ديوان المعاني/جمل من بلاغات العجم

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

جمل من بلاغات العجم

جمل من بلاغات العجم - ديوان المعاني

جمل من بلاغات العجم العجم والعرب في البلاغة سواءٌ، فمن تعلم البلاغة بلغةٍ من اللغات، ثم انتقل إلى لغةٍ، أخرى، أمكنه فيها من صنعة الكلام، ما أمكنه في الأولى، وكان عبد الحميد الكاتب استخرج أمثلة الكتابة التي رسمها من اللسان الفارسي، فحولها إلى اللسان العربي، ويدلك على هذا أيضاً، أن تراجم خطب الفرس، ورسائلهم هي على نمط خطب العرب ورسائلها، وللفرس أمثال، مثل أمثال العرب معنى وصنعةً، وربما كان اللفظ الفارسي، في بعضها، أفصح من اللفظ العربي. من ذلك قول العرب: 'ولدك من دمى عقبيك'. وقول الفرس: 'هرك نزاد نرود'واللفظ الفارسي في هذا، أفصح من اللفظ العربي وأحسن. وقولهم: 'كشند ميد' مثل قول العربي: 'من يسمع يخل' سواءٌ في المعنى، والفارسي أقل حروفاً. وقولهم: 'أصيد بركة خورده' وليس للعرب في هذا معنى هذا المثل شيء. ومعناه: 'المأمول خير من المأكول'. ولا يعبر عنه بكلام عربي أقل حروفاً مما ذكرته ومع ذلك فإن حروف تفسيره بالعربية ضعفا حروفه بالفارسية، وقد جاء عن بعضهم في معنى هذا المثل: 'انتظار الحاجة خير لك من قضائها'. وقد خالفهم الفرس في مثل واحد وهو قولهم:'به شاه اشناه ونرود همدوره' والعرب تقول: 'جاور بحراً أو ملكاً'. وليس قصدنا لهذا المعنى فنطيل فيه، ولكن لإيراد أمثلة في البلاغة تكون مادة لصانع الكلام:فمن ذلك قول ابرويز:إذا نزل الخمول استكثف النقص. يحث على طالب النباهة، والتماس جلائل الأمور. وقال بهرام جور: الحاكم ميزان الله في الأرض. فوافق الله تعالى في قوله:'والسماء رفعها ووضع الميزان'. يعني العدل في الحكم. ونحوه قال علي رضي الله عنه: السفر ميزان القوم. وقول الآخر:العروض ميزان الشعر. وقال الآخر منهم: أغلق أبواب الشهوات تنفتح لك أبواب المحاسن. وقال آخر منهم:الصواب قرين التثبت والخطأ شريك العجلة. وقال بزرجمهر:عاملوا أحرار الناس بمحض المودة، وعاملوا العامة بالرغبة والرهبة وسوسوا السفلة بالمخافة والهيبة. وقريبٌ من ذلك قول بعضهم:الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا ألطف. وقال بعضهم:ينبغي للوالي أن يتفقد أمور رعيتهن فيسد فاقة أحرارها، ويقمع طغيان سفلتها، فإنما يصول الكريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع. وقال بعض حكماء الفرس: أحزم الملوك، من غلب جده هزلهن وقهر رأيه هواه، وعبر عن ضميره فعله، ولم يختدعه رضاه من حظه، ولا غضبه عن كيده. وقال أنوشروان:القصد غاية المنافع. وقال لابنه هرمز:لا يكن عندك لعمل البر غاية في الكثرة، ولا لعمل الإثم غاية في القلة. ووافق هذا من العربي قول الأفوه الأودي:

والخيرُ تزدادُ منهُ ما لقيتَ بهِ

والشرُّ يكفيكَ منهُ قلما زادُ

وقالوا أيضاً:يوم العدل على الظالم، أشد من يوم الظلم على المظلوم. وقال ابرويز:لا تغشوا قليلاً فتنغصوا به كثيراً. وقال يوماً لجنده: لا يشحذ امرؤ منكم سيفه، حتى يشحذ عقله. وأظن المتنبي ألم بهذا فقال:

الرأيُ قبلَ شجاعةِ الشُّجعانِ

هو أوّلٌ وهي المحلُّ الثاني

وقال لكاتبه:إذا فكرت فلا تعجل، وإذا كتبت فلا تستعن بالفضول، فإنها علاوة على الكفاية، ولا تقصرن عن التحقيق، فإنها هجنة في المقالة، ولا تلبس كلاماً بكلام، ولا تباعدن معنى من معنى، واجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول. ووافق هذا قول العربي:ما رأيت بليغاً، إلا رأيت له في المعاني إطالةً، وفي الألفاظ تقصيراً. يحث على الإيجاز. وقال له:إذا أمرت فاحكم، وإذا كتبت فأوضح، وإذا ملكت فأسجع، وإذا سألت فأبلغ. ووافق هذا النمط قول أبي تمام:

يقولُ فيسمع ويمشي فيسرع

ويضرب في ذات الآله فيوجعُ

وقال أزدشير بن بابك:من لم يرض بما قسم الله له، طالت معتبته، وفحش حرصه، ومن فحش حرصه ذلت نفسه، وغلب عليه الحسد، ومن غلب عليه الحسد، لم يزل مغموماً فيما لا ينفعه، حزيناً على ما لا يناله. وهذا معنى قول الشاعر:

ليس للحاسد إلا ما حسد

وقال:من شغل نفسه بالمنى لم يخل قلبه من الأسى. وقال بعضهم:الحقوق أربعةٌ: حقٌ لله تعالى، وقضاؤه ارضا بقضائه، والعمل بطاعته، وإكرام أوليائه، وحق نفسك، وقضاؤه تعهدها، بما يصلحها ويصحها، ويحسم مواد الادواء عنها، وحق الناس، وقضاؤه عمومهم بالمودة، ثم تخصيص كل واحد منهم بالتوقير والتفضيل والصلة، وحق السلطان، وقضاؤه تعريفه ما خفي عليه من منفعة رعية، وجهاد عدوٍ، وعمارة بلدٍ وسد ثغرٍ. وقال بزرجمهر:لا ينبغي للعاقل أن يجزع من حط السلطان إياه، عن منزلة رفع إليها خاملاً، فإن الأقدار لم تجر على قدر الأخطار. وقال بزرجمهر:إلزام الجهول الحجة يسير، وإقراره بها عسير. وقال بزرجمهر:ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة، من قلوب الخلق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي