها اصفرارُها

وجالتْ كما جالَ المليحُ المشهر

ترى الظلّ يطوى حينَ تعلو وتارةً

تراهُ إذا مالتْ إلى الأرض ينشر

وتدنف حتى ما يكاد شعاعها

يبينُ إذا ولتْ لمن يتبصرُ

وأفنت قروناً وهي في ذاك لم تزل

تموتُ وتحيا كلَّ يومٍ وتنشرُ

وأنشدناه أيضاً أبو أحمد، عن الصولي، عن علي بن الصباح، عن ابن أبي محلم، على غير ما تقدم هنا أخذ ابن الرومي قوله:

وقد جعلت في مجنح الليل تمرض

ومن بديع ما قيل في انقلابها عند الغروب قول الراجز:

وصارت الشمس كعين الأحول

ولأعرابية تذكر السحاب:

تطالعني الشمسُ من دونها

طلاع فتاة تخافُ اشتهارا

تخافُ الرَّقيبَ على سرِّها

وتحذرُ من زوجها أن يغارا

فتستر غُرَّتها بالخمارِ

طوراً وطوراً تزيل الخمارا

وقال ابن المعتز وأغرب:

تظلُّ الشمس ترمقنا بلحظ

خفي مدنف من خلفَ سترِ

فتحاولُ فتقَ غيم وهو يأبى

كعيني يريدُ نكاحَ بكرِ

وقال ابن طباطبا:

وأقذيت عين شمس فحكت

من خللِ الغيم طرفَ عمشاءِ

وقلت:

فيا بهجة الدنيا إذا الشمس أشرقت

كما أشرقت فوق البرية زينب

يفضضُ منها الجوُّ عندَ طلوعها

ولكنَّ وجهَ الأرض فيها مُذّهَّبُ

وتحسبُ عين الشمسِ إذ هي رنقت

على الأفقِ الغربيِّ تبراً يذوبُ

وقلت في يوم صحو:

ملأ العيونَ غضارةً ونضارةً

صحوٌ يطالعنا بوجهٍ مونقِ

والشمسُ واضحةُ الجبين كأنها

وجهُ المليحة في الخمارِ الأزرقِ

وكأنها عندَ انبساطِ شعاعِها

تبرٌ يذوبُ على فروعِ المشرقِ

جَرَّت إذا بكرت ذُيولَ مزَعفرٍ

وتجرُّ إنْ راحتْ ذُيولَ ممشقِ

فشربتها عذراءَ من يدِ مثلها

تحكي الصباحَ مع الصباحِ المشرقِ

وقال ابن طباطبا:

وشمس تجلت في رداءٍ معصفر

كأسماء إذ مدت عليها إزارها

وقال ابن المعتز فيها عند غروبها:

حتى علا الطودَ ذيلٌ من أصائله

كما يصفرُ فودي رأسه الحرفُ

وقال أبو نواس:

قد اغتدي والشمسُ في حجابها

مثل الكَعابِ الخَودِ في نقابها

وقال ابن الرومي وهو من المشهور:

كأنَّ خبوّ الشمس ثم غُروبها

وقد جعلتْ في مجنح الليل تمرضُ

تخاوصُ عينٍ بين أجفانِها الكرى

يرنقُ فيها النومُ ثم تغمضُ

ومن جيد ما قيل في احمرارها عند المغيب قول ابن الحاجب:

وكأنها عندَ الغرو

بِ جُفونُ عينِ الأرمدِ

وقال ابن الرومي وهو من المشهور:

إذا رَنَّقتْ شمسُ الأصيلِ ونفضت

على الأفق الغربيِّ ورساً مذعذعا

وَودَّعتِ الدُّنيا لتقضي نحبها

وشوّلَ باقي عمرها وتشعشعا

ولاحظت النوار وهي مريضةٌ

وقد وضعتْ خدّاً على الأرضِ أضرعا

كما لاحظت عوادَهُ عينُ مدنَفٍ

توجَّعَ من أوصابهِ ما تَوَجَّعا

وظلت عيون الرَّوض تخضلّ بالندى

كما اغرَوْرَقَتْ عينُ الشجيِّ لتدمعا

وبَيَّن إغضاءُ الفراقِ عليهما

كأنهما خِلاّ صفاءٍ تودَّعا

وقال الآخر

والشمسُ تؤذنُ بالشروقِ كأنها

خَوْدٌ تلاحظُ من وراءِ حجابِ

وقال السري:

ومن قصور عليه مُشرفة

تضيءُ والليلُ أسودُ الحجبِ

بيضٌ إذا الشمسُ حانَ مغربُها

حسبت أطرافهنَّ من ذهبِ

ومن بديع ما قيل فيها من شعر المتقدمين قول أبي ذؤيب:

سبقت إذا ما الشمسُ عادت كأنها

صلاءَة طيبٍ ليطها واصفرارُها

ومن جيد ما قيل في النهار قول أعرابي:

فإذا أشرَقَ النهارُ تراها

راملات في مثل ماء زلالِ

وقلت:

ويخبطنَ الصباحَ إذا تبدّى

كما يكرعنَ في الماء الزَّلالِ

وقلت:

وعلى الصباحِ غلالةٌ فضيةٌ

فيها طرازٌ من خيالك مُذْهّبُ

آخر الباب السادس، والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين. نهاية الجزء الأول^

ديوان المعاني

الجزء الثاني هذا كتاب المبالغة

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي