ديوان المعاني/اتفاق الأسماء والألقاب وتباعد ما بينها في الأخلاق

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

اتفاق الأسماء والألقاب وتباعد ما بينها في الأخلاق

اتفاق الأسماء والألقاب وتباعد ما بينها في الأخلاق - ديوان المعاني

اتفاق الأسماء والألقاب وتباعد ما بينها في الأخلاق

قال الأول في ذلك:

يزيد الخير إنَّ يزيد قومي

سميْك لا يزيدُ وكما تزيدُ

يقودُ عصابةً وتقودُ أخرى

فيرزق من يقودُ ومن تقودُ

شبيهك في الولادَة والتسمي

ولكن لا يجودُ كما تجودُ

ومثله:

عليٌّ وعَبدُ الله بينهما أبٌ

وشتانَ ما بين الطبائعِ والفعلِ

ألم ترَ عبد الله يلحى على الندى

عليّاً ويلحاهُ عليٌّ على البخلِ

ومثله:

فإنْ يك مَجْرانا إلى جمع نسبةٍ

ففي الرأي والأخلاقِ مختلفانِ

وما أنت مثلي في مقام أقومُهُ

لدى البأسِ إلاّ أننا أخَوَانِ

آخر:

لئن وصلتْ أبُوَّتنا انتساباً

لقد قطعتْ مرارتنا العقولُ

أبوك أبي وأنت أخي ولكنْ

تباينت الطبائعُ والشكولُ

أخبرنا أبو أحمد عن الصولي، قال: قال لنا المكتفي بالله يوماً: ما أهتك بيت من الشعر، وأفجر قائل أتعرفونه ؟ فقال يحيى بن علي المنجم قول أبي نواس:

ألا فاسقني خمراً وقلْ لي هي الخمرُ

ولا تسقني سِرّاً إذا أمكن الجهرُ

فقلت له: إن المأمون أمر أن يخطب بهذا البيت على منابر خراسان وقال: من عيوب محمد أنه استجلس رجلاً يقول ألا اسقني خمراً، ولكن الحسين بن الضحاك الخليع قد قال ما هو أهتك من هذا قال وما هو ؟ فأنشدته:

أتبعتُ سُكراً بسكر

وابتعتُ خمراً بقمرِ

فقال هذا لعمري أهتك من ذاك. قال أبو هلال رحمه الله تعالى:وأبلغ الهجاء، ما يكون بسلب الصفات المستحسنة، التي تخص النفس، من الحلم والعلم والعقل وما يجري مجرى ذلك، وليس الهجاء بقبح الوجه وضؤولة الجسم وقصر القامة وما في معنى ذلك بليغاً مرضياً، وينبغي أيضاً أن يتضمن الهجاء والمديح من نعوت المهجو والممدوح وأسمائهما وصفاتهما ما هما مشهوران به فإذا ذكر لم يخفيا. أخبرنا أبو أحمد، عن أبي بكر بن دريد، عن الأشنانداني عن التوزي عن أبي عبيدة قال: مدح مصعب بن عمير الليثي عاصم بن عمرو بن عثمان بن عفان فحرمه فقال:

سيروا فقد جُن الظلامُ عليكمُ

فبئس امرؤ يرجو القرَى عندَ عاصمِ

دفعنا إليه وهو كالذَّيخ خاطباً

فشدَّ على أكبادنا بالعمائم

وماليَ من ذنبِ إليه علمتهُ

سوى أنني قد جئتهُ غير صائم

فلولا يدُ الفارُوقَ عندي رميتهُ

بقافيةٍ يُحدى بها في المواسمِ

فليتك من جرمْ بن زبانَ أو بني

نعيم أو النوكى أبان بن دارمِ

أناسٌ إذا ما الضيفُ حلّ بدارهم

غدا جائعاً غرثان ليس بناعمِ

فلما بلغ ذلك عاصماً قال: ما أكثر من يسمى عاصماً حتى يقول: عاصم بن عمرو بن عثمان بن عفان فبلغه ذلك فقال:

جنبتها عاصماً منْ أنْ تلمَّ به

أعني ابنَ عمرو بن عثمان بن عفانا

إذا أناختْ به الضيفانُ طارقة

جاءت بنوهُ إلى الضيفان ضيفانا

فبلغه ذلك فقال: الآن طوقني بها طوق الحمامة لعنة الله تعالى. وقال بعضهم:

أرى ضيفك في الدار وكرُب الموت يغشاهُ

على خبزك مكتوبٌ سيكفيكهمُ الله

وقال بشار:

وضيفُ عمرو وعمروٌ يسهران معاً

عمرو لبطنته والضيفُ للجوعِ

آخر:

نوالك دونهُ خرطُ القتاد

وخبزك كالثريا في البعادِ

ولو أبصرتَ ضيفاً في المنام

لحرَّمتَ المنامَ إلى التناد

أرى عمرَ الرغيفِ يطولُ جدّاً

لديك كأنهُ من قوم عاد

وما أهجوك أنك كفء شعري

ولكني هجوتك للكسادِ

وقال آخر:

رأى الصيفَ مكتوباً فظنَّ لبخلهِ

وتصحيفهِ ضيفاً فقامَ يواثبه

ورأيت في ألفاظ هذا البيت زيادة فقلت:

قد كانَ للمال ربا فصار في البخل عبدَهْ

وصحفَ الصيفَ ضيفاً فقامَ بلطمُ خده

وقال أبو نواس:

على خبز إسماعيل واقيةُ البخل

أخبرنا أبو أحمد، أخبرنا أحمد بن عماد، أخبرنا ابن مهرويه، حدثني محمد بن عمران بن مطر الشامي، حدثني خالي الحسن ابن محمد قال: نصب إسماعيل بن نوبخت طارمة في صحن داره، فاصطحبنا أربعين يوماً ومعنا أبو نواس، فبلغت نفقته أربعين ألف درهم فقال أبو نواس بعد ذلك فيه:

خبزُ إسماعيلَ كالوش

ي إذا ما شقَّ يُرفا

عجباً من أثر الصنْ

عةِ فيه كيفَ يخفى

إنَّ رفاءك هذا

ألطفُ الأمة كفا

فإذا ألصق بالنص

ف من الحروف نصفا

ألطف الصنعة حتى

ما ترى مطعن أشفى

مثل ما جاء من التن

ور ما غادر حرفا

ولهُ في الماء أيضاً

عملٌ أبدع ظَرْفا

مزجهُ العذاب بماء ال

بئر كي يزداد ضعفا

فهو لا يسقيك منهُ

مثل ما يشرب صرفا

فلم يسبق أبو نواس إلى هذه المعاني وهي كما تراها غاية. قال: وقال فيه أيضاً:

على خبز إسماعيل واقيةُ البخل

فقد حلَّ في دار الأمان من الأكلِ

وما خُبزُهُ إلا كعنقاء مَغْرِبٍ

تصوَّرُ في بسطِ الملوك وفي المثُلِ

يحدّث عنها الناسُ من غير رؤيةٍ

سوى صورةٍ ما إن تمرّ ولا تحلي

وما خبزُهُ إلا كآوى يرى ابنهُ

ولم ير آوى في الحزونِ وفي السهل

وما خبزه إلا كليبُ بن وائلٍ

لياليَ يحمى عزه منبت البقل

وإذ هو لا يستبُّ خصمان عندهُ

ولا الصوت مرفوعٌ بجدٍّ ولا هزل

فإنْ خبزُ اسماعيل حَلَّ به الذي

أصابَ كليباً لم يكنْ ذاك عن ذلِّ

ولكن قضاءٌ ليسَ يسطاعُ رَدُّهُ

بحيلة ذي مكرٍ، ولا دهي ذي عقل

وكان الجاحظ يفضل قوله:

إذا هو لا يستبُّ خصمان عندهُ

على قول مهلهل:

واستبَّ بعدك يا كليبُ المنزل

ومما قيل في قبح الخلقة وغير ذلك قال ابن الرومي:

وقينةٍ أبرَد من ثلجة

تظلُّ منها النفسُ في ضجّةْ

كأنها من نتنها ثومةٌ

لكنها في اللونِ أترجَّه

تفاوتتْ خلقُتها فاغتدتْ

لكلّ مَن عطّلَ محتجه

كأنها والوشمُ في جلدِها

زرنيخةٌ شيبتْ بليلنجه

خَرَّاجةٌ للفسق دَخَّالَةٌ

تعجبها الدخلةُ والخرجه

كأنما فقحتها فحمةٌ

فتّ عليها عابثٌ ثلجَهْ

وهي أبيات سخيفة تركت أثرها لسخفه. ونقل قوله:

فهي لمن عطل محتجه

إلى موضع آخر فقال في إسماعيل بن بلبل:

لا سُقيتْ نعمى تسربلتها

كم حجَّةٍ فيها لزنديقِ

وقد أبدع أبو نواس في قوله يهجو جعفر بن يحيى:

قالوا امتدحتَ فماذا اعتضت قلتُ لهم

خرقَ النعالِ وإخلاق السراويلِ

ذاك الأميرُ الذي طالتْ علاوتهُ

كأنهُ ناظرٌ في السيفِ بالطولِ

وكان جعفر طويل الوجه والقفا. وقال فيه أيضاً:

قفا ملك يقضي الهموم على بثق

وقلت:

سوداء يَذْرِفُ دمعها

مثلَ الأتونِ إذا وكفْ

وكأنها منْ قبحها

سلحُ العليلِ على الخزفْ

وقال أبو تمام:

فأشهدُ ما جسرتَ عليّ إلا

وزيدُ الخيلِ دونك في الشجاعهْ

ووجهك إذ رضيت به نديما

فأنتَ نسيجُ وحدك في القناعه

ولو بدلتهُ وجهاً إذا لم

أصلِّ به نهاراً في جماعه

ومن أعجب ما قيل في كثير الأنف قول كشاجم:

لقد مَرَّ عبدُ اللهِ في السوق راكباً

لهُ حاجبٌ من أنفه وهو مطرقُ

رعيت له من جانب السوق مخطة

توَّهمت أنَّ السوق منها سيغرقُ

فأقذر به أنفاً وأقذر بربِّه

على وجههِ منه كنيفٌ معلقُ

وقال غيره:

أنت في البيت وعرني

نك في الدار يطوفُ

ومن أقبح ما جاء في قبح الأسنان قول جرير:

إذا ضحكت شبهت أنيابها العلى

خنافس سودا في صراة قليبِ

وإنما خص الأنياب العلى دون السفلى، لأنها تبدو في التبسم والتكلم، وعند التثاؤب، وهو كقول الآخر:

إذا كان يهدي بردُ أنيابها العلى

لأفقرَ مني إنني لفقيرُ

فشبه أسنانها بالخنافس وسعة فمها بالقليب، والصراة: الماء الفاسد فشبه به فساد نكهتها. وأخبرنا أبو أحمد عن أبي بكر، عن الرياشي، عن ابن سلام، قال: دخلت ديباجة المدنية على امرأة، فقيل لها: كيف رأيتها ؟ قالت: لعنها الله كأن بطنها قربة، وكأن ثديها دبة، وكأن استها رقعة، وكأن وجهها وجه ديك قد نفش عرفه يقاتل ديكاً. ومن بديع الهجاء بالتبزق والتمخط والبخر قول ابن الرومي:

تحسبُ مزكوماً وإن لم تزكم

منْ سدَّة في أنفك الموَرَّمِ

مُحشرجَ الصدر بِرَطليْ بلغم

إنْ لم تنخّع مَرَّةً تنخّم

نخامةً كالضفدعِ الموَشَّمِ

دكناءَ رقطاءَ بقيحٍ أودمِ

ممتخطاً بالكوع أو بالمعصم

تضرِطُ من أنفٍ وتفسو من فم

ذا نكهةٍ من لم تمتهُ يصدَم

حتى دعاك الملأ ارحم تُرحم

وقال جحظة في البخر:

تنفسَ في وجهي فكدتُ أموتُ

وأعْرضَ عني جانباً فحييتُ

ونتنتني حتى حسبتُ بأنني

وربكما يا صاحبيَّ خريتُ

وقال بعضهم في سرعة الكلام:

كأنَّ بني رالانَ إذ جاءَ جمعهمْ

فراريجُ يلقى بينهنَّ سَوِيقُ

وقال دعبل في قصر الشعر:

فوهاءُ شوهاءُ لها شعرةٌ

كأنها خملٌ على مسحِ

وقال ابن المعتز في أمر دنتف:

وَخدُّهُ مُشوكٌ مزوَّرُ التلويز

كأنهُ فرنيةٌ كثيرةُ الشونيزِ

وأنفهُ كسترةٍ مشترق الأفريز

تحسبهُ إذا بدا سماجة النوروزِ

وقلت:

لعبَ الزّمانُ بحسن وجهِ محمدٍ

لعبَ الصبا بالرَّبع حتى أقفرا

قد كانَ معروفَ الجمالِ فلمَ يَزَلْ

ينتابُهُ الحدَثان حتى أنكرا

عهدي بهِ متكفرٌ متعصفرٌ

ثم اغتدى متصندلاً متزعفرا

وكأنما صُدغاهُ في وجناتهِ

جُعلانِ ينتابان سلْحاً أصفرا

وقال ابن الرومي في غير هذا المعنى يحكي عن امرأة:

أنا كعبةُ النيك التي نصبتْ له

فتلقّ مني حيث شئتَ وكبرِ

فتبيتُ بينَ مقابلٍ ومدَابِرٍ

مثلَ الطريقِ لمقبلٍ أو مدبرِ

كأجيري المنشارِ يجتذبانهِ

متنازعينِ في فليجِ صنوبرِ

ولا أعرفه سبق إلى هذا المعنى وهو من أظرف معنى وأعجبه. وقال أيضاً وهو من ظريف المعاني:

رأيتُ في دارِ حُسين مَشرَعه

وامرأةً قاعدة مربعة

لها بظورٌ في استِها مجمعه

كأنها أُترُجَّةٌ مفقعه

وقال في خصي أراد ابن أن يتزوج بامرأة:

قلِ لنجح: أخطأت بابَ النجاحِ

إذ تعاطيتَهُ بلا مفتاحِ

لستَ بالسابح المجيدِ فدع عن

ك ركوبَ البحارِ للسباحِ

فظعَ الحبُّ بالخصيِّ كما يف

ظع فقدُ المُرديِّ بالملاّحِ

ليتَ شعري بما تظنك تصبي

قلب ودان يا كسيرَ الجناح

أبوجهٍ كأنه وجهُ قردٍ

حائلُ اللون خامدُ المصباح

نمشةٌ فوقَ صُفرةٍ فتراه

كونيمِ الذُّبابِ في اللقاحِ

إنما أنتمُ فِقاحٌ فمهلاً

ما غناءُ الفِقاحِ في الأحراحِ

إنَّ من يعشق النساء بلا أي

رٍ كمثل الغازي بغير سلاحِ

لنْ يكونَ الطعانَ إلا برمح

فدعوا الطعن للطوال الرّماحِ

ثم قال:

معشراً شبهوا القرودَ ولكن

خالفوها في خِفّةِ الأرواحِ

وهي طويلة. ومن أعجب ما قيل في البخر قول الخالدي في رجل حلق سباله بعد أن أطاله:

حلقتَ سبالك جهلاً بما

يواري من النكرات القباحِ

فعذبت صحبك حتى المساء

وعذبتَ عرسك حتى الصباحِ

فلا أبعد اللهُ ذاك السبال

فقد كانَ ستراً على مستراحِ

وقال ابن السكن:

رجلٌ يعقُّ الكأس كلَّ عشية

ويعاقب المسواك كلَّ صباحِ

وقلت:

قال لي صاحبي وقد صفقته

نفحات الكروّس من في وصيفِ

لعنَ اللّهُ ليلة بتُّ فيها

مع رفيقي كأننا في الكنيفِ

وقد أبدع ابن الرومي في قوله:

فسا على القوم فقالوا له

إنْ لم تقم من بيننا قمنا

فقال لا عدتُ فقالوا له

من ينفِ فيهِ ذا كما كنا

وقال أيضاً يذكر قينة:

مسمومة الرَّيق إذا قبلتْ

صحفت التقبيل تقتيلا

قُبُلهُا جملودُ عُرارة

يحسنُ للبخراءِ تقبيلا

فاحشةُ النقصانِ لكنها

قد كُمَّلَتْ بالبظرِ تكميلا

أزرى بها اللَّهُ فلم يعطِها

إلا بطولِ البظرِ تفضيلا

إذا بدا الفيلُ وخرطومُهُ

قلنا أعارَتْ بِظَرها الفيلا

غول يبيت الشرب من قبحها

يرونَ في النومِ التهاويلا

ما أحسنَ الأرقمَ طوقاً لها

وأحسنَ الأسودَ إكليلا

قد عَذَّبَ اللهَُّ أمرأً نالها

طورَيْنِ تعجيلاً وتأجيلا

لها ضُراطٌ ريحُهُ عاصفٌ

يطفىء في الليلِ القناديلا

حَلّت سراويلي على واسعٍ

ما خلُته إلا سراويلا

أحللتُ تنكيلي ببابِ استِها

فكان للتنكيلِ تنكيلا

لو رامت التوبةَ لم تستطعْ

لسنّةِ الشيطانِ تبديلا

يابسةُ العودِ وقد ذْللَتْ

قطوفُها للنيلِ تذليلا

وهي طويلة عجيبة ليس لأحد في ملاحتها وعلو جودتها وكثرة معانيها شيء. ومما قيل في طول اللحية قول ابن الرومي:

ولحيةٍ لو شاءِ ذو المعارج

أغنى بها كواسد النواسج

بنسج مسحين لخان الدّراج

وفَرّق الباقي على الكواسجِ

ومن ذلك قول بعضهم وهو مشهور:

ألم ترَ أنَّ الله أعطاك لحيةً

كأنك منها قاعدٌ في جوالقِ

وقال الآخر:

ألم ترَ أنَّ اللَّهَ أعطاك لحيةً

كأنك منها بين تيسين قاعا

وكان العوني، إذا كتب كتاباً، أخذ لحيته تحت إبطه، وإذا كلمه انسان من الجانب الآخر، التفت إليه فخلصت لحيته من تحت إبطه، فمرت على الكتاب فطمست جميع ما كتبه، فيقول اللهم غفرا، فقال فيه بعضهم أو في غيره:

لحيةُ قاضي القضاةِ لو جهدتْ

مجهودَها لم تكنْ كعنفقته

إذا أرادَ الكرَى توسَّدَها

فقد كفتهُ مكانَ مرفقته

وقال رقبة بن مصقلة لأبي شيبة القاضي: لو كانت لحيتك هذه من الذنوب لكانت من الكبائر. وقد قيل من تدلت لحيته فقد تقلص عقله. وقلت:

قلْ للمدلِّ بلحية موْفورَةٍ

وسماد لحيةُ كلِّ ألحى جهلهُ

لا يعجبنك طولُ نبذك إنَّه

من طال لحيتهُ تكوسج عقلهُ

وقد أجاد ابن الرومي وأبلغ، وجمع في أبيات من المعاني ما لم يجمعه أحد في هذا الباب وهو قوله:

إن تطلْ لحيةٌ عليك وتعرضْ

فالمخالي معروفةٌ للحميرِ

علقَ اللَّهُ في عِذاريك مخلا

ةً ولكنها بغيرِ شعيرِ

لو غدا حكمها عليَّ لطارتْ

في مهبِّ الرِّياح كلَّ مطير

ارع منها الموسى فإنك منها

شهدَ اللَّهُ في أثام كبير

أيما كوسج رآها فيلقى

رَبَّهُ بعدها صحيحَ الضمير

هو أحرىَ بأنْ يشكَّ ويغرى

باتهام الحكيم في التقدير

ما تلقاك كوسجٌ قَطُّ إلا

جَوَّرَ اللَّهَ أيما تجوير

لحيةٌ أهملتْ فطالتْ وفاضتْ

فإليها تشيرُ كفُّ المشير

ما رأتها عينُ امرىء ما رأتها

قطُّ إلا أهلَّ بالتكبير

روعةٌ تستخفهُ لم يرعها

من رأى وجهَ منكر ونكير

فاتَّق الله ذا الجلال وغير

منكراً منك ممكن التغيير

أو فقصر منها فحسبك منها

قيد شبرٍ علامة التذكير

لو رآها النبيُّ يوماً لأجرى

في لحى النَّاس سُنَّةَ التقصيرِ

واستحبَّ الإحفاءَ فيهنَّ والحل

قَ مكانَ الإعفاءِ والتوفيرِ

أراد قول النبي صلى الله عليه وسلم: 'أحفوا الشوارب واعفوا عن اللحى'. وقلت:

إن أبا عمرو له لحيةٌ

بعيدَةُ البعضِ منَ البعضِ

مضى إلى السوق وعُثنونُه

أقامَ في البيتِ فلم يمضِ

وهو إذا ما مَرَّ في سكّةٍ

يملأها بالطولِ والعرضِ

يَدُوسها الناسُ بأقدامهم

كأنهم أرضٌ على الأرضِ

وأخبرنا أبو أحمد، عن أبيه، قال: قال الجماز: كان لبعض أصابنا في الظاهرة تل تراب، فأتاه غلامه برجل يضرب له اللبن، وقد حمل في عنقه قالباً وإذا لحيته ملء القالب، فقلت له: ليس في قالبك فضل يدخل فيه الطين مع لحيتك ؟ فقال إني سأخرجها من القالب قبل ضرب اللبن، وإنما أردت أن أدفئها فيه قليلا، قال فلما رأيت حمقه، قلت: يحتاج أن يضرب في كل يوم ألف لبنة. قال خريم أنا أقدر على ذلك. وقال الناجم:

لابن شاهينَ لحيةٌ

طوُلهُ شطرُ طولِها

فهو الدَّهْرَ كلهُ

عاثرٌ في فضولها

ولولا القصد لجمع أعيان المعاني، والشرط المتقدم لتركت التشنيع، الملفوظ من المنظوم والمنثور، على أن العلماء لو تركوا رواية سخيف الشعر، لسقطت عنهم فوائد كثيرة، ومحاسن جمة موفورة، في مثل شعر الفرزدق، وجرير، والبعيث، والأخطل، وغيرهم، ولو لم يصلح ذلك الفروج بتصريح أسمائها، لكان تسمية أهل اللغة إياها بذلك خطأ، وهذا محال. ومما قيل في الذمامة وقصر القامة ما ينسب لأبي نواس وهو لغيره:

إذا استنَّ في قوهية متَبخترا

فقل جرذٌ يستنُّ في لبنٍ محضِ

فأقسمُ لوخرَّتْ من استك بَيْضَةٌ

لما انكسرتْ من قربِ بعضك من بعضِ

وقال غيره:

ألا يا بَيْدَقَ الشِّطرن

ج في القيمةِ والقامهْ

وقال آخر:

يعثر الناس في الطري

قِ به من دمامتِهْ

وقال آخر:

فقامَ إلى الغلام أسى وغيظاً

بقدٍّ لم يزد فيهِ القيامُ

وقال ابن الرومي:

أأنت تشتمُ عرضي

وأنتَ في طول أيري

وقال الناجم:

ينقص الأحرارِ من شأنِه

وهو أخو القلةِ والنقصِ

كأنهُ البرغوثُ لم يخطه

في صِغَر الجثمانِ والقرصِ

وقال:

وعازبُ الرأي ضعيفٌ مغرورٌ

مكاثرٌ في العلم وهو مكثور

في جسم عصفور وحلم عصفور

وقال آخر:

كأنهمُ كلي غنم الأضاحي

إذا قاموا حسبتَهمُ قعودا

وفي غير هذا المعنى قول الآخر:

إذا لبسَ البياضَ فعدل قطن

وان لبسَ السوادَ فعدل فحمِ

وقال ابن الرومي في القبح والسواد:

وجهكَ يا جعفر من قبحه

أولى من العروَةِ بالسترِ

كأنما تأوي إليه الدُّجى

إذا هي انقضت عن الفجرِ

وقال ابن طباطبا في مجدور:

ذو جُدَرِىٍ وجُههُ

يحكيه جلدُ السمكهْ

أو جلدُ أفعى سلخت

أو قطعةٌ من شبكه

أو حلقُ الدّرع إذا

أبصرتها مشتبكه

أو سفر محبب

أو كرشٌ منفركة

أو منخلٌ أو عرضٌ

رقعته منهتكه

أو حجرُ الحمام كم

من وسخ قد دلكه

أو كورُ زنبور إذا

فرَّخَ فيه تركه

أو كدر الماء إذا

أظهر فيه حبكه

أو سلحةٌ جامدةٌ

تنقرُ فيها الدَّيكَهْ

يبغضه من قبحه

كلُّ طريق سلكَهْ

وقد أبدع ابن الرومي:

جُدَرِيٌّ ما شأنها وهي شَينُ

كلُّ أثر في ذلك الوجهِ نقشُ

بدلتْ من ضفائر وقرونٍ

حملَ أنفٍ فيه لفرخين عشُّ

وقلت في غير هذا المعنى:

قد حسن ظاهرُهُ وباطنهُ

وأمرَّ مخبرهُ ومنظرهُ

شعرٌ تجدَّدَ في عَوارضهِ

مثل المكا الرطب تسفرُهُ

وقال ابن طباطبا في أسودين: أخبرنا أبو بكر أحمد، أخبرني عبد الله بن أبي عامر، قال: كان أبو الحسن العلوي المعروف بابن طباطبا، قصد يوماً أبا علي بن رستم فصادف على بابه عثمانيين أسودين، كالفحم متعممين بعمامتين حمراوين، فامتحنهما فوجدهما من الأدب خاليين، فدخل مجلس ابن رستم وكتب في درج:

رأيتُ بباب الدَّار أسْوَدَيْنِ

ذَوَيْ عمامتينِ حَمْرَاوَيْنِ

كجمرتَينِ فوْقَ فحمتينِ

قد غادَرَا الرفضِ قرير العين

جَدُّ كما عثمانُ ذُو النُّوريْنِ

فماله أنسلَ ظُلمتين

يا قبحَ شينٍ صادرٍ عن زَيْن

حدائد تطبعُ من لجين

ما أنتما إلا غُرابا بَيْن

طيرا فقد وقعتما للحين

زورا ذوي السنة في المصرين

المظهرين الحب للشيخين

وخليا الشيعةَ للسبطين

لا تبرما إبرامَ رَبِّ الدينِ

ستعطيانِ في مدى عامين

صكاً بخفينِ إلى حنُينِ

وقال أبو تمام يهجو عياشاً بعد ما مات:

كرت على اللؤم بما ساده

وساءه كرَّتك الخاسرَهْ

أسهرتَ عينَ اللؤم منذ انطوتْ

عليك أثوابُك بالساهرَهْ

قد كانت الدُّنيا شفتْ لوعتي

منك ولكن لُذْتَ بالآخرهْ

يا أسدَ الموت تخلصتهُ

من بين لحي أسدِ القاهرهْ

أجارك المكروهُ من مثله

فاقرة نجتك من فاقره

وقال فيه:

وتضوَّر القبرُ الذي ضمنته

حتى ظننا أنهُ المقبورُ

فأتيح لأبي تمام مخلد الموصلي فهجاه بعد موته فقال:

سقى حمارك يا طائيُّ غاديةُ

من المنى وقطعان من الكمرِ

حر الحُلاقِ وبرْدُ الشعرِ اتلفه

فجاءَهُ الموتُ من حرِّ ومن حصر

ومما قيل في البرد أيضاً قول بعضهم في المبرد:

ويوم كنار الشَّوق في القلب والحشا

على أنَّهُ منها أحرُّ وأومدُ

ظللتُ به عند المبرِّد قائلا

فما زلتُ في ألفاظِه أتبردُ

وفلج أحد الشعراء فسئل عنه رجل فقيل له: ما كان سبب فالجه ؟ قال أكل بيتين من شعره. ومن جيد ما قيل في برد الغناء قول بعضهم:

كاد من بردهِ يجمد روحي

ضَرَبَ اللَّهُ شقّه بغنائه

وقال غيره:

غنى لنا نصرٌ فقلنا له

مصعبُ جرَّاك على السبعِ

وحرَّك العودَ بأطرافهِ

فكان يحتاجُ إلى الصفع

فقمت من مجلسه هارباً

أدعو على كفيه بالقطعِ

وقال كشاجم:

ومغنّ بارد النغ

مة مختلّ اليدين

ما رآه أحدٌ في

دارِ قومٍ مرَّتين

صوته أقطع للذ

ات من صيحة بينِ

وقلت:

قد أسمعتنا غناءً لا خلاقَ به

كما تعرّكِ آذانِ السنانيرِ

حتى إذا ارتفعت في الصوت لا ارتفعت

أهدت لسمعيَ تهديرَ الخنازيرِ

وكلما انخفضتْ فيه مزمزمة

خلت الزَّنابيرَ تشدو في القواريرِ

لا تَخْدعنَّهُ بأثوابٍ مُصَبَّغةٍ

نصبتهنَّ شراكاً للمدابيرِ

وقال ابن الرومي:

وإذا غنت ترى في حلقها

كلّ عرقٍ مثلَ بيت الأرَضه

وقال الناجم:

وقينة شتمها قنوتُ

أحسن أصواتها السكوتُ

مفقودة الكلِّ غير بطن

مثقل فهي عنكبوتُ

وقال غيره:

كأن أبا الحسين إذا تغنى

يحاكي عاطساً في عين شمسِ

يلوك لسانه طوراً وطوراً

كأنَّ بضرسه ضرَبانَ ضِرسِ

وقال المصيصي:

وتحسب الندمان في حلقه

دجاجةً يخنقها ثعلبُ

ما عجبي منه ولكنني

من الذي يعجبه أعجبُ

وقلت في عواد:

يقول لنا غير ما يضرب

ويضربُ غير الذي نحسبُ

ككيسان يكتبُ غير الذي

يقول المحدِّثُ والمكتب

فيكتبُ غيرَ الذي قاله

ويقرأ غير الذي يكتب

فصمتاً إذا شئتَ اطرابنا

فنحن إذا قلتَ لا نطربُ

ولا تأتيني إذا جئتني

فإني إذا جئتني أذهب

وقلت:

تغنى لنا فجعلنا عليه

عمائم تنزع جلدَ القفا

جعلنا اللطامَ لها لحمةً

ونتفَ الشوارب فيها سدى

ومن جيد ما قيل في تغير وجوه الأحداث عند خروج اللحى قول البسامي:

قالوا تغيرَ عن ملاحته

قلتُ الزَّمان يريكمُ العبرا

يا زهرةً ومحاسناً مُسخت

ماذا لحاه الشعر لو شعرا

قد كانت الأبصارُ تجرحه

واليوم يجرحها إذا حضرا

وقال سعيد بن حميد:

فالآن حينَ بدَتْ بخدِّك لحيةٌ

ذهبت بملحك ملء كفِّ القابضِ

وقال ابن طباطبا:

يا من يزيل خلقة الر

حمن عما خلقتْ

تب وخفِ اللَّهَ على

كفك مما اجترحتْ

هل لك عذرٌ عندهُ

إذا الوحوشُ حشرت

بلحيةٍ إن سُئلت

بأيِّ ذنب نتفتْ

وقلت:

حصلت في بيتي ذا غلظة

كأنني مشطُ ابنِ منصورِ

يا لحيةً هتك أستارها

بأصبع منه وأظفور

فخدُّه من سح تارةً

وتارة من قشر بلور

فتارة كالمسك في لونه

وتارة في لون كافورِ

يعجبه المردُ فيحكيهمُ

حكاية زور من الزورِ

يقول ما أحسنَ ربّ الورى

إذا غرَسَ الظلمةَ في النورِ

وقلت:

من شقوةِ المردِ أن تبدو شواربهم

مسودّةً قبلَ أن تبدو عوارضهم

يا ويحهم من لحى جدَّت مناقشهم

فيهنَّ أو لعبتْ فيها مقارضهم

قد أتيت في هذا الفصل على ما فيه مقنع وبالله التوفيق. ^

الفصل الثالث

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي