ديوان المعاني/أجود ما قيل في صفة النساء

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أجود ما قيل في صفة النساء

أجود ما قيل في صفة النساء - ديوان المعاني

أجود ما قيل في صفة النساء

من الشعر القديم، ما أخبرنا به أبو أحمد قال: قال ابن سلام أحسن ما قيل في صفة النساء:

كأن بيضَ نعام في ملاحفِها

إذا اجتلاهنَّ قيظُ ليلهِ ومدّ

وتشبيه النساء ببيض النعم، تشبيه قديم وهو كثير مشتهر. قالوا أحسن ما قيل في الوجه، من الشعر القديم قول قيس بن الخطيم:

تَبدَّتْ لنا كالشمسِ تحت قناعها

بدا حاجبٌ منها وضنّت بحاجبِ

مأخوذ من قول النمر بن تولب:

فصدَّتْ كأنَّ الشمس تحت قناعها

بدا حاجبٌ منها وضنَّت بحاجبِ

وهو أحسن ما قيل في إعراض المرأة، ونقله قيس إلى موضع آخر وزاد فيه فقال:

كانَ المنى بلقائها فلقيتها

ولهوتُ من لهو امرىء مكذوبِ

فرأيتُ مثلَ الشمسِ عند طلوعها

في الحسنِ أو كدنوِّها لغروبِ

أراد في وقتين يمكن الناظر النظر إلى الشمس فيها. ونحو ذلك قول زهير:

لو كنت من شيء سوى بشر

كنت المنورَ ليلة القدرِ

وفضلها كثير على الشمس فقال وأحسن:

بأبي وأمي أنت من مَعشوقة

طبن العدوُّ لها فغيّرَ حالها

وسعى إليّ بعيب عزَّةَ نِسوةٌ

جعل الآله خُدودَهنَّ نعالها

ولو أن عزة خاصمَتْ شمسَ الضحى

في الحسن عند موقف لقضى لها

قوله عند موقف غاية ما يكوم من الإحسان. ومن أحسن ما قيل في حسن الوجه قول عمر بن أبي ربيعة:

فلما تواقفنا وسلمتُ أقبلتْ

وُجُوهٌ زهاها الحسنُ أن تتقنعا

تبالهنَ بالعرفانِ لما رأينني

وقلنَ امرؤٌ باغٍ أكلَّ وأوضعا

وقَرَّبنَ أسبابَ الهوىَ لمتيمٍ

يقيسُ ذراعا كلما قسنَ أصبعا

فذكر أنهن لم يتقنعن لحسن وجوههن، أخذه من قول الشماخ:

لها شرقٌ من زغفرانٍ وعَنبرٍ

أطارتْ من الحسن الرِّداء المحبرا

ثم تصرّف المحدثون في تشبيهه، أي الوجه، بالشمس فقال ابن الرومي:

كالشمس غابت في حمرة الشفق

وزاد أبو النواس فقال في الأمين قبل الخلافة:

تتيهُ الشمسُ والقمرُ المنير

إذا قلنا كأنهما الأميرُ

فإن يكُ أشبها منهُ قليلا

فقد أخطاهما شَبهٌ كثيرُ

لأنَّ الشمس تغرب حين تمسي

وأنَّ البدرَ ينقصُه المسير

ونورُ محمدٍ أبداً تمامٌ

على وضح الطريقةِ لا يحورُ

وقد أحسن الآخر وقد جعل في البدر مشابهة من وجه المرأة فقال:

يا بدر إنك قد كسيت مشابهاً

من وجهِ أمِّ محمد ابنة صالحِ

أراك تمصح في المحاق وحسنها

باقِ على الأيام ليس بماصحِ

وقال العباس بن الأحنف:

التْ ظلوم وما جارتْ وما ظلمتْ

إنَّ الذي قاسني بالبدر قد ظلما

ابدرُ ليسَ له عينٌ مُكحلةٌ

ولا محاسنُ لفظٍ يَبعث السقما

وقال النظام:

مشرقاً ملأ العيو

نَ وطرفها ما يستقل

وفى على شمس الضحى

حتى كأنَّ الليلَ طل

وزاد الآخر على هؤلاء كلهم فقال:

ذا عتبها شبهتها البدرَ طالعا

وحسبك من عيب لها شبهُ البدرِ

ومن أبلغ ما قيل في حسن الوجه من طريقة أخرى قول أبي نواس:

زيدكُ وَجهُه حُسنا

إذا ما زِدْتهُ نظرا

فذكر أن حسنه يزداد على تكرار النظر، والمعهود في كلِّ شيء نقصانه على كثرة التأمل، ولا يكاد الشيء الرائع يروعك إذا اعتدته. وقريب منه قول كشاجم:

يضاء يحضر طيب العيش ما حضرت

وإن نأت عنك غاب اللهوُ والفرحُ

كلُّ اللباس عليها معرضٌ حسنٌ

وكلّ ما تتغنى فهوَ مقترح

والمعارضة تتخير للجواري على حسب ألوانهم، فالبيضاء تبرز في المعرض الأحمر والأسود والأزرق والسوداء في الأصفر، فذكر أن هذه تحسن في كل معرض فهو غاية وقريب من المعنى الأول قول كشاجم أيضاً:

منعمة يٌقرِّبهما هواها

وإنْ نزحَتْ بمنزلها البلادُ

يعادُ حديثها فيزيد حُسناً

وقد يُستقبحُ الشيءُ المعادُ

وقال الحماني:

إذا كنت لم أفقد الغائبين

وإن غبت كنت فريداً وحيدا

تباعد نفس إذا ما بعدت

فليس تعاود حتى تعودا

وهو من قول أبي النواس:

أشبِّهك الشيءَ حُسناً فما

أتممُ ذلك حتى تزيدا

وقال بعضهم:

وكلما عدت فيه

يكون في العود أحمدُ

وأخبرنا أبو أحمد، عن الصولي عن أبي العيناء، عن الأصمعي، قال: أحسن ما قيل في اللون قول ابن أبي ربيعة:

وهو مكنونةٌ تحير منها

في أديمِ الخدَّين ماءُ الشبابِ

باتَ يعمي يعالج السهرا

وراح نشوان يقسمُ النظرا

أغيد ماءُ الشباب يرغد في

خديه لولا أديمه قطرا

وقال ابن الأحنف:

وقد ملئتْ ماءَ الشبابِ كأنها

قضيبٌ من الرّيحانِ رَيَّان أخضرُ

وقال السري:

ومخطفٍ يهتزُّ عن ماءِ الصبا

كأنما يهتزُّ عن ماءِ العنبِ

وقلت

ووجهٌ تشرِّبَ ماءَ النعيمِ

فلو عُصِرَ الحسنُ منه انعصر

يمرُّ فأمنحهُ ناظري

فينشر ورداً عليه الخفر

تمتعّتِ العينُ في حسنه

فما حفلتْ بطلوع القمرِ

وقال ابن المعتز:

يحرِّك الدَّل في أثوابهِ غصنا

ويطلعُ الحسنُ من أزرارِهِ قمرا

وقال ابن الرومي:

متعاتُ وجهك في بديهتها

جددٌ وفي أعقابها أخرُ

وقوله:

مخفَّفة مثقَّلة تراها

كأن لم يغذُ نصفيها الغذاءُ

إذا الإغبابُ جدّدََ حسنَ شيءٍ

من الأشياءِ جدَّدَها اللقاءُ

ومثله قوله:

لا شيءَ إلا وفيه أحسنهُ

فالعينُ منهُ إليهِ تنتقلُ

فوائدُ العينِ منه طارقةٌ

كأنما أخرياتُها الأُوَلُ

وقد أطرف أبو النواس في قوله:

إنّ اسمَ حسن لوجهها صفةٌ

ولا أرى ذا لغيرها اجتمعا

فهي إذا سميتْ فقد وصفت

قد يجمع اللفظُ معنيين معا

وقد بالغ ذو الرمة في قوله:

فيا لك من خدّ أسيلٍ ومنطقٍ

رخيم ومن خَلقٍ تعللَ جادبُهُ

إلا أنه ذكر خلقها أجمع، والجادب: العائب، هو يقول: إن الذي يعيبها لا يجد عيباً فهو يتعلل. وهو في خبر حسن:أخبرنا به أبو أحمد عن العبشمي عن المبرد حدثنا عمر بن شبة، حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي، حدثني أبو صالح الفزاري، قال: ذكر ذو الرمة في مجلس فيه عدة من الأعراب فقال عصمة بن مالك شيخ منهم كان قد بلغ مائة وعشرين سنة -: إياي فاسألوا عنه كان من أظرف بني آدم، خفيف العارضين، حسن الضحك، حلو المنطق، وكان إذا أنشد بربر وحبس صوته، فإذا راجعك لم تسأم حديثه وكلامه، وكان له أخوة يقولون الشعر: منهم مسعود وحرفاس وهو أوفي، وهشام وكانوا يقولون القصيدة فيزيد فيها الأبيات فيغلب عليها، فجمعني وإياهم مربع فأتاني يوماً وقال لي: يا عصمة إن مَياً منقرية وبنو منقر أخبث حي وأقوفه لأثر، وأبصره في نظر، فهل عندك من ناقة نزدار عليها مياَ فقلت: أي والله إن عندي للجؤذر قال: عليّ بها، فركبناها جميعاً وخرجنا حتى نشرف على بيوت الحي، فاذاهم خلوف، وإذا بيت مية خلو، فعرف النساء ذا الرمة، فقمن إلى بيت مي، وجئن حتى أنحنا وسلمنا وقعدنا نتحدث، وإذا ميّ جارية أملود، واردة الشعر، صفراء فيها عسر، وإذا عليها سب أصفر، وطاق أخضر، فتحدثن ملياً ثم قلن له:أنشدنا يا ذا الرمة فقال: أنشدهن يا عصمة فأنشدهن قوله:

نظرتُ إلى أظعان ميٍّ كأنها

ذُرى النخل أو أثل تميل ذوائبه

فأوشكت العينان والصدر كاتم

بمُغرَورقٍ نمتْ عليه سواكبه

بكى وامق جاء الفراق ولم تجل

جوائِلها أسرارهُ ومعاتبه

فقالت ظريفة منهن: لكن الآن فليجل، فنظرت إليها ميّ، ثم مضيت في القصيدة إلى قوله:

إذا سَرَحَتْ من حُبِّ مَيّ سَوَارِحٌ

عن القلبِ أتته جميعاً عوازبه

فقالت الظريفة: قتلته قتلك الله، فقالت مي: خف عواقب الله يا غيلان، ثم مضيت حتى انتهيت إلى قوله:

وقد حلفتْ باللَّهِ مّيةُ ما الذي

أقولُ بها إلا الذي أنا كاذبُه

إذاً فرماني اللًّهُ من حيثُ لا أرى

ولا زال في أرضي عدوٌّ أحارُبه

فقالت الظريفة للنساء: إن لهذين لشأنا، فقمن بنا، فقمن وقمت معهن، فجلست في بيت أراها منه فسمعتها قالت له: كذبت والله، وما أدري ما قال لها وما أكذبته، فلبث قليلاً ثم جاءني ومعه قارورة، فيها دهن وقلائد، فقال: طيب أتحفتنا به مي وهذه قلائد للجؤذر، ولا والله لا أقلدهن بعيراً، وشدهن بذؤابة سيفه، ثم انصرفنا فكان يختلف إليها، حتى تقضى الربيع، ودعا الناس الصيف، فأتاني فقال: يا عصمة قد رحلت ميّ ولم يبق إلا الآثار والنظر إلى الديار، فاذهب بنا ننظر في ديارها، ونقفو آثارها، فخرجنا حتى أتينا منزلها فوقف ينظر ثم قال:

إذا راجعتك القولَ مَيةُ أو بدا

لك الوجهُ منها أو نضا الدّرِع سالبه

فيا لكَ من خدٍّ أسيل ومنطقٍ

رخيم ومن خلقٍ تعللَ جادبُه

قال عصمة: فما ملك عينيه فقلت: مه فانتبه وقال: إني لجلد وإن كان مني ما ترى. قال: فما رأيت أحداً كان أشد منه صبابة ولا أحسن عزاءً وصبراً ثم انصرفنا وتفرقنا وكان آخر العهد به.

الم قلبي نارهُ وما شعر

دَبتْ إليه عَقرَبٌ وقتَ السحر

دَبَّت إلى ظبي بعينيهِ حَوَرْ

دبيبَ لوطيّ توارى وانتشر

فظفرَتْ لا ظفرَتْ أيَّ ظفر

وهكذا العقربُ للقمر

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي