ديوان المعاني/التشبب وأوصاف الحسان

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

التشبب وأوصاف الحسان

التشبب وأوصاف الحسان - ديوان المعاني

التشبب وأوصاف الحسان

وما يجري مع ذلك وهو

الباب الرابع من كتاب ديوان المعاني

قالوا: أرق بيت قالته القرب قول امرىء القيس:

وما ذَرَفَتْ عيناكِ إلا لتضربي

بسهميكِ في أعشار قلبٍ مقتلِ

يقول: ما بكيت إلا لتجرحي قلباً معشراً أي مكسراً، يقال برمة اعشار إذا كانت مشعوبة، يريد أن قلبه عليل، وأنت تزيدينه علة بسهميك، يعني عينيها، والمقتل المذلل. ومثله قول الشاعر:

رمتْك ابنةُ البكريّ عن فرعِ ضالةٍ

وهنَّ بنا خوصٌّ يخلن نعائما

ولم نسمع للأعشار بواحد. وأخبرنا أبو أحمد قال حكى لي عن ابن سلام أنه قال أنسب بيت قالته العرب:

ولما التقى الحيّانِ ألقيت العصا

وماتَ الهوى لما أصيبت مقاتله

وقالوا: أنسب بيت قالته العرب قول الآخر:

إذا قلتُ إني مُشتَفٍ بلقائها

فحم التلاقي بيننا زادنا سقما

وأبلغ من هذا قول أبي نواس:

ما يرجعُ الطرفُ عنها حينَ أبصرها

حتى يعودَ إليها القلبُ مُشتاقا

وقد أحسن ابن الرومي ولا أعرف في معناه أبلغ منه:

أعانقها والنفسُ بعد مَشوقَةٌ

إليها وهلْ بعد العناقِ تداني

وألثم فاهاكي تموتَ حزازتي

فيشتدُّ ما ألقى من الهيجانِ

وما كان مقدار الذي بي من الجوى

ليشفيه ما ترشفُ الشفتان

فإنَّ فؤادي ليس يشفي رسيسهُ

سوى أن ترى الروحان تمتزجانِ

ومن البليغ في الاشتياق، وما أنشدنا أبو أحمد، عن الصولي، عن الحسين بن إسماعيل:

هبَّتْ شمالاً فقالَ من بلد

أنت به طابَ ذلك البلدُ

وقبَّلَ الريحَ من صبابتهِ

ما قبَّلَ الريحَ قبلُ أحدُ

وأبلغ ما قيل في شدة الحب: قول بعضهم، وقد قيل له ما بلغ من حبك فلانة ؟ قال إني أرى الشمس على حيطانها أحسن منها على حيطان جيرانها. وقال نصر بن الحجاج لامرأة: أحبك حباً لو كان فوقك لأظلك، أو كان تحتك لأقلك، أخذه بشار فقال:

إني لأكتُم في الحشى حباً لها

لو كانَ أصبحَ فوقَها لأظلّها

ويبيت بينَ جوانحي وَجدٌ بها

لو باتَ تحتَ فراشها لأقلها

وقلت:

أحبك يا شبيهَ الشمسِ حباً

تفرَّدَ بالتمام فلا تمامَ

فلم ألقيتهُ ما بينَ ماءٍ

ونارٍ كان بينهما التئامُ

وقال ابن الرومي في اجتماع الأهواء على محبوبه:

سلالةُ نورٍ ليس يدركها اللمس

إذا ما بدا أغضى له البدرُ والشمسُ

به أمست الأهواءُ يجمعها هوى

كأنَّ نفوس الناس في حُبه نفس

وقال بشار:

ولستُ بناسٍ من يكونُ كلامُه

بأّذني وإنْ غُيِّبْتُ قُرطاً معلّقا

ومن ظريف التشبب أيضاً قول ابن المعتز:

كذبتَ يا من لحاني من مَودَّتِهِ

ما صُورَة البدرِ إلا دُونَ صُورَتِهِ

يا ربِّ أن لمْ يكنْ في وصله طَمَعٌ

ولم يكنْ فَرَجٌ من طول جَفْوَتِهِ

فاشف السقامَ الذي في لحظ مُقلتِه

واستر ملاحةَ خَدَّيْهِ بلحيتِه

ومن الظريف قول كشاجم:

كأنَّ الشفاه اللعسَ منها خواتمٌ

مِنَ التبرِ مختومٌ بهنَّ على الدُّرِّ

ولا أعرف في وصف الفم أحسن من هذا. وأحسن ما قيل في حث الشوق، من قديم الشعر، قول عمرو بن شأس الأسدي:

إذا نحن أدلجنا وأنت امامنا

كفى لمطايانا بذكرنا حاديا

أليس يزينُ العيسَ خفةُ أذْرع

وإن كنّ حسرى ان تكون اماميا

وأتم من ذلك شرحاً قول الآخر:

إذا علقت خبتْ وإنْ هي خُلِّيتْ

لترْتَعَ لم ترْتَعْ بأدنى المراتعِ

كأنَّ لديها سائقاً يستحثها

كفى سائقاً بالشوقِ بينَ الأضالعِ

ومن جيد ما قيل في ازدياد الشوق على القرب قول الآخر:

صّبٌّ يحثُّ مطاياهُ بذكركُم

وليس ينساكم إن حلَّ أو سارا

يَرجُو النجاةَ من البلوى بقربكم

والقلبُ يلهبُ في أحشائه نارا

ومن ظرف الأعرابي قوله أنشده المبرد:

وعود قليل الذنبِ عاودتُ ضربهُ

إذا عادَ قلبي في معاهِدها ذكرُ

وقلتُ لهُ ولقاءُ ويحك سبَّبتْ

لك الضربَ فاصبر إنَّ عادَتك الصبرُ

ونحوه قول الآخر:

قد قطع الاحراجُ أعناقَ الابل

فهي تسيرُ سيرَ مشتاقٍ عَجِلْ

وقول الآخر وقد ألغز:

إنَّ لها لسائقاً خَدلجا

لم يُدْلج الليلةَ فيمن أدلجا

وفي خلاف ذلك يقول العباس بن الأحنف:

أيامَ يقتلُ شوقَها زيارتي

كالماء يقتلُ بردهُ عطشَ الصّدى

فأما أجود ما قيل في التذكر على البعد فقول بعضهم:

أذكر أخانا تولى اللَّهُ صحبتهُ

إني وإن كنتُ لا ألقاهُ ألقاه

اللَّهُ يعلم أني لستُ أذكره

وكيف يذكره من ليسَ ينساه

وقلت:

ذَكرتهمْ والنوىَ بيني وبينهمُ

ذكرَى الشبابِ الذي قد كانَ عاصاني

بل كيفَ أذكر عهداً لستُ ناسيهُ

هل يعرضُ الذِّكر إلا بعد نسيان

ونحوه يقول السري:

غضبان ينساني وأذكرهُ

وينامُ عن ليلى وأسهرهُ

وبجوره ماضار مورقه

حظى وحظُّ سواي مثمرهُ

وكفى الهوى لو كانَ مكتفياً

ما رْحت أضمره وأظهرهُ

لم يقتسم في العاشقينَ أسى

إلا وحظّي منهُ أوفرهُ

فأصبح في نفس أصعدهُ

وأعوم في دمع أحدِّره

ومن مليح ذلك قول بشار:

ولستُ بناسٍ من يكون كلامه

بأذني وإن غيِّبتُ قرطاً معلّقاً

أجود ما قيل في إخفاء الحركة، عند زيارة المعشوق، من الشعر القديم قول امرىء القيس:

سموت إليها بَعدَ ما نامَ أهلها

سموَّ حبابِ الماء حالاً على حالِ

وأحسن من هذا وأظرف قول وضاح اليمن:

واسقطْ علينا كسقوطِ النَّدَى

ليلةَ لاناهٍ ولا زاجرُ

وهذا أبلغ أيضاً، لأن سقوط الندى أخفى من سمو حباب الماء، لأن لسمو حباب الماء صوتاً خفياً، ليس ذلك لسقوط الندى وهو من أبيات ظريفة أولها:

قالتْ ألا لا تلجنْ دارنا

إنَّ أبانا رجلٌ غاثرُ

أما رأيتَ البابَ من دوننا

قلتُ فإني واثبُ ظافرُ

قالتْ فإنَّ القصرَ من دوننا

قلتُ فإني فوْقَهُ ظاهرُ

قالت فإنَّ الليثَ عادٍ به

قلت فسيفي مُرهفٌ باترُ

قالت فهذا البحرُ ما بيننا

قلت فإني سابحٌ ماهر

قالتْ أليسَ اللَّهُ من فوقنا

قلت بلى وهو لنا غافر

قالت فأما كنت أعييتنا

فأت إذا ما هجعَ السامرُ

واسقط علينا كسقوط الندى

ليلةَ لاناهٍ ولا زاجرُ

ومن مليح ما جاء في هذا المعنى قول المؤمل:

وطارقاتٍ طرقنني رَسلاً

والليلُ كالطيلسان مُعتكرُ

فقلنَ جئنا إليكَ عن ثقةٍ

من عند خود كأنها قمرُ

هل لكَ في غادةٍ مُنعمةٍ

يحارُ فيها من حسنِها النظرُ

في الجيدِ منها طُولٌ إذا التفت

وفي خطاها إذا مشت قصر

فقمت أسعى إلى مُحَجَّبةٍ منها البيوتُ والحجرُ:

فقلتُ لما بدا تخفّرُها

جُودي ولا يمنعنْك الخفر

قالت توَّقرُ ودَع مقالك ذا

أنت امرؤٌ بالقبيحِ مشتهر

والله لا نلتَ ما تطالبُ أو

ينبتَ في بطنِ راحتي شَعَر

لا أنت لي قيمٌ فتخبرني

ولا أميرٌ عليَّ مؤتمر

قلت ولكنْ ضيفٌ أتاك به

تحتَ الظلامِ القضاءُ والقدرُ

فاحتسبي الأجرَ في إنالته

وباشري قد تطاوَلَ العسر

قالت فقد جئتَ تبتغي عملاً

تكادُ منهُ السماءُ تنفطرُ

فقلتُ لما رأيتُها حرجت

وغشيتها الهمومُ والفكرُ

لا عاقبَ اللَّهُ في الصَّبا أبداً

أنثى ولكن يعاقَبُ الذَّكر

قالت لقد جئتنا بمتبدَعٍ

وقد أتتنا بغيرهِ النُّذُر

قد بينَ اللَّهُ في الكتاب فلا

وازرةٌ غيرَ وزرِها تزرِ

قلت دَعي سُورةً لهجْت بها

لا تحرِمَن لذاتِنا السورُ

وجهُك وجهٌ تمّتْ محاسِنُه

لا وأبي لا يَمَسُّه سقرُ

ومثل هذا أصعب ما يرام من الشعر، ولا يكاد يوجد في هذا المعنى أحسن من هاتين المقطوعتين. ومن أحسن ما عذر به المعشوق في سوء فعله قول كشاجم:

تستدفع الأعين عن حسنها

بعوذة من سوء أفعالها

وهي من أبيات قليلة النظير:

هلْ حاكمٌ يعدي على ظبيةٍ

ظالمة في كلِّ أفعالها

دائمة الإعراضِ عني فما

يخطرُ لي ذكرٌ على بالها

صغيرةٌ عظمها حُبُّها

عندي وأغراني بإجلالها

تستدفع الأعين عن حسنها

بعوذةٍ من سوء أفعالها

لم أطع العذَّالَ فيها وقد

أصغتْ إلى أقوالِ عذالها

تمضي بليلٍ فإذا أقبلتْ

أقبلت الشمسُ بإقبالها

قلت وقد أبصرت حاسراً

عن ساقها فاضل سربالها

لو لم يكن من بردِ ساقها

لا حترقتْ من نارِ خلخالها

وقد أحسن في هذا المعنى ولا أظنه سبق إليه. وقد احسن ابن الرومي في ذكر الخلخال والساق أيضاً وهو قوله:

وإذا لبسنَ خلاخلاً

كذّبْن أسماءَ الخلاخلِ

يقول: لا تخلخل الخلاخل في سوقهن، أي لا تتحرك فقد كذبته أسماؤها، وذلك أن اشتقاقها من التخلخل وهو التحرك. وفي نحو تقدم قول كشاجم:

وكأنَّ الشمسَ نيط بها

قمرٌ يمناهُ والقدحُ

صدرًّ إذا مازحتهُ غضباً

ما على الأحباب إذ مزحوا

وهو لا يدري لنخوتهِ

أننا في النوم نصطلح

ثمَّ لا أنسى مقالته

أطفيليٌّ ويقترح

ومن أفراد المعاني قول الشاعر:

وإني لأغضي الطرفَ عنها تستراً

ولي نظرٌ لولا الحياءُ شديدُ

ونبئتهُا قالتْ لقد نلتْ ودَّهُ

وما ضَرَّني بخلٌ فكيفَ أجُودُ

وقالوا أنسب بيت قالته العرب قول الآخر:

ستبقى لها في مُضمرِ القلبِ والحشا

سَرِيرَةُ وُدٍّ يومَ تبلى السرائرُ

ومن أجود ما قيل في حسن الحبيب، في عين المحبوب، قول عمرو بن أبي ربيعة:

خرَجْتُ غداةَ النحرِ أعترض الدُّمَى

فلم أرَ أحلى منك في العينِ والقلبِ

فواللَّه ما أدري أحسناً رزقته

أم الحبُّ يعمي مثل ما قيل في الحبِّ

وهو من قول النبي صلى الله عليه وسلم: 'حُبُّكَ الشيءَ يُعمي ويصمّ' وأنشدني أبو أحمد، عن الصولي عن أحمد بن سعيد الشامي، عن الزبير بن بكار، لعمر بن أبي ربيعة:

زعموها سألتْ جاراتِها

وتَعرَّتْ يوم حَرّ تبترد

أكما ينعتني تبصرنني

عمركنّ الله أم لا يقتصد

فتضاحكنَ وقد قلنَ لها

حسنٌ في كلِّ عين من تودّ

حسداً حملنهُ من أجلها

وقديماً كان في الناس الحسد

وأنشدنا عنه قال أنشدنا إسحاق لرجل:

حفلتُ بصحراءِ الحجونِ وناقتي

لها بين قاع الأخشين حنينٌ

غموساً لقد فضلت في الحسن بسطة

على الناس أو بي من هواك جنون

وأنكر بعض المحدثين، أن يكون استحسانه لحبيبه لإفراط حبه، أو لجنونه له فيه فقال وأحسن:

حسنٌ والله في عي

ني وفي كلِّ العيونِ

قينةٌ بيضاء كالفضة

سوداء القرونِ

لم يصبْها سقمٌ ق

طٌّ سوى سقمِ العيونِ

لم أصفْها بجمالٍ

لهوى أم لجنونِ

بل لحسنٍ وجمال

قول حقٍّ ويقينِ

وقد أبدع الآخر في قوله في المعنى الأول:

يا مَنْ يلومُ عليه

أنظر بعيني إليه

فلست تبرحُ حتى

تصيرَ ملك يديهِ

وقد جمع القائل جمعاً حسناً في قوله:

وفي أربع مني حكت منك أربع

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي