ديوان المعاني/ذكر البلاغة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ذكر البلاغة

ذكر البلاغة - ديوان المعاني

ذكر البلاغة قال بعض الحكماء:البلاغة قول تضطر العقول إلى فهمه. قال الشيخ أبو هلال: يعني قولاً واضح المعنى غير مشكل المغزى. وسأل معاوية عمرو بن العاص من أبلغ الناس ؟ قال: من اقتصر على الإيجاز وترك الفضول. وليس يصلح الإيجاز في كل مكان، كما لا تصلح الإطالة في كل أوان، بل لكل واحد منهما حينٌ يحسن فيه ومقام يليق به إن أزلته عنه لم توفه حقه ولم تسلك به طرقه. وقال محمد الأمين: عليكم بالأيجاز فإن للإيجاز إفهاماً وللإطالة استبهاماً. أي عليكم بالإيجاز فيما كان الإيجاز فيه أحسن وأنجع، فأما إذا كانت الإطالة أرد وأنفع، فليس للإيجاز موقعٌ يحمد ولا حالٌ تعتمد. والإيجاز بجميع الشعر أليق، وبجميع الرسائل والخطب، وقد يكون من الرسائل والخطب، ما يكون الإيجاز فيه عياً، ولا أعرفه إلا بلاغة في جميع الشعر، لأن سبيل الشعر أن يكون كلامه كالوحي، ومعانيه كالسحر، مع قربها من الفهم. والذي لا بد منه حسن المعرض ووضوح الغرض. كقول: النابغة الذبياني:

فإنك كالليل الذي هو مدركي

وقال الفرزدق:

والشيبُ ينهض بالشبابِ كأنَّهُ

ليلٌ يصيحُ بجانبيهِ نهارُ

وقال الأعرابي:أبلغ الناس أسهلهم لفظاً، وأحسنهم بديهةً. وهذا حسنٌ جداً، لأن سهولة اللفظ، وحسن البديهة، يدلان على جودة القريحة، والبلاغة الغريزية، ووعورة اللفظ، تدل على تكلف وتعسف، ولا شيء أذهب بماء الكلام، وطلاوته ورونقه منهما، ولا يحسن معهما الكلام أصلاً وإن كان لطيف المعنى نبيل الصنعة. وقد أجاد ابن الرومي في قوله:البلاغة حسن الاقتضاب عند البديهة، والغزارة يوم الإطالة. فجعل البلاغة في الغزارة، كما جعلها غيره في الإيجاز. وقيل لهندي: ما البلاغة ؟ فقال:وضوح الدلالة، وانتهاز الفرصة، وحسن الكلام. وقال الحسن بن سهل: البلاغة ما فهمته العامة، ورضيته الخاصة. وقال عبيد الله بن عتبة:البلاغة دنو المتأخر، وقرع الحجة، وقليل من كثير. وروي هذا عن أكثم بن صيفي أيضاً. قال ابن المقفع:البلاغة اسم لمعانٍ تجري في وجوهٍ فمنها: ما يكون شعراً، ومنها ما يكون سجعاً، ومنها ما يكون خطباً، ومنها ما يكون رسائل. فعامة ما يكون من هذه الأحوال فالوحي فيها، والإشارة إلى المعنى أبلغ، والإيجاز البلاغة. وتأويل هذا ما قدمناه. وقال غيره:البلاغة قولٌ يسير، يشتمل على معنى خطير. وقال الآخر:البلاغة علمٌ كثير، في قول يسير. وقال جعفر بن يحيى: البلاغة أن يكون الاسم محيطاً بمعناك، ويجلي على مغزاك ولا تستعين عليه بطول الفكرة، ويكون سليماً من التكلف، بعيداً من سوء الصنعة، بريئاً من التعقد غنياً عن التأمل. وقل أعرابي:البلاغة التقرب من معنى البغية، والتبعد من حشو الكلام، وقرب المأخذ، وإيجازٌ في صواب، وقصد إلى الحجة، وحسن الاستعارة. وقال محمد بن الحنفية:البلاغة قولٌ مفقهٌ في لطف. وقال عليٌّ رضي الله عنه:البلاغة إيضاح الملتبسات، وكشف عوار الجهالات، بأحسن ما يمكن من العبارات. ومثله قول الحسن بن علي رضي الله عنهما:البلاغة الإفصاح عن حكمةٍ مستغلقة، وإبانة علم مشكل، ومثله قول محمد بن علي رضي الله عنه:البلاغة تيسير عسير الحكمة بأقرب الألفاظ. وقال ابن المقفع:البلاغة كشف ما غمض من الحق، وتصوير الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق. والذي قاله صحيح، لا يخفى موقع الصواب فيه على أحد، من أهل التمييز، وذلك أن الأمر الظاهر الصحيح، الثابت المكشوف، ينادي على نفسه بالصحة، ولا يحوج إلى التكلف لتصحيحه، حتى يوجد العيي فيه خطيباً، وإنما الشأن في تحسين ما لبس بحسنٍ، وتصحيح ما ليس بصحيح، بضرب من الاحتيال والتخييل، ونوع من العلل والمعاريض، ليخفى موضع الإساءة ويغمض موضع التقصير فيه. وقد فسرت في كتاب صنعة الكلام، مواضع الأشكال من هذه الفصول، فتركت إعادتها ههنا، فإذا أردتها فاطلبها في مظانها هناك، تظفر ببغيتك منها إن شاء الله تعالى. وقد أحب قومٌ الإيجاز في بعض المواضيع، منهم جعفر بن يحيى قال لكتابه:إن استطعتم أن يكون كلامهم مثل التوقيع فافعلوا. وقال بعضهم في المذهب الأول: إذا كان الإيجاز كافياً، كان التطويل عياً، وإذا كان التطويل واجباً كان التقصير عجزاً. وقيل لأعرابي ما البلاغة ؟ فقال: الإيجاز من غير عجز، والاطناب من غير خطل. فانظر إلى كلام هذا الأعرابي فهو بليغ. ^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي